القريب من الشاعر الدكتور أحمد شتيه؛ يلحظ كما من الوقار والطيبة والأدب الجم والتواضع، وهذه الصفات جميعها قلما تجتمع لشخص قد يعارك الحياة وتعاركه، لكن صاحبنا له منهج يتجلى مع أحاديثه التليفزيونية ومحاضراته ولقاءاته وندواته، وهذا المنهج يتسم بالهدوء والاستقرارية في حالة الرضا وحالة الغضب، ومثل الدكتور شتيه قلما يغضب، وإن غضب فلابد أن يكون لغضبته حساب شأن الحليم .وفي ديوانه رسائل الروح تجلت الذات الذواقة وانكشفت التعابير البراقة، وسقط نصيف الزيف الذي يخفي وراءه الأسرار والحقائق، وظهر العالم العابد برؤيته المنصتة لشاعر نذر روحه وعقله وعين قلبه لرحلته في فنون الإبداع الإنساني.لقد وفق الشاعر في اختيار اسم ديوانه، ووفق أكثر في اختيار صورة الغلاف التي تنم عن عاطفة صادقة متينة الأواصر قوية الأصول لا يراودها ضعف ولا يطمع فيها ارتياب، فيها الولاء والحزن والصداقة والوفاء والمودة فيها مبادئ تتصل بالروح ورسائلها.
يقول أبو حيّان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة، وهو أحد المتصوّفة: ”إنّ الكلام على الكلام صعب،…فأمّا الكلام على الكلام، فإّنه يدور على نفسه، ويلتبس بعضه ببعض”، كذلك الحديث عن الشاعر حين يكون أستاذا أكاديميا له صولاته وجولاته في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة يستطيع أن يتجاوز العالم إلى عوالم يجتمع فيها المتناقض وينتعش فيها الاحتمال، ويؤثر فيها الصمت على الكلام، فتتحول إلى رؤىً جديدة يقول في قصيدته مناجاة:
فانظر إلي لأجل مولانا النبي ولأجل صحب نبينا الأعلام ولأجل آل البيت حقق مطلبي قدصح فيه توسلي وكلامي
إن الفكرة قد طغت بشكل غامر ومدهش على ما سواها، فتجده ببدء النص التالي لهذه القصيدة والتي عنوانها (توسل) يقول:تو سلت بالمعصوم في كشف الدجىفهل سيدي من باب لتفريج كربتي؟!
إن إحساس الدكتور شتيه الصادق هو انعكاس لنبضات قلبه وخفقات وجدانه “ولعل هذا المستوى في إدراك العلاقة بين خصوبة التجربة الروحية وآليات الكتابة النصية يبقى مستنداً إلى نشاط الرؤية ومنهجها الشعري في التفاعل والتلاقح، لأن أبعاد الشعر.. لا تتفجر إلاّ من ينبوع داخلي رهين عواطف الشخص وأفكاره ورؤاه. فتواجه الشاعر عبر هذه الأبعاد الكثير من المشكلات الإجرائية التي تعرقل إيصال رسالته إلى القارئ منها ما يتعلق بتجربة الشاعر ومنها ما يتعلق بالنص، لاسيما إذا كانت هناك مسافة بين الواقع واللغة الشعرية التي تعبر عنه”.يقول:
قالوا إني شيخ متصوف في وفي من البركات في جمال عندي نورعندي سيل من نفحات
هنا يجد العقل إجابة للفضول الذي يثيره! حين يتساءل: لماذا يكثر إقامة حوار بين الشاعر ونفسه؟!
ربي إن عبادك أثنوا وامتدحوني بالحسنات فاجعل ظن عبادك حقا واشف القلب من العلات
إن مكنون النص وتجلياته تجغلك تدرك أن الشاعر حصر نفسه بكل أبعادها وأقكاره بكل طاقتها في نطاق ضيق لايستوعب كل أماله وأحلامه وذكريات صباه حين أحب وتعزل وتمنى، ولعل الشاعر آثر الهروب من براثن النفس الأمارة إلى الولوج للنفس اللوامة، لكنه استطاع أن يصور لنا مرارة الفقد الذي لم يبارح دنياه؛ فكان شعره حالة مستمرة من الوجع فيها الألم والأمل والرجاء، يقول:
أظهر مرادك في الخلاصمن الذنوب وخل ذنبك أظهر فرارك للجليل وقل أتيت أريد ودكربي أريد بك النجاةمن الذنوب أريد قربك
فالكلمات متناسقة خالية من الحشو المتعمد وهذا مرده لعلاقة الشاعر باللّغة.ويمكن القول إن تجربة الدكتور شتيه في ديوانه اعتمدت على عناصر متعددة جسدها هذا البوح الشجي والوجع المر القائم على ايقاعات الذكريات والحنين والشوق، كما هو واضح من عناوين قصائده ( إلى الراحلين- عصير الأحزان –مصرع عاشق-أنا من غدر-) وبالاقتراب أكثر من قراءتك لقصائده ببدو لك شاعرا اكثر اثارة للدهشة ويزيد يقينك بأنه يترك للشعر أن يكتب ذاته؛ فظهرت تجليات النص الديني الأشبه بومضات خاطفة مثلما جاء في قصائده:( مناجاة- توسل – مراتب السادات –أهل المدد)
وإذا كانت الصياغة اللغوية تمثل اطارًا شموليا يستوعب ما عداه من محاور ومستويات، فإن تجربة (الدكتور شتيه) نهضت من خلال تراكيب كانت المحور الرئيسي في هذه التجربة، وأصبح من الواضح فيها تغلب الجمل الفعلية على الجمل الإسمية بدرجـة متضاعفة. وهذا يعنى أن أسلوبه غلب عليه إثارة الدلالات التحويلية التي تبعث الأمل في التغيير والخلاص …
د. أحمد مصطفى