دلالات اغتيال الاحتلال أبناء هنية؟

 إن الحديث عمّا يجري اليوم في غزّة مهم وضروري وواجب، ولا يجوز تجزئته، وفصل محطاته فالرؤية الصهيونية الوحشية لا تميّز بين عربي وآخر، ولا بين عرب اليوم، وعرب التاريخ، فالهدف إغلاق الأفق الحضاري للعروبة والإسلام والمسيحية، فالمسألة ليست مسألة حوار، ولا سجال بين توصيف سلام أو استسلام، مقاومة أو تطبيع، غزة أم حماس، جنوب أم شمال… بل هي مسألة أرض ومقدسات، حقوق وقضايا، مصير ووجود، تقع المقاومة في غزة اليوم في إطار نهج وثقافة وسياق، وهي جزء من قضية مركزية مستدامة، لا تنحصر بحركة ولا بمحور ولا بحزب، إنها قضية شعب وأمة، كانت وستبقى مركزية تاريخية شعبية أكثر منها رسميّة طارئة، بمعنى هي مبدأ وعقيدة ووجدان يتم تناقل همومها وآمالها وآلامها عبر الأجيال التي تتوارثها


واليوم غزة في القلب، (فلسطين هي القضية) وهي جرحٌ ينزّ ف غزة اليوم (تجسيد للقضية ولجوهرها، وتعبير صارخ عن معاناة شعبها….. وبإرادتنا فقط، وبالرأي العام الشعبي الجارف في بلداننا، وبما فرضته المقاومة الفلسطينية من واقع جديد في منطقتنا… نغيّر المعادلات).
هذه المجزرة الهمجية والجبانة تؤكِّد أنَّ العدو يعيش حالة من التخبط إثر الفشل الميداني في تحقيق أهدافه، وأنَّه يسعى إلى التعويض عنها بتوجيه سهام حقده الأعمى انتقامًا من أبناء المجاهدين وعائلاتهم.


و اختيار أول يوم من أيام عيد الفطر لتنفيذ الجريمة هو بهدف زرع الحزن في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، ظنًا منه أنَّه بذلك يدفع المقاومة إلى اليأس والاستسلام وتقديم التنازلات التي عجز عن الحصول عليها في الميدان، أنَّ ذلك لن يزيد الشعب والمقاومة إلا عزيمة وصلابة في التمسك بحقوقه.
هذه التضحيات الكبيرة إلى جانب باقي أبناء غزة والضفة الغربية المحتلة إنما تعزز من صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة هذا الصلف “الإسرائيلي”.
استشهاد أبناء هنية وأحفاده هو “وسام عز وشرف يجعلنا وإياكم فخورين ومستبشرين غير نادمين على سلوكنا المقاومة هذا الخط المبارك ويزيدنا إصرارًا وعزيمة على مواصلة الثبات بوجه الكيان الصهيوني المحتل ومن ورائه أميركا الشر وأذنابها”.
المقاومة الإسلامية نذرتم أنفسكم وما تملكون خدمة لقضية الأمة الإسلامية، القضية الفلسطينية وهذا ما عرفناه عنكم ورأيناه رأي العين ولا يفاجئنا منكم هذا الصبر وهذه الروحية والمعنويات العالية التي إن دلّت على شيء فإنما تدل على ثبات المبادئ وقوة اليقين والثقة بالله جل جلاله وبأن نصره قريب وما النصر إلا من عند الله”.


هنية مثَّل نموذجًا حيًا للقيادة الفلسطينية التي تقدم أبنائها على مذبح الحرية والاستقلال”. 
و “أبناء القادة التحموا مع أبناء شعبهم مؤكدين بدماءهم الزكية أن النصر حليف فلسطين وشعبها”.
هذه الجريمة جاءت لتعكس حجم الإجرام والوحشية الصهيونية وحجم التخبط والعجز الذي وصلت له قيادة العدو المأزومة. 


وتخبطه أمام ابداعات وصمود المجاهدين وضرباتهم النوعية التي مرغت وما زالت أنف جنوده في رمال غزة وأزقتها. 
وهذه الجرائم لن تكسر إرادة المقاومة ولن يدفعها لتقديم التنازلات التي عجز عن تحقيقها في ميدان المعركة”.
لذلك فاغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي له العديد من الدلالات “هنية وعائلته تحملوا الكثير من المزايدات لكنهم تعاملوا معها من منطق
ومن الطبيعي أن من يتصدر العمل المقاوم معرض للانتقاد وحتى أكثر من ذلك.. وهذا سلوك مهم أمام قدسيات الزعماء في منطقتنا وعائلاتهم”.واستشهاد أبناء هنية وأحفاده في مخيم الشاطئ، إشارة واضحة إلى أنهم رفضوا النزوح لا من غزة ولا حتى من المخيم المدمر والمهدم، وجاعوا مع أبناء شعبهم وارتقوا شهداء ضمن شهداء حرب الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني”.الثبات والصمود التي اتسم بها هنية لحظة استقبال الخبر والخطاب المتماسك والمتزن الذي قدمه في مقابلته مع فضائية الجزيرة القطرية، يعكس إيمانا حقيقيا وعقيدة راسخة”.وهذه التضحية التي أرادها الاحتلال عقابًا ستزيد مفاوضي المقاومة تماسكًا أولًا، كما تزيدهم شرعية عُمدت بدماء أبنائهم مع أبناء شعبهم”., “.”إسرائيل أدركت أن ارتدادات الاغتيال كبيرة جدًا لصالح هنية وحركة حماس، والمقاومة عمومًا، وأن حدث الاغتيال قد رفع أسهم ورصيد المقاومة لدى الجمهور الفلسطيني والعربي وأنصار القضية الفلسطينية، إضافة لرفع رصيد قيادة المقاومة لدى جمهور قطاع غزة، الذي يعاني الذبح والقتل والتجويع يوميًا ويعاني أبناء القيادة ذات الوضع”.”بالتالي يتعمد الآن جيش الاحتلال ووسائل الإعلام العبرية إلى محاولة التقليل من حجم الحدث وتحويله إلى استهداف ضمن العمليات المعتادة باستهداف نشطاء المقاومة، وعدم نسب الأمر أنه استهداف مباشر لهم، لأنهم أبناء هنية، متناسيا أن في الأمر فخرا مضاعفا أن أبناء القيادة هم مقاتلون يؤدون واجبهم الوطني جنبا إلى جنب مع رفاقهم في ميادين القتال”.

لذلك صمود المقاومة والشعب معاً ساعد، ليس على إفشال الأهداف والمخططات الصهيونية وانهيار سرديتها فحسب، وإنما أدى أيضاً إلى انكشاف حقيقة المشروع الصهيوني الذي ظهرت طبيعته التوسعية والاستيطانية والعنصرية.
صمدت فصائل المقاومة أكثر من ستة أشهر، ولا تزال قادرة على مواصلة القتال وعلى إلحاق خسائر يومية فادحة بجيشه “الذي لا يُقهر”، ومن ناحية أخرى، صمد الشعب الفلسطيني في غزة وتمسك بالبقاء في أرضه، على رغم كل ممارسات الإبادة الجماعية التي قام بها الكيان الصهيوني في مواجهته،
أدرك أن بعض الأوساط في العالم العربي لا تزال تحاول استثمار حجم المعاناة الإنسانية الهائلة التي يكابدها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لتخطئة حماس وتحميلها مسؤولية ما جرى، بسبب إقدامها على عملية “طوفان الأقصى”، كما أدرك، في الوقت نفسه، أنه لم يكن في مقدور الكيان الصهيوني أن يجرؤ على ارتكاب كل ما اقترفه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني لولا تخاذل معظم الأنظمة العربية، وخصوصاً تلك التي ترتبط معه بمعاهدات سلام، ومع ذلك فليس في وسع أي مراقب منصف لمسيرة الصراع ضد هذا الكيان سوى الاعتراف بأن “طوفان الأقصى” لم يحدث من فراغ، وهو الذي أنقذ القضية الفلسطينية من محاولات التصفية التي كانت تتعرض لها، والتي كانت على وشك أن تتكلل بالنجاح، وهو الذي دفع هذه القضية نحو صدارة جدول أعمال النظام الدولي بعد أن كاد العالم ينساها وينصرف عنها تماماً، وخصوصاً بعد تخلي عدد كبير من الأنظمة العربية عنها.


