تشرفت بأن التقيت بأستاذنا الكبير يحيى حقي عام 1987 في معرض القاهرة الدولي للكتاب معرض القاهرة للكتاب لأول مرة في حياتي، حيث استشهد ببيت شعر لشاعر الهند الشهير طاغور بقوله:«نحن كالموج إذا سكنا متنا»
واتخذ من هذا البيت شعارا لحياته وعنوانا لندوته كدعوة للحيوية والحركة بكل أنواعها، سواء الجسمية أو الذهنية بإعمال العقل وتشغيله وعدم الركود والتوقف عن الإبداع أو التفكير والنشاط، ليبث في كل الحاضرين الذين كانوا جميعا يصغرونه في السن روحا نشطة وأملا وثابا في حياة مليئة بالنشاط الفكري والذهني، ولمست أيضاً من اخلاقه السامية تواضعه الجم شأن كل العظماء الحقيقيين لا المدعين، فتعلمت منه درسا في الحياه والأخلاق والأدب كيف يواجه الناس وكيف يحتضن من هم أصغر منه، بصوته الهادئ وكيف أقنعهم بأفكاره.
حقيبة في يد مسافر
لا يصنف هذا الكتاب تحت راية القصة أو الرواية بالمعنى المفهوم فالكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي تدور حول السفريات التي قام بها إلى دول مختلفة منها فرنسا وألمانيا والصين في نظرة مقارنة بين بلاد العرب في الشرق وبين بلاد أوروبا في ذلك الوقت محاولا أن يضع يديه على أسباب تقدمهم وأسباب تأخرنا، باحثا عن السبل التي يجب علينا أن نتبعها إذا أردنا أن نلحق بركب التقدم قبل أن تتسع الهوة بيننا وبينهم،
ثم يسافر إلى الصين ويرى نموذجا مختلفا عن الصورة المصدرة لمصر عن المواطن الصيني سواء في ملبسه أو سلوكه الذي يتسم بالنظام والحرص على تنمية الروح الجماعية سواء في العمل أو في الاحتفالات وأثر ذلك في نهضة الصين التي تحققت الآن نتيجة مشروع نهضوي اتبعوه بجدية ولم يحيدوا عنه وعلى الجانب الإنساني أسار إلى تفانيهم في بر الوالدين والعناية بكبار السن منهم، والاهتمام بالعلاقات الإنسانية داخل الأسرة والعائلة.
ولم ينس أن يقارن بين الأمم في ملابسهم، ونزوع محمد على وأولاده إلى تغيير نمط الملابس في مصر بالتدريج تقليدا للزي الغربي، ولفت إلى التغير الموازي في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي فرض برنيطة الغرب على رأس الأتراك بديلا للطربوش، ظنا كمنه أن الرأس تحت البرنيطة غيرها تحت الطربوش من حيث التفكير والإبداع، ورصد تخلي طلاب الأزهر وخريجيه عن الزي الأزهري واستبداله تدريجيا حتى غيروه تماما إلى الزي الإفرنجي، ومنهم طه حسين والهلباوي وسعد زغلول.
وفي لفتة جميلة قارن بين أخوين شقيقين بينهما بون شاسع من حيث الرقة والخشونة والاهتمام والاهمال وفاجأنا بأنه يقصد البحر المتوسط بمدنه الجميلة في مصر وشواطئة التي تهتم بها الدولة،ويقصدها المصطافون دائما، وبين البحر الأحمر الذي أهملت شواطئه وخلت مدنه من السياحة الداخلية. ويبدو كأنه وحشي لوقوعه بين جبال وصحراء قاحلة، ودعا الدلة إلى الاهتمام بتنشيط السياحة الداخلية بل بإعداد مناهج دراسية تأخذ هذه الطبيعة المختلفة في الحسبان.
وفي مقارنته بين اهتمام مصر واهتمام فرنسا بالحدائق بأنواعها وخصوصا حدائق النباتات وحدائق الأسماك، أشار إلى مدى الإهمال الذي تعانيه حديقة الأسماك والنباتات في حديقة الحيوان بمصر، رغم حرص مؤسسيها على أن تضم الأشجار النادرة بتنوعها، ولكن يد الإهمال طالت كل شيء فيها.
ولكنه لم ينس أن يشير إلى اقتنائهم الهيكل العظمي للشهيد سليمان الحلبي الذي قتل كليبر لأنه فتك بآلاف المصريين، في متحف الإنسانيات بباريس من باب التشهير به ميت، بعد أن نكلوا به حيا بأشد ألوان التعذيب، وهذا طبعا أثار حفيظتنا كعرب ومسلمين، وفضح ادعاءاتهم الزائفة تحت شعار الإنسانية وحقوق الإنسان وحقوق الآخر، فقد وضعوا هيكله العظمي تحت عنوان (القاتل)، بل أين حق صاحب الجمجمة التي وضعوا عليها لافتة (لص) ولكنها كلمات يتشدقون بها، عندما يكونون هم الآخر يطالبوننا بأن نضعه فوق رءوسنا ونطبطب عليه، وعندما نكون نحن العرب والمسلمين هو الآخر يضعوننا تحت أحذيتهم ويفرموننا بلا هوادة ولا يراعون في أحد منا إلا ولا ذمة، فأين حقوق هذا الإنسان.
تشرفت بأن التقيت بأستاذنا الكبير يحيى حقي عام 1987 في معرض القاهرة الدولي للكتاب معرض القاهرة للكتاب لأول مرة في حياتي، حيث استشهد ببيت شعر لشاعر الهند الشهير طاغور بقوله:«نحن كالموج إذا سكنا متنا»
واتخذ من هذا البيت شعارا لحياته وعنوانا لندوته كدعوة للحيوية والحركة بكل أنواعها، سواء الجسمية أو الذهنية بإعمال العقل وتشغيله وعدم الركود والتوقف عن الإبداع أو التفكير والنشاط، ليبث في كل الحاضرين الذين كانوا جميعا يصغرونه في السن روحا نشطة وأملا وثابا في حياة مليئة بالنشاط الفكري والذهني، ولمست أيضاً من اخلاقه السامية تواضعه الجم شأن كل العظماء الحقيقيين لا المدعين، فتعلمت منه درسا في الحياه والأخلاق والأدب كيف يواجه الناس وكيف يحتضن من هم أصغر منه، بصوته الهادئ وكيف أقنعهم بأفكاره.
د. صبري زمزم