خاطرة اعتراف للكاتبة سيدة بن جازية

ذات يوم كبرت بالصدفة، لا أعرف كيف ومتى ولكنني كبرت،حين عانقت أبي اشتممت رائحة الأمان فلازمته، بل أصبحت انتظر عودته من العمل حتى أجالسه وأحادثه وكان كل إخوتي يستغربون هذا السلوك وهذا الإفراط في المحاباة لرجل مزج الهزل بالجد مع ميل شديد للصلابة،و الحزم ….

مرت أيام وأعوام و مشاعري تتقد، تبوح مرة و تلتزم الكثمان بعض أوان، أصبحت صديقة والدي ومكمن أسراره حتى خلت نفسي صندوقه الأسود أو مذكرة النسيان، صرت امتلك عصارة تجاربه وخبرته بالحياة وكأنني أعيش زمنين في آن.
لم يكن يرفض لي طلبا ولم أكن شديدة الدلال أو لجوجة ملحاح ، بل أعي حدودي وأقدر إمكانياته و ما عليه من واجبات و مسؤوليات حتى أنني لا أذكر أنني كنت أتأفف أو أشعر بالغبن كالبقية، فقلبي كبير ومليء بالإيمان، يحصل مرات ومرات أن أقف مدافعة عن أبي أمام الكل فأنا لا أرضى أن يقدحه إنسان ولن أصمت أمام هذا العدوان …

كلما ازداد نضجي ازداد حبي لهذا العملاق الإنسان، لكن الحياة شرعت تدربني على البعد والفصال ولم تعي أننا مهما انفصلنا جسديا فروحي تأبى النسيان والتحمت روحا بين جسدين فالأبوة أعظم رباط يهزم مفاجآت الزمان .

انتقلت إلى الجامعة و فصلت بيننا المسافات لكن قربتنا الهواتف ومواضيع النقاش الساخنة عن السياسة والاقتصاد و الاجتماع وبات يعاملني كأستاذ يحاضر لتلميذ عنيد في العنفوان وما أروع ما كان يدور بيننا، نقش ثمين حفر كل حرف في عمق الروح وأخذ مني مجرى الشريان…

تواصل مرورك المتعجل أيتها القاسية وأخذ القطار يسرع ويسرع ووجدتني استقل عنك يا والدي ليأخذني غمار العائلة الجديدة والأطفال إلى عالم مكتظ مليء بالمهام وفي تلك الغمرة سرقتك الحياة مني لترقد وحيدا تاركا روحك ترفرف بيننا وكالعادة تحرسنا بالرضوان نناجيها وتناجينا و تزورنا بالمنام ، يكفينا لطفا من الأقدار و السلام.
ماذا لو كنت بيننا الليلة تحتفل بعيد الميلاد، وتسامرنا بين جناحيك واسترق منك ثانية كل الأمان. ماذا لو عاد بنا الزمان
إلى جنة الخلد يرعاك الرحمان.

الكاتبة سيدة بن جازية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *