سيسجل التاريخ أن مقتل عصابة الشر ضد غزة هي حرب بين حضارتين حضارة الروح الصافية الطيبة الصادقة كروح أصحابها وحضارة الموت والنهب الظلامية القاتلة المجرمة كخزائن أصحابها.
يحكى أن معلما عبقريا كانت تشغله الفيزياء أكثر من أي شيء آخر وبسبب من عبقريته كانت المدارس تطلبه بالاسم وقبل الجميع التغاضي عن هندامه مقابل عبقريته إلى أن قررت الإدارة التربوية إعارته إلى إحدى مدارس الفتيات فذهب على ما هو عليه من فوضى الهندام وعدم حلاقة الذقن مما أثار حفيظة مديرة المدرسة وهي سيدة عرف عنها الالتزام والانضباط الشديدين فاستدعته إلى مكتبها وأفهمته ما أثار دهشته
قالت المديرة
- هل تعلم يا أستاذ أن المدرس تماما كالجندي وأن غرفة الدرس معركة ولذلك يجب أن تتصرف كجندي منضبط ولا يجوز أن تكون على هذه الحالة من الفوضى
وقبل أن يغادر مكتبها ذكرته بأن لا ينسى أنه جندي
في اليوم التالي اختار أستاذ الفيزياء أن يأتي متأخرا بضعة دقائق بما يضمن بدء الحصة الأولى حيث يعم الهدوء كل المدرسة وحين وصل وبدأ بصعود الدرج خرجت المدرسة جميعها من تلميذات ومعلمات بما في ذلك المديرة على صوت بسطار أستاذ الفيزياء يدق الأرض على طريقة العساكر فصرخت به المديرة - ما هذا يا أستاذ ؟
- حيرتينا أنت مش بدك نكون جنود في معركة العلم
وخرج أستاذ الفيزياء من المدرسة إلى غير رجعة وخرجت معه الفيزياء وظل بسطار الجندي وهندامه الممل مانعا لأي ابداع وأي فعل.
لم أسرد هذه القصة من باب الترف ولا التندر بمعلم قدير وفيزيائي مبدع لكن ما أراه من ابداع المقاومة في غزة وأبطال القسام وسرايا القدس وهم يقاتلون حفاة وفي أحسن الأحوال حفاية من النوع الذي لا يصلح للمشي على أرض معبدة ومع ذلك يجترحون المعجزات ومن حولهم عالم من الجيوش من كل الأشكال والألوان ببزات رسمية مكوية بعنايه ومزينة بأجمل الشارات والاشارات بعضها له معاني والبعض بلا معنى وبأوسمة عن معارك لم تحدث وتظل هذه الجيوش تعيش حالة من الانضباط والسيطرة التامة ويتعلم جنودها فن اللباس وفن المشي وفن العزف وفن تأدية التحية وفن الطاعة المطلقة ولا يعرفون عن الوطن إلا نشيده الذي يستمعون اليه ولا يفهمون منه حرفا لان همهم يكون منصبا على وقفتهم وشكل التحية التي يؤدونها طوال عزف النشيد وأبدا لا يتعلمون شيئا عن القتال ولا عن الابداع ولا عن الإبتكار ولذا ينتسب الجندي الى جيش بلاده حالما ويخرج منه مطحونا لا يحمل في جعبته إلا قدرته على نقل الظلم الذي وقع عليه الى عائلته ومحيطه.
مقاتلي المقاومة الفلسطينية او المجاهدين كما يلقبون انفسهم يحفظون نشيدهم الوطني كما يحبون وهم لا يلتزمون بكلمات محددة ولا بنشيد محدد فبعضم يحفظ ىية من القرآن الكريم ويعتبرها نشيده ونشيد بلادها ويهمها ويؤمن بها ويقاتل في سبيلها وآخرون يستلهمون من فلسطين وتاريخها وابطالها ما يكفيهم زادا للجهاد والقتال في سبيل غد فلسطيني حر.
طوال شهور ثمانية وها أنا اكتب على بوابة الشهر التاسع وأبو حفاية لا زال يقاتل دون ان يطلب ساعة للراحة ولا وجبة ساخنة ولا لباس نظيف ولا فراش وثير … أبو حفاية قد لا يأكل يوما او اثنين واذا اكل فهو لا يعنيه ماذا ولا كم كل ما يعنيه ان قطعة الخبز التي سيأكلها ستكفي زوادة له لمواصلة القتال وليس اكثر.
من باطن الارض يخرجون لم يعرفوا ترف الماء شرابا فكيف إذن سيعفروه للاستحمام ولم يعرفوا ترف اللباس النظيف ولن يجدوه بعد أن اصبح لباس السابع من أكتوبر هو اللباس الوحيد المتاح لهم ووضوء صلاة الفجر يوم السابع من أكتوبر هو آخر استخدام للماء لحاجة غير الشرب … على بوابة الشهر التاسع تقطعت آخر الأحذية وذابت آخر النعال واهترأت كل وسائل الانتقال وظلت أقدامهم مزروعة في الأرض كشجرها وهاماتهم تناطح السماء حبا بحثا عن مكانة هناك حيث يسكن من كانوا لهم نبراسا وراية.
قادة الاحتلال الذين وضعوا أمام الشعب الفلسطيني خيارات ثلاث قبل السابع من أكتوبر إما الرحيل وإما الخنوع وإما الموت فاجأهم الخيار الأول الذي لم يتوقعوه ولم يصدقوه ولا زالوا يعيشون حتى اللحظة وسيبقون كذلك تحت وقع الصدمة من هؤلاء أشباه الملائكة الذين يدفعهم إيمانهم ليصنعوا من العدم انتصارا.
في غزة ومنذ لإكثر قرن من الزمن والأعداء يحاولون عبثا اجبار هامات الرجال على الإنحناء وجعل أرحام النساء تلد خانعين وآخر المحاولات كانت في الحصار والحروب المتلاحقة طوال عقدين من الزمن حتى ان أحدًا لم يعد يصدق أن في غزة كل هذا الكم الهائل من مناجم الكبرياء والقوة والكرامة والعطاء وهوما جعل قادة حكومة عصابة نتنياهو يصابون بالهلع وهم يقاتلون اشباه ملائكة ولا يدرون من أين يخرجون وكلما اعتقدوا أنهم انتهوا منهم خرجوا أكثر بأسا وقوة ومن حيث لا يدري عدوهم.
قبل أن تبدأ الحرب الأرضية والمقتلة الاجرامية على غزة كتبت وقلت أن الاحتلال ككل احتلال يمنح الأبطال أدوات نصرهم فغزة الأرض الرملية المنبسطة بلا جبل أو واد أو تلة أو غابة أصبحت بقدرة قادر غابات من الإسمنت وصار للمقاومين بدلا للأنفاق التحت أرضية المحدودة أنفاقا لا حدود لها فوق أرضية من أكوام الركام وحصاد الجريمة ضد الحجر والبشر وتحولت إلى مقابر للغزاة حقا وبدل ان تكون الأنفاق مخابئ المجاهدين صارت أكوام الركام مخابئ والأنفاق لأعدائهم مقابر.
قد لا يأتي البطل أبو حفاية بنصر القرن الواحد والعشرين فورا ولكنه صنع معادلات لا حدود لها للقرون القادمة وقد كتبت بحفايته أول سطر في نصر البشرية ضد جلاديها
- فضح وبالمطلق حقيقة الدور الذي تقوم به دولة الاحتلال في فلسطين والمنطقة كقاتل مأجور للولايات المتحدة وعصابتها لا أكثر ولا أقل
- هشمت مشروع الولايات المتحدة الهادف إلى تسكين الشرق الأوسط وتحويله إلى قاعدة أمريكية تدار في مياهه الدافئة الحروب ضد روسيا والصين تحديدا.
- وضع حدا لكل مشاريع التسوية القائمة على الاستجداء والدونية وعلى قاعدة انتظار المنح من الولايات المتحدة وأن حقوق الشعب تمنح ولا تؤخذ.
- ألغى الفوارق الكاذبة بين الضعفاء والأقوياء وقدم صورة البطل المؤمن بقضيته العادلة والقادر على محاربة الشر أيا كانت قوته وإمكانياته
- أثبت السابع من أكتوبر أن زمن التحالفات والمحاور في مواجهة الولايات المتحدة وعصابتها الامبريالية لم ينتهي بغياب الإتحاد السوفياتي وقدم نموذجا لصلابة ومتانة الاحلاف والمحاور عبر تحويل كل قوى وجبهات محور المقاومة الى جبهة موحدة ضد المشروع الامبريالي في المنطقة وفي العالم وجعل من أصغر بقعة أرض ” غزة ” أكبر مركز للوقوف في وجهة أعتى قوى الامبريالية وأدواتها.
- كتب للعالم درسا جديدا في الاخلاق بعد أن أثبت لكل جهات الارض أنه لم يرتكب موبقة أخلاقية واحدة يوم السابع من أكتوبر وسقطت كل أكاذيبهم ولم تصمد امام الحقيقة
- كشف للعالم نفسه وللشعوب جميعا زيف الشعارات والاتفاقيات والقوانين والمواثيق والشرع الكونية والوطنية بكل أشكالها
- اثبت ان الحضارة ابدا ليست بنوع اللباس ولا بلون ربطة العنق ولا بدرجة لمعان الحذاء ولا بالوان الكتب ولا بدور السينما والنشر والإنتاج ولا بصناعة الطائرات والاقمار الصناعية ولا بالثورة الرقمية واقتصاد المعرفة ولا بإخضاع كل ذلك لإمبريالية المعرفة الجديدة المسلحة بأدوات الموت بدل الروح.
