حملة Blockout 2024 للكاتبة الإعلامية يارا فريج

شعور عارم بالحزن ينتاب المشاهد الذي يقضي كل ساعات يومه أمام شاشة صغيرة، شاشة بأجنحة تحملك وتحلق بك إلى مكان الحدث. ومنذ الحرب الأخيرة على غزة، باتت هذه الشاشة تبث سمومًا في قلوب المشاهدين وتحملهم إلى غابة ترتكب فيها قوات العدو كل المجازر الشنيعة بحق الأبرياء والضعفاء العزل!


أيمكن لعينيك أن تكون عصية الدمع أمام مشاهد الحرب الأخيرة في غزة؟!


على سبيل المثال، أيمكن لمشهد أم مذعورة عالقة بين الركام مع بقايا صبر تتشبث بجثة طفلها الرضيع كما تتشبث جذور الأشجار في تربتها، تشد عليها بأذرع راجفة تعانقها بشراسة الخوف من الفقد والشوق حينما تواريه الثرى، ترفض تسليمه لأحد غير مصدقة أن طفلها الذي لم يتجاوز عمره الأشهر قد فارق الحياة، وكأنه عبر العمر بسرعة عبور البرق لكنه عبر من روح والدته المنهكة تاركًا بها خيبة لا تزول!


أيمكن لأي إنسان أن يتجاوز هكذا مشهد؟! أم سيشعر أن خيبة المرأة وحزنها رصاصٌ اخترقَ قلبَه وشطره لنصفين؟

حرصتُ على استخدام كلمة “إنسان” لأن الإنسانية تعني ألا تكون في مصائب الآخرين كالصنم عديم المشاعر. الإنسانية أن تشعر بكل من حولك، أن ترفض الظلم لو كان يبعد عنك قارات، أن تتعاطف مع أطفال بينك وبينهم آلاف الأميال.


قرأت يومًا اقتباسًا جميلًا للكاتب ليف تولستوي جعلني أتوقف لعمق الحكمة بين سطوره. يقول: “في مآسي الآخرين وانكسارهم، إياك أن تبتسم، تأدب في حضرة الجُرح. كن إنسانًا أو مُت وأنت تحاول.


وكأنه يقول لك: ألا تشعر بأحزان الآخرين تلك مصيبةٌ لك، لكن أن تبتسم فالمصيبة أعظم.
إذا جلست في منزلك الهادئ على أريكتك المفضلة وأطفالك ينعمون بالأمان، لا تجعل هدوء المشهد حولك ينسيك عنف وحزن المشهد حول الكثير من العائلات. لا تنسى أن أطفال غزة كأطفالك، من حقهم الطبيعي أن ينعموا بالأمان، ومن حق الإنسانية عليك أن تتعاطف معهم، أن تبذل كل ما في وسعك لإنهاء وحشية العدو الذي يفرغ شحنات حقده بأجساد صغيرة لم تعرف معنى الحياة بعد.

وانطلاقًا من أننا جميعًا نستطيع تغيير النتيجة ونستطيع أن نفعل شيئًا ولو بسيطًا من أجل أبرياء غزة، فلو لم يكن للكلمة أثرًا عظيمًا، لما كان هناك خطابات، ولا كتب، لما بدأت العلاقات بكلمة وانتهت بكلمة.


وإيمانًا من الجميع بأثر الكلمة، انطلقت حملة في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان “Blockout 2024” لمقاطعة المشاهير الصامتين على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة. الحملة ليست بجديدة، لكنها وصلت ذروتها بعد حفل (Met Gala) في نيويورك، حفل يقام لجمع التبرعات إلى معهد الأزياء، ويسارع مشاهير العالم لشراء تذاكر باهظة الثمن لحضوره والمشاركة به. وخلال الحفل، ترى أسراب المشاهير تتجول بأزياء تعبر عن موضوع معين تم اختياره من المسؤولين عن الحفل. وهذا العام كان الموضوع قصة “the flower of the time” التي تعبر عن الثراء والسخرية من المعاناة والفقراء، مما أثار غضب القائمين على الحملة، فقاموا بتنظيم قائمة كبيرة لأسماء المشاركين بالحفل لمعاقبتهم وحظرهم.

وقد قام أحد المشاركين بالحملة بتأليف وغناء أغنية على لحن الفيلم “the hunger games” للمساهمة بالتوعية بما يحدث في قطاع غزة المنكوبة.


كلمات الأغنية تقول:


are you are you staying silent too
هل ستبقى أنت صامت أيضاً ؟
most people killed but far away from you
قتل غالبية الناس لكن بعيداً عنك .
People keep dying and we all just live our lives
يستمر الناس في الموت ونحن فقط نعيش حياتنا
but a child loses all in land of palestine
لكن الطفل يخسر كل شيء في فلسطين .


وقد صرح أحد القائمين على الحملة أن الأمر ينجح لأن (كيم كارديشان) قد خسرت ثلاثة ملايين متابع، في حين يتساءل العديد ما الذي يجعل المشاهير يخسرون ملايين المتابعين محبة الجمهور؟! فقط من أجل الصمت وعدم النطق بكلمة حق منذ صغرنا ونحن نردد (الساكت عن الحق شيطان أخرس). فلابد من قول كلمة الحق ولو على قطع الرأس كي لا تصبح شيطان أخرس.


وبدأت الحملة بالانتشار بالوطن العربي وطالت كل مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها (تيك توك، تويتر، فيس بوك).


وأمام كل هذه التفاصيل راودني مقطع من روايتي الحب زمن الحرب كتبت به ( لو حدقت النظر بشبكة التورط سيصعقك تورط الجميع ، الجميع متورط والفرق يكمن بالاختلاف فقط فأحدهم تورط بملء إرادته تبع مصالحه وأهمل مصلحة وطنه العليا وآخر تورط بجهله تبع الفتنة مخدوعاً هارباً من قسوة واقعه وظروفه ، وأخيراً الخيوط الأقل تعقيداً في هذه الشبكة هي نحن .. نحن الخيط الأبيض في شبكة التورط السوداء لكن ذلك لا ينفي أننا متورطون لأننا عجزنا عن نطق كلمة حق وبسبب قلة حيلتنا لتغيير مسار ما يحدث فأن تقف متأملاً الخراب بصمت أنت متورط بصمتك فعلى سبيل المقاومة كلمة وذلك أضعف الإيمان ،

فلو تطرقنا لعقيدتنا وإلى حديث رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).
أسهموا في تغيير المشهد وإنهاء الحرب وإبادة الأبرياء ولو بكلمة حق وذلك أضعف الإيمان.

الكاتبة الإعلامية يارا فريج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *