صدرت رواية حور للأديب محمود حامد شلبي عن دار عامر للنشر والتوزيع عام 2023م.
محاور الرواية الرئيسة
تناولت الرواية ثلاثة محاور رئيسة: التركيز على أن القلوب أوعية حساسة يجب أن نحوطها بالعناية ولا نعرضها لاختبارات عاطفية قبل الأوان. كذلك يجب التوعية على أن الآثار مال عام يجب علينا أن نحافظ عليه جميعًا. وأن الإرهاب خطر دخيل علينا يجب أن نصطف جميعًا لمحاربته.
الدافع لتأليف الرواية:
الخلفية السياسية التي تعيشها البلاد في فترة ما بعد ثورة 2011م وما بعد الكورونا، وظهور طبقات متسلقة تحاول الانقضاض على مكتسبات الثورة.
تساؤلات النص:
هل هذه الحوادث التي سردتها الرواية وقعت بالفعل أو قريبًا منها، أم أنها محض خيال المؤلف ورؤيته لحبكة النص؟
ومن ثم ظهرت بعض الخطوط العريضة، والتي انتهجتها الرواية، تمثلت في:
- الدفاع عن المنهج السلفي الصحيح.
- الصدام الجماعات والأحزاب بين الثورتين.
- الإشارة السريعة إلى كورونا.
إيجابيات النص: - تعزيز دور الشرطة والتأكيد على قبضتها الأمنية المتيقظة.
- بناء الحوار على المناقشة والجدال دعمًا لاتجاه ما، أو تقويضًا لفكرة مرفوضة، أو تصحيحًا لوجهة نظر غير سليمة؛ تأكيدًا لدور الكلمة والحوار.
- ثمة أبعاد ميتافيزيقية لجأ إليها المؤلف للتخفيف من المباشرة والحوارية الطاغية على النص، وذلك من خلال إثارة الأحداث وإكسابها درجة من درجات الرعب من خلال الأرواح التي تسكن رامي وتنتقل من شخص لآخر.
مآخذ على الرواية:
- نستشف من الرواية اتجاه المؤلف ودفاعه على طول الرواية وعرضها عن المنهج السلفي وهذا معيب فالمفترض الحيادية. ص239
وكذلك دفاعه عن الملتحين الملتزمين ص302. - كثرة الموضوعات التي تناولتها الرواية.
- غلبة لغة الحوار على السرد، مما يقرب الرواية من العمل المسرحي.
- ظهور انتماء الكاتب وعقيدته ومن المفترض ألا تظهر لنا شخصيته أو عقيدته، وإنما يلتزم الحيادية فيما يكتب ويكتفي بأن تنطق الشخصيات بما يؤكد تباينها وأفكارها هي دون أن يملي عليها ما تقول.
- نكاد نصف الرواية بأنها رواية سلفية أو انتصار للسلفية، وهذا مجاله البحث العلمي وساحته الكتابة المقالية، ولكن الرواية بهذا المباشرة فقدت الكثير من جماليات النص الأدبي، وأمست تقعيدًا وتنظيرًا للنهج السلفي.
قضايا وملفات:
الرواية ساحة كبيرة للردود على أصحاب الفكر المنحرف، حيث ناقشت الرواية الفهم المغلوط لبعض القضايا الدينية وساقت لذلك عدة ملفات، منها
- الرد على الشيوعيين، والرد على عبدة الشيطان، والرد على متهمي السلفية، والرد على الملحدين، والرد على التكفيريين ص162-163
- ملف الأضرحة ص238
- الحب بين الذنب واللاذنب ص233-235
- المسلم والمسيحي وحصة الدين والمدرس ص236
- عقيدة التجسيم للذات الإلهية والمؤولة ص238-239
- السحر والحلول
- داعش
- تجارة الآثار وحقيقة التنقيب الدولي عنها.
- ضرب السياح ص245 في سيوة للتأثير على الاقتصاد.
- الهجوم على الجيش وإضعاف صورة مصر ص245.
الشخصيات:
جعل المؤلف لكل شخصية إيحاءً وإيماءً من معنى الاسم نفسه. فمثلًا البطل يرمز للخير فهو صلاح، أو يرمز للشر والأثرة، فجعله آسرًا وهكذا. فلم يستخدم أسماء مراوغة، أو يستخدم الاسم بنقيض دور صاحبه كما كان يصنع توفيق الحكيم في كتاباته. والمباشرة في اختيار الاسم الدال على صفة صحابه، يوفر الكثير من التمهيد عن تلك الشخصية، ويضع في أيدينا مفتاح الولوج إلى تلك الشخصية، والتكهن بمسارها في العمل الأدبي، ولكنه بالرغم من ذلك يحرمنا من إعمال الفكر، وتعدد القراءات لفحوى الشخصية.