و الإقرار بأن حماس، ومعها سائر فصائل المقاومة الفلسطينية، وكل فصائل محور المقاومة الذي يساندها على الصعيد الإقليمي، تدير هذه الجولة بحنكة واقتدار شديدين.
و من خلال إدارتها للمفاوضات السياسية غير المباشرة التي تجري عبر وسطاء عرب!!
ففي جولة المفاوضات الأولى التي أدارتها في /نوفمبر، والتي قبلت فيها هدنة موقتة، تمكنت الفصائل من تسجيل عدة نقاط لمصلحتها، بحيث نجحت خلال هذه الهدنة في إسقاط السردية الصهيونية بشأن ما جرى في إبان عملية “الطوفان”، وأثبتت أن المقاومة تتمتع بروح إنسانية وبسمو أخلاقي في تعاملها مع الأسرى، مقارنة بالكيان.
أما في جولة المفاوضات الحالية، والتي لم تحسم نتيجتها بعد، فتبنت فصائل المقاومة موقفاً صلباً مفاده: الأسرى في مقابل وقف العدوان والانسحاب من كل القطاع وفك الحصار وبدء الإعمار. وأدى إلى تعرية استراتيجية الكيان التفاوضية، والتي تقوم على معادلة مستحيلة قوامها: هدن موقتة لحل موضوع الأسرى، ثم استئناف القتال الذي يجب أن يتواصل إلى أن يتم تدمير الفصائل بعد انتزاع كل ما تملكه من أوراق تفاوضية!!
فلولا صمودها في ميدان القتال لما حققت القضية الفلسطينية أياً من الإنجازات التي حققتها حتى الآن.


ونعتقد أن الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية هو المقدمة الطبيعية التي تسبق بشائر النصر. وما فشل العدو في انتزاعه في الميدان يريد أن يأخذه بالسياسة وعلى طاولة المفاوضات

في كل عيد كان آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة يؤدون شعائر صلاة عيد الفطر في الساحات العامة في محافظات القطاع، أما اليوم فلسان حالهم وحالنا يردد ما سبق وردده المتنبي: “عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ” مع تصاعد عدوان الاحتلال على مدينة غزة المدمرة وأهلها الذين تشردوا، فمنهم من أصبح شهيداً أو جريحاً ومنهم من أصبح لاجئاً، فغابت جموع المصلين عن ساحاتها، كذلك الأطفال بلباس العيد وضحكاتهم، وقد تحولت بيوتهم التي كانت تعبق برائحة حلوى العيد إلى ركام ومقابر تفوح منها رائحة الموت والدم.الأطفال في العالم العربي، اليوم، يستقبلون العيد، أما في غزة الصمود فيموتون جوعاً ويبكون من هول ما يشاهدون من أنواع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فالعيد في غزة يختلف عنه في كل بقاع العالم لأن أهلها، اليوم، ليس لهم خيار سوى دفن الشهداء وعيادة الجرحى والبحث عن المفقودين والحصول على لقمة من الخبز وجرعة من الماء، ومع أن عيد الفطر هذا العام يعجّ بصور ومشاهد متعددة ومتناقضة على امتداد العالم العربي، لكنّ الثابت فيه هو المسيرات في كل أرجاء المعمورة المنددة بما يقوم به العدو، بالإضافة إلى دور محور المقاومة في تقديم الدعم المعنوي والسياسي والمادي لحركة المقاومة الفلسطينية وبداية تفكك المشروع الصهيوني، ليحمل العيد في طياته بشارة النصر وتحقيق حلم الشعب الفلسطيني برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب وتبييض سجون ومعتقلات الكيان الصهيوني التي بدأت ملامح اندحاره تطلّ علينا
فعندما يغيب الأهل والوطن ولا يفعل أحد شيئاً من أجل فلسطين فإن العيد يصبح عيد الميتين والمترفين: “
هذا العيد عيد المترفين الهانئين، عيد الأُلى بقصورهم وبروجهم متنعّمين، عيد الألى لا العار حرَّكهم، ولا ذلُّ المصير.

أ. د. نجيبة مطهر

One thought on “دلالات اغتيال الاحتلال أبناء هنية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *