دراما رمضان 2024(البلطجة والنفوذ عادة) ل د. أحمد مصطفى


قد يدرك البعض حقيقية مايحدث في مجتمعنا من خلال تلك المواجهات الدرامية التي تتخذ من حلقات المسلسل طريقا لسرد تلك التحولات المتسارعة والمتصارعة مع أطياف المجتمع على أساس من الوعي بأهمية الأشياء وطبيعتها .إلا أن المرء في كثير من الأحيان قد ينتابه قصورفي فهم الحاضر فيتجه إلى ماضيه لعله يجد ضالته ؛فيستخلص من مواقفه وسلوكياته كمأ لاباس به من البدائل التي تنسيه إدراك أو قبول الحاضر ،لكن المستقبل قد يأخذه في أحلام يقظته،وقد بنى عالما من الوهم يبعده عن سلبيات الواقع ومخاطره.وعودة المرء إلى ماضيه وحنينه إلى قديمه نزعة فطرية ،تمثل نوعا من مجاهدة الذات ومواجهة الحاضر المليء بالقلق والتوتر والصخب ،وكأن المرء يجنح من خلال هذه العودة للتشبث بما تبقى عنده من بصيص أمل يخلصه من شره وقلقه ووجع ضميره ونداء المحاسبه.


وفي مسلسلات رمضان 2024م يتخذ صناع الأعمال رمزا لجانب من المجتمع الذي تتحول فيه القيم والمباديء ؛ لم يستطع أبطال العمل الدرامي أن يحموا أنفسهم من براثن الشر التي التصقت بهم ؛فكلما نجوا من مكيدة أوقعتهم في أخرى حتى أصبحوا يملكون المال والسلطة ولايجدون لهذا لذة بعد أن تساقطت كل لذتهم في بئر الجريمة التي ذكرتني بفيلم (انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط) الذي تعود القتل ؛ليحمي نفسه ويتستر على جريمته الأولى ،وكأن القتل الأول جره لمزيد من جرائم القتل مبررا لنفسه الأمارة أنه ما قتل إلاليعيش .
وهناك (الوزان) ممثل الحماية ومتقن الدعاية وثعلب التستر وأمير الدهاء، صاحب اللزمات والتعبيرات والابتسامات الساخرة والمبررات التي يسرف في استخدامها ؛ليصل بنا إلى دلالات معينة نستطيع أن نكتشف من خلالها أن كل شيء مباح وكل شيء يمكن ترقيعه وعلاجه مادام المحرك الرئيس (المال) موجود.


وعلى النقيض من (العتاولة ) نجد (نعمة) في مشاهد البغض والكره والحقد تسارع زوجها وتتوعده في حوار قوي وتعبير مبهر ولفظ نابي قاتل وموهبة رائعة تصنع منها زوجا شرسة قدينفر منها الكثير وقد يؤيدها الكثير،إلا أن آداء الحرقة بحرفية عالية متقنة جاءت على موقف واحد مستمد من كمية الغل الكامن في صدرها لزوجها وزوجه الحسناء .
تتوالى الأحداث في مشاهد بغيضة لاتكاد تغيب عن الوعي حتى باتت مشاهد العنف والسرقة والقتل مشاهد محورية لدراما المسلسلات ، تستمر خيوطها إلى النهاية ،وكأن القتل هو العصا السحرية التي تحرك العناصر والشخصيات،لكني على يقين أن (السقا ) ليس هو الموهبة الأولى في تتابع الأحداث كما أن السقا تقل نجوميته مع غيره من الممثلين المحترفين… ف(خالد النبوي) كان أقوى منه في (الديلر) ، و(باسم سمره) أرى أنه أفضل منه في (العتاولة) كما أن أداء الشخصيات في مشاهد الحلقات يشعرك بأن كل منهم بطل في دوره ولاأدل على ذلك مشاهد عاطف (مصطفى أبو سريع) و(شيكو) و(كريم محمود عبد العزيز) ولازماتهم المؤثرة التي وافقت هوى المشاهد وأثلجت قلبه ومشاهد (المداح) و(فتحي عبد الوهاب)و(العوضي) و(كرارة) حتى (محمد إمام) الثعلب الماكروهو يلاعب شيخون ( مجدي كامل) الكاذب الطماع الجشع ، الذي يحب نفسه والمال أكثر من أي شيء أخر ، ف(كوبرا) يشبه (إبراهيم الطاير) في تفرع حكايات وهروبه من اللصوص ومطارداتهم له… لقد أبرزت المسلسلات نجوما أهم من (السقا وشعبان وكرارة وجلال …..وغيرهم )،إلا أن الشخصية الرئيسة دائما يكون عليها الضوء وإليها يرد الحدث وبها تقوم بنية النص .
وعلى الرغم من أن (البطل) يستمد قوته من خصومه الذين يسوقوه للهاوية ويفسدوا عليه حياته ‘لا أن نهاية المسلسلات شبه متوقعة؛ فالقاتل يقتل ولوبعد حين ، لكن انتصار (نصار وكوبرا ورفاعي وعرب) لأهلهم وتمسكهم بعادات وتقاليد الحارة جعل منهم أبطالا شعبين؛فكريم القوم لايحمل الحقد والصعيدي الحق لاياكل ناسه ولايعاديهم ، فالخصومة -إذن- لاتقوم على ارضاء نزوة أو شهوة بل على خلاف حول مبادئ أو غايات،هكذا كانت المواجهة الدائمة بين (نجوم رمضان ) وأنفسهم في انكسار أعينهم وفي حوارهم الذاتي الذي أتعبهم كثيرا …. إن صناع المسلسلات قدمموا أسطورة اخرى من وجهة نظرهم ، استعانوا فيها بكثير من عناصرأعمالهم السابقة ، مع تغيير ملحوظ في الأسماء ، وكل مخرج كان عنده نفس المباديء مع اختلاف الشخصيات وتباين وجهتها فلم يقدم لنا سوى صورة من صور الفساد وغياب هيبة الدولة والبحث عن الثراء السريع بطرق غير مشروعة “مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”

د. أحمد مصطفى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *