وسط القصف الجوي و المدفعي و و التلويح بالإجتياح البري و التهجير القسري تعيش مدينة رفح أزمات حادة، بسبب الحرب والحصار والإكتظاظ السكاني الذي تفاقم كثيراً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبات حوالي ملونين و ثلاثماية ألف فلسطيني في قطاع غزة، يقيم نصفهم تقريباً في مدينة رفح مع صعوبة بالغة ، في تأمين مأوى وسط إنتشار الخيام في الشوارع والطرقات والأماكن العامة، وصولاً إلى شاطيء البحر، حتى أصبح لا يوجد متر واحد من مساحة مدينة رفح البالغة 32 كلم بدون خيام.
وقد ضغطت موجات النزوج الكبيرة والمتلاحقة على المرافق والخدمات العامة في مدينة رفح الصغيرة والفقيرة، مما أدى لزيادة بؤس الحياة، في ظل الشح الكبير في المياه والغذاء والدواء وكافة متطلبات الحياة والبقاء.
وتعاني رفح كغيرها من مدن ومناطق قطاع غزة من ويلات الحرب والقصف المستمر منذ السابع من تشرين الأول عام 2023، ومن أشد الأزمات وأصعبها في ظل الإكتظاظ السكاني الكبير، تتمثل في تدهور الوضع البيئي، حيث أصبحت الروائح المنبعثة من مياه الصرف الصحي، وأكوام النفايات المترامية في كل ركن من أركان المدينة، هي الرائحة السائدة، مما زاد من حدة إنتشار الأوبئة بين الناس الذين يفتقرون للمياه اللازمة للشرب أو للنظافة الشخصية.
وبما أن البحر قد أصبح أقل قسوة من البر، يذهب إليه الأهالي، باعتباره الملاذ الأخير، من أجل الإستحمام وغسل الملابس والأواني، رغم برودة مياهه الشديدة، خاصة على أجساد الأطفال الذين يكرهون غبار الحرب والبرد، ويحاولون مع أهاليهم، إستبدال كوابيس الحرب ومشاهد الدمار، بأحلام جديدة أو قديمة، في غرفة دافئة تطل على البحر، تخفف من حالة الإختناق في الخيمة، ونوافذ البرد وزمهرير الشوارع.
ومن ذاكرة رفح، وحكاياتها المحاصرة بلون الدم، كانت رفح، وما زالت الشريان الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، حيث توجد فيها ثلاثة معابر هي: معبر رفح البري، الذي يربط بين قطاع غزة ومصر، ومعبر كرم أبو سالم الذي يربط بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك معبر العودة.
وفي مدينة رفح 12 حي وتجمع سكني ويقع في وسطها مخيم رفح الذي يرجع تأسيسه للعام 1949، أي بعد عام واحد على النكبة، وهو من أكثر مخيمات قطاع غزة إكتظاظاً، منذ ما قبل الحرب وخلالها، ويقع المخيم في وسط المدينة، ويتميز عن باقي مخيمات قطاع غزة الثمانية، أنه مقسم لأجزاء متفرعة في عدة مناطق، وكل جزء يحمل إسماً خاصاً به، وتتعامل وكالة الإنروا مع هذه الأجزاء على أنها جزء ن مخيم رفح وليست مخيمات منفصلة عنه، ومن أسماء تلك المخيمات المتفرعة عن مخيم رفح: مخيم الشابورة، مخيم يبنا، مخيم بشيت، مخيم أسدود، مخيم كندا، مخيم بدر الغربي، مخيم الشعوت، ومخيم تل السلطان.
وعلى الرغم من قسوة ظروف النزوح، وغياب الخصوصية وثقل الحضور، وتحديات الحصول على الخبز والماء والحطب، تخرج من بين الخيام المتلاصقة، ما بين القذيفة والقذيفة، بقع ضوء خفيف وبشائر أمل تفطر القلب، ومنها قيام عدد من الجنود المصريين على الحدود بمد كابلات كهرباء، وخراطيم مياه إلى الخيام القريبة من موضع خدمتهم، كي يتمكن النازحون من شحن هواتفهم وسد عطشهم، في زمن الحرب وأوجاع الحصار اللذان لم يمنعا مدينة رفح بأن تبقى الحبيبة التي تنتظر حبيبها، بالشمع والملح وأرغفة الحب المدورة، وهي التي ما زالت تغسل البحر كل صباح وتقبل جباه النازحين النوارس و هي الموعودة دائما بالحب و الخلاص من الإحتلال .
الكاتب والإعلامي حمزة البشتاوي