وقد تعددت صنوف الشخصيات ما بين: (سلفيين – دواعش – سحرة – عبدة الشيطان – رجال الشرطة – طلاب وطالبات، والذين تباينت طرق التجنيد والسيطرة والإغراء عليهم من حفلات المجون، أو الدعارة، أو الاغتصاب، أو المال والتهديد والابتزاز..)
ويمثل صلاح – حور، أعمدة النص ونقطة ارتكاز الأحداث، منهما تبدأ وبهما تبلغ العقدة ذروتها، ومنهما ينبثق الحل.
وقد اختار اسم حور علمًا على الشخصية الرئيسة والعمل الأدبي معًا، ولذلك دلالة تتصل بمنهجيته التي اتبعها في تأليف روايته؛ فالحَوْرُ: الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ وإِلى الشَّيْءِ). إن الرواية مجال فسيح للتحولات في العقيدة والفكر والتصور والنزوع.
وقد مرت “حور” بتجربة حب من طرف واحد لأستاذها ص27، كما حلمت أن تكون مذيعة. ص270، هي لا تبغض أحدًا وتحمل قلبًا نقيًّا طيبًا. ص270، لكن سر أزمتها هي “آسر”. ص270. ولذا كانت حور رمز البراءة والطهارة والنقاء وهي البؤرة الخفية للصراع الدائر بين الشخصيات.
أما آسر فشخصية قيادية معقدة التركيب “إنه يرسم لهم طريق الأمل، ثم يمحو ما رسم بممحاة قاسية” ص263، كما أنه متناقض العواطف في علاقته بصلاح وحور وخاصة روان، والتي انحدرت منزلتها عنده، فبعد أن كانت محظيته صار يتعافاها.
- آسر في أدواره المركبة من شر مطلق قيادي فيه إلى خير مطلق قيادي فيه بذكائه الشرير سابقا أفاد من شره وقيادته ودهائه السابق، وتحوله إلى بطل حقيقي “أنقذ وطنه من مخطط دنيء”. ص295
وقد تنوعت علاقات آسر: (حب لحور بلا أمل) بينما (روان طائعة له لكن لم ترقَ إلى درجة الحبيبة) أما علاقته بصلاح فبدأت كرهًا ثم انتهت إلى لا كره ولا حب، الحاجز بينهما “حور”.
رسائل أخلاقية
للرواية رسالة أخلاقية. قام المؤلف بتطويع السرد لتلك الرسالة دون أن يتخذ أسلوب الوعظ المباشر من خلال الجانب التشويقي، والذي بالغ فيه حتى مالت الرواية للفانتازيا والخيال، بغية أن تصل الرسالة. وقد حملت الرواية كثيرًا من الرسائل الأخلاقية، منها: التأثير الكبير للتدين لصلاح ونور وتأثيرهما على من حولهما. “لقد تغير آسر، كما تغيرت روان، إن الأيام التي قضتها مع حور وصلاح جعلتها تتعرف على عالم آخر، عالم الالتزام بالدين”. ص224. وتغير ضمير آسر وحسه الوطني بالرغم من خسته ونذالته. وتغيرت روان بتأثرها بصلاح وحور، هنا أثر القدوة الصالحة، الصحبة الصالحة، روان لما اختلطت برامي وآسر كانت سيئة، ثم انقلبت صالحة بصحبتها للصالحين، إنها رسالة ذات بعد أخلاقي تحملها الرواية، وكأنها ترجمة في ثوب قصصي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم “المرء على دين خليله”.
وكذلك الإشارة إلى أثر الحب على الشخصيات؛ بالحب انحرفوا وبالحب استقاموا وتغيروا؛ فالحب محور أصيل من محاور الرواية فهي رومانسية في المقام الأول. تغير آسر الشرير، وتغير صهيب، وتغيرت روان، ومن قبل تغير صلاح بسبب محمد وتغيرت حور بسبب صلاح والحب بينهما.
ومن الرسائل التي كشفت عنها الرواية زيف الحضارة المادية من خلال الجدال بين صلاح وآسر حول التدين والتحضر الزائف ص286-287.
وفي نهاية الرواية بعد نجاة ال25 شابا وفتاة راجعت الأسر أخطاءها في عدم متابعة أولادهم وانشغالهم بجمع المال ص256
الحبكة
تمثلت في التغيرات التي طرأت على الشخصية فهي شخصية نامية وليست ثابتة وهذا يجعلها شخصية درامية من خلال الصراع وتنوع الحوار والقضايا التي اشتملته. فالرواية من النوع الدسم المملوء فهي تقدم لك وجبة مشبعة من القضايا التي تتناولها فهي ليست هشة أو مجوفة من الداخل.
هذه المحاور المتعددة تزيد من الصراع ودرامية الحدث بتعدد الملفات والمحاور وتداخلها جميعا في حزمة واحدة متشابكة.
فالرواية كما نرى عمل ضخم مترامي الأطراف، ولكن تجمعها جميعًا حبكة محكمة مترابطة الأجزاء متلاحمة، أجاد الكاتب في الإمساك بخيوطها، فلم تنفلت منه؛ فالصراع بين رامي وآسر ومحمود وحور (صورة مصغرة للصراع حول هوية الوطن وعقيدة شعبه)، وهو صراع يمثل النواة للصراع الأكبر الذي يحاول طمس معالم التاريخ والهوية والدين، وهو لون من الغزو الفكري التدميري، والذي يتجه نحو فئة عمرية هي شباب الأمة. “وجاءت الأوامر الجديدة ببدء إنارة الممر بالكامل، وكذلك المعبد، لبدء تنفيذ فكر المنظمة الجديد بجعل هذا المكان معسكرًا للجماعات الإرهابية”. ص209. “وبدأت الضربة الأولى بالفعل، لقد تم القضاء على مجموعة من المجندين من حرس الحدود، استشهد ثلاثة ضباط وستة عشر مجندًا، في أول ضربة غادرة لمجموعة الأمير مقداد”. ص210.
العقدة:
التداخلات المعقدة للأحداث، الأمر ليس الآثار وحدها كما يتبادر إلى الذهن عند القراءة الأولى للأحداث، ولكن الأمر أكبر وأعمق من ذلك، إنه يؤصل للصراع الديني المتمثل في الجماعات الإرهابية (الدواعش)، والتي تهدف إلى هدم الدين وزعزعة الأمن وترويع الآمنين. إنه تصوير دقيق للمؤامرة الكبرى على الدين والوطن والقيم من متآمرين لا يبالون في سبيل تحقيق أغراضهم الدنيئة ولو على سبيل زهق الأرواح وتقديم القرابين للشياطين وللسحرة. كما تشير إلى أياد خفية لمنظمات من دول أجنبية ترمي بأذرعتها داخل نسيج الوطن لمحو تاريخه وثقافته وهويته. كما أن الرواية مليئة بشتى الصراعات، ففيها صراع مع الجن ص274، وصراع مع عبدة الشيطان وصراع مع الشخصيات الشريرة، وهي رامي وآسر وشهاب ومقداد، والتي اشتبكت في صراع مع الأمن. إن العقدة أشبه بالأخطبوط الذي يمتلك العديد من الأذرع، فالعقدة متشابكة متداخلة، وحين أتت الانفراجة للحدث، انفرط العقد جملة واحدة. وتمثل ذلك في سلاسل القتل، والتي ارتآها المؤلف ليصل بعقدته إلى الحل، وتمثلت في:
- قتل العجوز الساحرة على يد حفيدها رامي بأمر من شهاب ليستولي على روحها.
- قتل رامي على يد روان بأمر من آسر
- قتل شهاب على يد مقداد ليتولى القيادة
- قتل المجرم الخفي الذي كان يريد قتل صهيب
- موت روان وهي تفتدي صلاح، وموت آسر برصاصة غادرة في رأسه، ومقتل أرواح رامي العابثة، وموت الجدة المتمثلة روحها في كلبة.
ففي نهاية روايته قام بعملية تطهير تخلص فيها من عناصر الشر مستبقيًا العناصر الخيرة. ليمنح باقة أمل للقلوب النقية بأن الخير هو المنتصر مهما تغولت قوى الشر، فيظل المعيار راسخًا في النفوس والقلوب وهو الخير.
د. سعيد محمد المنزلاوي