خان يونس و سلاح الأنفاق

في مواجهة الحقد الدموي وصواريخ سلاح الجو الإسرائيلي و قذائف الدبابات و المدرعات تشكل الأنفاق في مدينة خان يونس، سلاحاً إستراتيجياً تستخدمه المقاومة الفلسطينية بمواجهة الإحتلال وعدوانه على قطاع غزة.

وتنقسم الأنفاق في مدينة خان يونس إلى أربعة أقسام وهي:

1- الأنفاق الهجومية، المخصصة لاختراق الحدود مع الأرض المحتلة، وشن هجمات خلف خطوط العدو المتقدمة نحو المدينة.

2- الأنفاق المخصصة كمرابض لراجمات الصواريخ ومدافع الهاون، وهذه الأنفاق توفر أيضاً الحماية لمقاتي قوة النخبة وسلاح المدفعية من غارات الطائرات، وتسمح لهم بإطلاق الرشقات الصاروخية من تحت الأرض.

3- الأنفاق الدفاعية، وتستخدم ضمن الأراضي التي تسيطر عليها المقاومة، لنصب الكمائن وتنقل المقاتلين بعيداً عن أعين الطائرات والمسيرات وغاراتها.

4- الأنفاق اللوجستية، وتستخدم كغرف قيادة وسيطرة لإدارة المعارك وتوجيه المقاتلين وإقامة القادة الميدانيين، وتخزين الذخائر والعتاد العسكري، وتجميع المجموعات المقاتلة، كما أنها تضم غرف ومقاسم الإتصالات السلكية الداخلية للمقاومة.

وحول بدء إنشاء الأنفاق في مدينة خان يونس تقول الروايات الفلسطينية القديمة بأن أول نفق بناه الفلسطينيون في خان يونس، يعود إلى القرن الرابع عشر وتم اكتشافه في العام 1933، حيث كان أهالي المدينة يتوارون داخله في أوقات الشدة والمواجهات.

وقد عاد الفلسطينيون إلى إستخدام سلاح الأنفاق، رغم الحصار ومنع إدخال مواد البناء والحديد، عبر الرقابة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية المشددة على مدار الساعة، وبكافة الوسائل الحديثة، ولكن عمليات حفر الأنفاق وتوسيعها وتطويرها، استمرت في عموم مدن ومناطق قطاع غزة، وخاصة في خان يونس التي أعلن في العام 2013 عن إكتشاف نفق للمقاومة فيها عرف بإسم (النفق الأسطوري) وذلك بسبب عمقه الذي يتجاوز الـ 20 متراً وامتداده لمسافة 2500 متر، واستخدام أكثر من 800 طن من الإسمنت المسلح في بناءه وتدعيم أسقفه وجوانبه بألواح خرسانية، وتجهيزه بشبكة إتصالات وكهرباء، وقد جرت كل عمليات إنشاءه بشكل سري بعيداً عن أعين جيش الإحتلال، وشكلت عمليات أخراج نواتج الحفر وتفريغها لغزاً لم يحله المحتلون حتى الآن.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت مدينة خان يونس التي تعتبر أكبر محافظات قطاع غزة، وتقع في جنوبه تمتاز بكثرة أنفاقها الهجومية والدفاعية وابداع مقاوميها المستند إلى تاريخها الحافل بالمقاومة منذ خمسينيات القرن الماضي.

وقد وصف قادة جيش الإحتلال أنفاق مدينة خان يونس بأنها فريدة من نوعها، وأن تدميرها مستحيل، ويشبه الخيال العلمي على الرغم من تقديم الإدارة الأمريكية كل أشكال الدعم والإمكانيات لتدمير الأنفاق، ولكن جيش الإحتلال يفشل في المهمة، وقال أحد قادته بأن الأنفاق السرية يبلغ طولها عدة كيلومترات وتشبه مدن كبيرة تحت الأرض.

وتمثل الأنفاق في المعركة البرية نموذجاً أسطورياً على صراع الأدمغة ما بين المقاومة والإحتلال، وتشكل هاجساً كبيراً مرعباً لقواته التي تحاول الدخول والتمركز داخل المدينة، حيث يعيد الإحتلال ترويج أكاذيبه حول وجود قادة المقاومة والأسرى الإسرائيليين داخل مدينة خان يونس في سيناريو مكرر لدعايته الفاشلة حول وجود قادة المقاومة والأسرى في مستشفى الشفاء، ويعود السبب في ذلك لبحثه الدائم ومنذ بداية العدوان عن صورة نصر له خاصة في مدينة خان يونس التي ولد فيها وانطلق منها القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وقائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار.

وأيضاً بسبب رمزيتها وتاريخها الحافل بالمقاومة ودورها المقاوم في العام 1956 ومساندتها لمصر خلال العدوان الثلاثي، ومشاركتها في إنتفاضة الحجارة عام 1987، وإنتفاضة الأقصى عام 2000 في مواجهة كافة الحروب التي شنت على قطاع غزة منذ العام 2008 وصولاً إلى معركة طوفان الأقصى، حيث يستخدم المقاومون سلاح الأنفاق لتدمير الدبابات الإسرائيلية في كافة محاور القتال، التي تدور فيها أشرف المعارك من المسافة صفر، وعلى كل سنتيمتر من أحياء المدينة ومخيمها الصامد غربها. كما هي صامدة شرقه، والصمود في غزة وخان يونس عابر لكل الجهات.

ويتحرك المقاومون الفلسطينيون في المعارك الحالية من فوق الأرض ومن تحتها حاملين الأسلحة المضادة للدروع على ويضعون السهم الأحمر المقلوب على الدبابات الإسرائيلية قبل تدميرها مستخدمين أيضاً الأنفاق التي تشكل تحدياً لجيش الإحتلال وتمنح الفرصة للمقاومين بالظهور في مشهد ملحمي من عين النفق الذي يستخدم لنصب الكمائن وإطلاق الرشقات الصاروخية نحو المدن المحتلة عام 1948، لتؤكد خان يونس بأنها القلب النابض لقطاع غزة لمقاومتها الباسلة ورفضها للخضوع والتهجير.

الكاتب والإعلامي حمزة البشتاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *