حوار أم صراع بين الصيغ القصيرة جدا سلطة شكل أم تبادل أدوار للكاتب حيدر الأديب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما تفعله القصة القصيرة جدا هو استدعاء الاشكال لاستخدام ممكناتها في البنية العميقة كنسق مضمر او الخروج الى هذه الاشكال كمحاكاة في استنطاق السرد عبر الشكل

بمعنى انها تقوم باستدعاء الأشكال الأدبية واستخدامها بوظائفها الممكنة ضمن البنية العميقة للقصة القصيرة جداً، بحيث تظهر إما كعنصر مضمر (نسق خفي) يخدم البنية السردية، أو يتم الخروج بها إلى السطح عن طريق محاكاة هذه الأشكال، لتحفيز السرد بآلياتها الخاصة.

ما يعنيه هذا، هو أن القصة القصيرة جداً قادرة على التفاعل مع الأشكال الأدبية الأخرى (الشذرة، الحكمة، الطرفة، الصورة الشعرية)، الخ ) ، لكنها لا تفعل ذلك بشكل عشوائي أو تقليدي. بل هناك نوع من الاستيعاب الضمني لهذه الأشكال في العمق البنيوي للنص، بحيث يصبح كل شكل عنصراً متكاملاً يخدم الفكرة بطريقة غير مباشرة.

على سبيل المثال:

عندما تستدعي القصة القصيرة جداً الحكمة، فهي لا تقدمها بشكل مباشر كهدف نصي مستقل. بل يتم استيعاب الحكمة في النص كنوع من التأمل أو المغزى العميق الذي قد لا يُعلن صراحة، ولكنه يتجلى في البنية المعرفية للنص.

إذا استُدعيت الصورة الشعرية، لا تتحول القصة إلى قصيدة، بل يتم توظيف تلك الصورة داخل السرد لخدمة التأثير البصري أو الشعوري، مما يعمّق الانغماس في الحدث أو الفكرة.

أما إذا خرج السرد إلى محاكاة هذه الأشكال بشكل صريح، فيكون الهدف هنا ليس تقليدها بل استنطاق السرد بآلياتها الخاصة. بمعنى آخر، القصة القصيرة جداً قد تختار تقديم نفسها كحكمة أو شذرة أو حتى طرفة، لكنها تفعل ذلك في إطار السرد، مما يعني أن الشكل المختار يصبح وسيلة وليس غاية. الهدف هو استنطاق القوة السردية من داخل تلك الأشكال، والاستفادة من إمكانياتها لتوصيل فكرة القصة بصورة مكثفة ومؤثرة.

إذن، القصة القصيرة جداً تتفاعل مع هذه الأشكال عبر مستويين:

المستوى الضمني (البنية العميقة): حيث تكون الأشكال موجودة كأنساق خفية، تدعم البناء السردي وتوجهه دون الظهور على السطح بشكل مباشر.

المستوى الظاهري (الخروج إلى السطح): حيث يتم محاكاة هذه الأشكال في بنية النص لاستنطاق السرد عبرها، مما يمنح القصة طبقات متعددة من الفهم والتأويل.

بهذا الشكل، تحقق القصة القصيرة جداً مرونة سردية عالية، تستفيد من الممكنات التعبيرية لتلك الأشكال ولكن دون أن تحبس نفسها في قوالبها الجاهزة. هي تستدعيها لتوظيفها بشكل إبداعي ضمن هيكل سردي يخدم فكرتها الأساسية وعمقها الفلسفي أو الدرامي.

الكاتب حيدر الأديب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *