دور القصة في أدب الطفل الإسلامي ل د. إبتسام الجويلي

إن الطفل بطبيعته لا يقبل الوعظ المباشر ولا يمكن أن نزرع بداخله القيم السوية قسرًا إنما يجب أن نبحث عن طريقة نروّض بها الطفل ليتقبل تلك المفاهيم وتتأصل في داخله، ولأن العقيدة الإسلامية قد وضعت لنا قيمًا لن نضل بعدها أبدًا؛ فيمكننا الاعتماد، بشكل كبير، على القصص الديني كوسيلة آمنة لتوصيل القيمة والهدف للطفل فـ«الأدب الإسلامي وسيلة مهمة لتربية الطفل المسلم، وبناء شخصيته، واستنبات نوازع الخير وأفكار الصلاح لديه، ولهذا كان لا بد من الإسهام في إعداد الطفل المسلم وتربيته على أسس قويمة وفق منهج سليم مستفيدًا من الخصائص الأساسية للأدب، ومراعيًا العناصر الضرورية للتربية». (بريغش (محمد حسن): أدب الأطفال تربية ومسؤولية، ص5). فيمكننا الاعتماد على الأدب الإسلامي كوسيلة آمنة ويسيرة لتربية أولادنا وتعليمهم وتغيير المفاهيم الخاطئة وتعديل سلوكهم ونحن _ فقط _ نقرأ عليهم حدوتة شيّقة أو قصة لطيفة.

ونظرًا لأن المفاهيم الدينية قد تكون معقدة ­إلى حدٍ ما­ بالنسبة لطفل صغير فإن القصة أو الحدوتة هي المفتاح الأنسب والأيسر لعرض تلك المفاهيم وإقناع الطفل بمعناها ومغزاها وحثه على الالتزام بها دون إجبار أو محاولة للضغط على الطفل بشكل أو بآخر.

القصة هي معشوقة الطفل ومتعته ويمكن من خلالها أن نربى أطفالنا دون عناء أو جهدٍ مضنٍ «إن كل قصة هي بالضرورة تربوية؛ لأنها تتضمن على نحو ما قيمًا، وتعمل بالضرورة على تنمية اتجاهات، وتكوين ميول، وتكسب خبرات، وتنمي مهارات، إضافة إلى التشويق والإمتاع». (الضّبع (محمود): أدب الأطفال؛ بين التراث والمعلوماتية، ص145). القصة ليست مجرد حدوتة مبهجة للتسلية وحسب؛ فيمكن من خلال اختيارنا الدقيق والمناسب لطبيعة القصة التي نقدمها لأطفالنا، وتوفير السبل التي تساعد الطفل على فهم وإدراك المغزى المرنو من القصة المقروءة أو المسموعة، أن نرسخ في عقول أطفالنا مفاهيم كُثر.

دور القصص القرآني في التربية السوية

إن القرآن الكريم يعد أهم مصدرٍ لقصص الأقدمين من الأنبياء والصحابة والأقوام السابقة؛ فإذا ما تصفحنا أجزاء القرآن سنجد في كل جزء من أجزائه ما لا يقل عن قصة أو قصتين من قصص الأنبياء وحكايات الأقدمين، وفي كل قصة عبرة وعظة وحكمة جديدة ظاهرة جلية، كما أن الشيء المميز للقصص القرآني أنه سلس بسيط يعتمد على السرد الممتع واللطيف، كما أنه مليء بالمفردات اللغوية الأصيلة التي تثري العقل وتزيد الثروة اللغوية بشكل مبسط ويسير، بالإضافة إلى تلك الصور البلاغية التي تضفي جمالًا سمعيًا يروق للقارئ والمستمع.

ومن ثَمّ يمكننا تعريف القصص القرآني بأنه:« القصص الذي تضمنه القرآن الكريم ليحكي لنا عن الأمم السابقة، والأشخاص، والأحداث، حيث يتميز بأن كل قصة فيه هي قصة هادفة لها غاية أخلاقية، تستقي أحداثها وشخصياتها من الكون والتاريخ، وأنها أُوحِى بها من قبل رب العزة سبحانه وتعالى، وقد تنوعت فيها طرق العرض، وتنوعت مواضع التشويق، وطبيعة الحبكة، وأماكن العقدة والحل، والفجوات التي يتدخل فيها المتلقي لاستكمالها» (الضّبع (محمود): أدب الأطفال؛ بين التراث والمعلوماتية، ص79)؛ وعليه فيمكننا أن نعتمد على القصص القرآني كحكايات نقصها على أطفالنا لنثبت لديهم القيم الإسلامية ونغرز فيهم الصفات الصالحة.