- أثبت أن الإرادة تصنع المستحيل وان الشعوب الحية لا يمكن ان تموت
- صنع حلفا للمظلومين على جبهات الارض ومع حفاة اليمن ولبنان وسوريا والعراق وايران ومعهم حفاة الأقدام مكتسي الروح في كل الأرض حلفا سيدوم عقودا وعقود الى ان ينتصر
- فتح الأبواب على مصراعيها لكل أصحاب الفكر الحر والنزيه أن يعيدوا قراءة فكرهم وكتابته من جديد على ضوء شموع أرواحهم وخطوات حفاياتهم وأن يسعوا لتأسيس فكر جديد لإقتصاد جديد وبدل إقتصاد وفكر الامبريانولوجي ” امبريالية المعرفة ” اقتصاد وفكر الروح وهو ما يحتاجه البشر لملأ الفراغ الذي حفره القتلة واللصوص بقيادة بايدن وعصابته في عقول البشرية.
- السابع من أكتوبر 2023 وما تلاه أسقط كل أوراق التوت عن عديد المسلمات التي لم تكن موضع نقاش جاد ومنها القومية العربية والمنظومة الإسلامية وصنع حقائق جديدة وأرضيات لتحالفات لم تكن في الحسبان أبدًا ومنح الهلال الشيعي مكانة مرموقة في دفة القيادة للمقاومة بالدم وقدم صورة المدافع الحقيقي عن المظلومية الواقعة على الشعب الفلسطيني لقوى محور المقاومة والتي تتكون من كل القوى الشيعية والمقاومة الفلسطينية التي تنتمي نظريا الى الإسلام السني.
- فضح الدور الحقيقي لعديد من أنظمة ودول العالم الرسمي والتي ظهرت على حقيقتها بما يعني أنه صنع حالة من الفرز بين القمح والزوان.
- صنع جبهة عالمية يمكن أن نطلق عليها جبهة النبلاء وهي تتألف من كل المؤمنين بالعدل والحرية وحقوق البشر والمساواة والقيم الإنسانية السمحة
- سيكتشف جيش الاحتلال وناسه غدًا بعد أن يعودوا لإحصاء قتلاهم وتذكر ما فعلوا أنهم يوما لم يدافعوا عن التوراة ولم يصنعوا مجازر ومذابح ومقتلة ولم يموتوا في سبيلها بل قتلوا دافعوا عن عصابة الولايات المتحدة وعصابتها وانهم لم يكونوا إلا قتلة ماجورين لخدمة أغراض أسيادهم.
للمرة الأولى عبر التاريخ تقدم بلد صغير وشعب صغير مظلوم ومعه كل المظلومين والمحاصرين والمحاربين في المنطقة قرابين على مذبح حرية الانسانية بعشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال إلى جانب تحويل مجتمع بأسره ” 2,5 مليون ” إنسان إلى شهداء وجرحى وجوعى وعراة ومرضى وعطشى حتى بات يستحيل القول ان هناك شخص سوي واحد على ارض غزة إلا أبطال المقاومة الذين يشغلهم القتال عن تلمس جراحهم.
لست أدري كيف سيكون شكل نهاية الحرب ” المقتلة ” ولا الحرب الأسطورة بالمقابل ولكني واثق أن أبطال المقاومة من كتائب القسام وسرايا القدس قد شقوا دروب الحرية للبشرية وأسقطوا مرة واحدة وإلى الأبد حكاية السطوة الأمريكية وشرعة ” الكاوبوي الأمريكي ” على جهات الأرض وأن مهمة أبناء المجتمع الإنساني اليوم أن يقوموا بتعبيد هذا الدرب وعلى بواباته أن يرفعوا نصبا تذكاريا لحفاية البطل وهي تكنس عن الأرض حضارة النهب والقتل والتدمير التي يقودها البيت الأبيض وعصابته.
رغم كل التأثيرات التي أحدثها السابع من أكتوبر على القضية الفلسطينية وفي مقدمتها إعادتها من نقطة الصفر إلى الوعي الإنساني إلا أن تأثيرات هذا اليوم وما بعده سيكون لها كبير الأثر على مستقبل البشرية وقد يكون جنون الولايات المتحدة وقاتلها المأجور هو الذي دفع بالسابع من أكتوبر ليتحول إلى أداة كي حقيقية ستمتد لعقود عقود للوعي الإنساني برمته وهي المرة الوحيدة في التاريخ الت يلم تتمكن فيه دولة القتلة المأجورين من لعب دور الضحية إلا لأيام قليلة سقطت بعدها بدفع من سيدها في بئر جريمة الغت كل مظلوميتها التي عاش عليها اليهود عبر التاريخ وحلت مكانها مظلومية الشعب الفلسطيني التي استمرت بمؤامرة كونية لأكثر من قرن من الزمن وثبت للعالم أن عليه التكفير عن جريمته بتغييب الشعب الفلسطيني وحقوقه وذلك لن يأتي أبدًا إلا بإستعادة البشرية لوعيها ومكانتها وإطلاق رؤية جديدة لحضارة تنفي حضارة الثروة والنهب لصالح حضارة الروح والعدل.
الأديب عدنان الصباح