منذ بداية هذه الحرب يخوض نتنياهو حربه بمعزلٍ عن العملية العسكرية، فهو يسعى لفك حبل المسائلة القضائية عن رقبته وهو الذي يزداد إحكاماً مع مرور الوقت .
وإنه لا يخفى على أحد أن جبهة نتنياهو الداخلية متضعضعة وهشة وتشوبها الكثير من الضبابية، ولعل تصريح ياريف ليفين نائب رئيس حكومة الاحتلال أنهم لا يخبروهم بتطورات الحرب في غزة وأنهم يتابعون مايجري من خلال الجزيرة أفضل مايعبر عن هذه الضبابية.
قبل مدة قصيرة تجاوب نتنياهو مع المقترح الأمريكي الذي ينحاز بشدة للطرف الإسرائيلي، بعد معرفته أن المقاومة لن تقبل بهذه المهزلة معتقداً أنه سيفقد المقاومة حاضنتها الشعبية، وسُيصدر فكرة أنه مهتم بالمفاوضات كإهتمامه بالحرب ومَعني بإتمام إتفاق ولكن المقاومة من تعرقل هذا كنوع من المخدر للجبهة الداخلية .
فأثبتت المقاومة مرة أخرى أنها أفضل من يُقدر الأمور استراتيجياً ورأى فيديو عيد الفصح اليهودي النور، والذي أظهر أسيرين ممتعضين من طول فترة الأسر ومحبطين من تعاطي حكومتهم وصل حد أن يرفض أحدهم الاستماع لتصريحات غالانت ونتنياهو كونها تقرب من أجلهم.
كما حث أحدهم المتظاهرين على الاستمرار بالاحتجاج وتوسيع الدائرة الاحتجاجية وهو يجهش بالبكاء ، مما زاد الاحتقان الداخلي وأشعل مظاهرات في أغلب المدن الكبرى كتل أبيب والقدس وحيفا وكان من المفاجئ تواجد موشيه يعالون وزير الدفاع السابق في مظاهرة حيفا.
أما زعيم المعارضة يائير لابيد فباركها ودعا لتكثيفها ريثما يتم إبرام صفقة وإسقاط الحكومة وأجراء انتخابات مبكرة.
وعلى الصعيد العسكري وبعد استقالة رئيس جهاز الاستخبارت أهارون حاليفا، أكد أخر اجتماع للقيادة العسكرية أن الحرب على غزة قد انتهت ولا يمكن كسب أي شيء سوا مزيد من الخسائر في حال اجتياح رفح، وأن أفضل وسيلة لإستعادة الأسرى هو الحل السياسي وهذا ما أكدته القيادة الأميركية ووزراء من مجلس الحرب كغانتس وايزنكوت المحسوبين على التيار المعتدل.
لكن نتنياهو لم يصغي لكل هذه التحذيرات واستمر بالوعيد وسط انزعاج أميركي ، خاصة أن الأميركين منحوه غطاء سياسي وعسكري لمدة سبعة أشهر ، أضر كثيراً بسمعتهم وأجج طوفان من الاحتجاجات انطلق كالنار في الهشيم بمعظم الجامعات الأميركية وغزا القارة العجوز.
ومع إقتراب الانتخابات لم يعد بايدن قادر على الاستمرار بهذه التغطية كثيرًا خصوصا أن نتنياهو لم يحقق شيء يُذكر يتسخدمه لصالحه مع تَغَيُر نبض الشارع العام الأمريكي والدولي وتأييده لوقف إطلاق نار فوري.
فراح الأمريكيين يستخدموا سياسة العصا والجزرة مع نتنياهو والمقاومة ويسابقو الزمن من أجل إبرام صفقة، فلوحوا بورقة محكمة الجنايات الدولية وإرجاء صفقات السلاح لإسرائيل وضغطوا على تركيا وقطر ليقنعوا المقاومة بالعودة للتفاوض مجددا.
المقاومة بدورها علمت بالجفاء بين بايدن ونتنياهو، فاستغلته بعدة عمليات نوعية استهدفت تحشدات العدو على تخوم رفح، واستهدافات أخرى بمحور نتساريم جعلت الأمريكيين يحركون الميناء العائم الى شواطئ عسقلان .
قدم القطريين والمصريين مقترح جديد للمقاومة وأبدت المقاومة مرونة بالمحادثات وسط استعداد لكافة السيناريوهات.
فكانت تفاوض وتدك مواقع العدو بصواريخ رجوم بنفس الوقت وتوقع خسائر استراتيجية بصفوف العدو علماً منها بخباثة نتنياهو، وعليه تم تقديم موافقة على المقترح المصري مما زاد الضغط على نتنياهو داخليا وتركت الكرة بملعبه وبذلك نجحت المقاومة بتعريته أمام جبهته الداخلية، ولتعلن للعدو قبل الصديق أنه عازم على اجتياح رفح ولا يأبه بالأسرى.
بعد قصف موقع كرم أبوسالم و ايقاع خسائر بليغة، سارع نتنياهو لإرضاء الجناح اليميني المتطرف الممثل ببن غفير وسموتريش فأعلن عن عملية محدودة في جنوب شرقي رفح وسط رفض أمريكي.
هذه العملية يبدو أنها لإسكات الغريزة الدموية لبن غفير وسموتريش وليَظهر نتنياهو بطل قومي لا يأبه بالضغوط الأمريكية ولا الدولية ويرفض الانصياع للأوامر الأمريكية ولعل ماقاله بن غفير وبرأيي الشخصي بإيعاز من نتنياهو أن اسرائيل ليست النجمة الواحدة والخمسون بالعلم الأمريكي خير دليل.
رأينا البارحة انعطاف بالموقف الأمريكي وصفت بالتاريخية حيث أعلن بايدن أنه سَيوقف صفقات سلاح مستقبلية، لأن اسرائيل استخدمت التكنولوجيا الأمريكية بإستهداف المدنيين، ولو أنها لن تؤثر كثيراً على قدرة اسرائيل القتالية على المدى القصير، لأن الجيوش تملك عادة ثلاث مخزونات استراتيجية من الأسلحة وتطلب الدعم بعد اقتراب المخزون الثالث من النفاد تحسبا لتقلبات الحرب.
لكن هذه التصريحات كانت بمثابة هزة في اسرائيل، ووصفها لابيد نتيجة لسياسة نتنياهو الفاشلة في إدارة الأزمات، كما أنها زادت مخاوف الإسرائيليين لأنه لايخفى على أحد أن الجيش الاسرائيلي معتمد على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية من بندقية M4 حتى F35.
ولكن وجود وليم بيرنز بالمنطقة ينذر بإقتراب صفقة تبادل واتفاق شامل لوقف إطلاق النار بإعتباره مهندس الاتفاقيات الأمريكية وبمثابة وزير خارجيتها الثاني، إلا أن ميكافيلية نتنياهو ستدفعه لمزيد من الدماء في الأيام القادمة، قبل أن يقوم فعلياً بخطوة كهذه ليظهر بمظهر البطل على الأقل أمام اليمين الداعم لمهزلته.
الكاتب والباحث محمود النادي
مقال يحلل ما يجري في دولة الاحتلال بطريقة موضوعية، لكن هناك ملاحظة على أي كاتب سياسي الأخذ بها، أن دولة الاحتلال مهما بلغت من (تحديها) للإدارة الأمريكية تبقى أسيرة وخاضع للإدارة الأمريكية، ولا يمكنها بأي حال من الأحول الخروج عن قراراتها، وعليها أن تؤدي هذا للدور الوظيفي، شرطي أمريكي/غربي في المنطقة العربية، وما كان لدولة الاحتلال أن تستمر في حرب لمدة تزيد عن سبعة شهور دون الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الأمريكي،
بخصوص الخلافات داخل دولة الاحتلال تبقى خلافات وليس تناقضات، فجميع الاحزاب في دولة الاحتلال تعي دورها الوظيفي وكل من يحاول الخروج/التمرد على هذا الدور يتمر تصفيته أو إبعاده