فالقرآن الكريم «هو أعلى مراتب الإعجاز والكمال، والذي يقف على قمة الآداب الإنسانية واللغوية؛ فهو تنزيل من رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب رسوله الكريم محمد (ﷺ)؛ ليكون رسالة السماء إلى الأرض، وهو المعين الذي ينهل منه الجميع صغارًا وكبارًا، ويمكن للطفل أن يتشبع بالقيم الفاضلة؛ وذلك بتلاوة وحفظ آيات القرآن، التي يستقيم بها لسانه وتسمو بها روحه، وبتفتح بها عقله، ويرقى بها وجدانه» (تعلب (سلامة): تدريس فنون أدب الأطفال، ص61)، وتتغير بها حياته من الدنيوية الزائفة والارتباط بملذات الحياة إلى السمو الروحاني الذي يرقى به إلى مراتب التدبر والإيمان.

إن القارئ المتمعن في سور القرآن الكريم، وفي آياته البينات «يجد أن بين دفتيه الكثير مما يمكن أن يقدم للأطفال كأدب راق وهادف؛ ففيه القصص بأنواعها: قصص الحيوان والطير (البقرة، الحمار، الفيل، الكلب، الهدهد، النملة..) وقصص الأنبياء (نوح، هود، يونس، يعقوب، يوسف، زكريا، عيسى، موسى، محمد) وغير ذلك مما ورد في القرآن من قص وأمثال؛ لتكون درسًا وعبرة وذكرى للذاكرين »(تعلب (سلامة): المرجع السابق، ص61)، حيث يعد القرآن الكريم مصدرًا مهمًا لقصص الأطفال «سواء أكان الاعتماد فيها على النص القرآني كما هو مثل قصة سيدنا يوسف، وقصة سيدنا موسى، وقصة أهل الكهف، وقصة ناقة صالح، وقصة أصحاب الفيل، وغيرها من القصص، أم كانت قصصًا معتمدة على القرآن الكريم كمصدر لها، بمعنى الاعتماد على بعض الآيات التي تكون قد وردت في أكثر من سورة وأكثر من موضع، ومنها قصص الأنبياء التي قام البعض بجمع ما ورد من آيات حولها، ثم إعادة حكايته على نحو يتناسب مع الأطفال، وهي محاولات عديدة جرت عبر التاريخ، منذ كتاب “قصص الأنبياء” المعروف باسم “عرائس المجالس” لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المفسر، ثم قصص الأنبياء للكسائي، وكتاب اللباب في قصص الأنبياء، لأبي الفرج بن الجوزي وانتهاء بكتاب قصص الأنبياء للكاتب المصري أحمد بهجت، وأنبياء الله للأطفال للكاتب نفسه (الضّبع (محمود): أدب الأطفال؛ بين التراث والمعلوماتية، ص80)، ومن ثَمّ يمكننا الاعتماد في تربيتنا لأبنائنا على القصة أو الحكاية القرآنية؛ لنغرس في أنفسهم كل ما هو جميل وصادق، يمكننا أن نجعل من بطل القصة، النبي أو الرجل الصالح، الطيب والشجاع هدفًا يتخذه الطفل ومثالًا يحتذي به؛ ليصبح مثله يومًا ما فيقتدي بأخلاقه ويحذو حذوه، ذلك غذا ما كان البطل خيال من وحي الكاتب يتحلى بصفات رسمها له كاتب ما، فماذا إذا ما كان البطل أحد الصالحين من الأنبياء والرسل _عليهم جميعا السلام_ ممن اصطفى الله _عز وجل_ ليكونوا قدوة ومثلًا يحتذي به خلقه جميعًا.

د. إبتسام الجويلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *