روائيون عرب: الجوائز الأدبية تقتحم الساحة الثقافية ل د. لطيفة حسيب القاضي

في مستهل الحديث نستطيع القول بإن الجوائز الأدبية كثرت في عالمنا برغم من تراجع سوق الكتب في عالم الأنترنت. ومن هنا فإن الجائزة هي فعل اعتراف بإبداع الكاتب فتأتي كنوع من التحفيز على استمرار الإبداع فتؤثر بالإيجاب على الكتّاب فمنهم من يشارك للمردود المادي والبعض الأخر لتحقيق الشهرة.
ومما لا شك فيه أن الجوائز الأدبية هي سعادة عابرة ومؤقتة فهي تنويه وإشادة بعمل إبداعي لا أكثر ومن الطبيعي أنها لا تعني بالضرورة جودة العمل وتفوقه على غيره؛ لأنها نتاج لجنة تحكمها ذائقة محددة، وربما تقيدها شروط بعينها؛ لذلك الجوائز ليست معيارًا كافيًا لجودة هذا العمل أو ذاك.


بطبيعة الحال فإنها ليست مستحدثة عند العرب فمعظم الكتاب والشعراء منذ الجاهلية كانوا يتلقون جوائز. وفي العالم اليوم تمنح الجوائز بشكل مكثف. وفضلًا عن ذلك فإن الجوائز تشهر صاحبها وتجعله منتصرًا على غيره وهذا الأمر لا يحدث دائمًا؛ لأن كثير من الأدباء والروائيين والشعراء فازوا وأخذوا الشهرة واحتفى بهم وماتت أعمالهم بعد فترة من الزمن.


ففي الآونة الأخيرة أصبح الأقبال على هذه الجوائز بشكل مبالغ فيه أشبه ما يكون بحرب وذلك بسبب الأموال الممنوحة وأدى ذلك إلى أن الذين لا يمتلكون الموهبة يتصارعون على الكتابة؛ فكثرت الأعمال الفاقدة للأهلية الأمر الذي أصبح فيه القارئ هو الضحية لهذا الصخب الكتابي، ولا نستطيع أن ننكر من أهم مميزاتها أنها ساهمت بشكل كبير في دعم المواهب وساعدت الكاتب ماديًا وضمنت للكاتب تسويقًا إعلاميًا كبيرًا وتعريف الوسط الأدبي بالمبدعين.


ومن زاوية أخرى نجد سلبيات الجوائز الأدبية أنها روجت لأنصاف المواهب للولوج إلى عالم الكتابة والنشر دون النظر للقيمة المعرفية التي سوف يتلقاها القارئ. ناهيك عن أنها تجعل الكتاب يكتبون على منوال الأعمال الفائزة أو بمعنى أصح وفق ضوابط الرقابة التي تفرضها هذه الجوائز أملًا بالحصول على الجائزة.
ومن هنا يمكن القول إني لا اعترض على الجوائز الأدبية لأن فعل الكتابة حق فردي وطبيعي ومن حق الجميع على اختلاف مشاربهم من الكتابة ولكن ستظل الجوائز تحفيزًا مهمًا. وحري بنا التطرق إلى إن السياسة تلعب دورًا أساسيًا في اختيارات الفائزين ولكن لا بدّ من أن تعطي الجوائز للمبدع حقًا بعيدًا عن المعطيات السياسية.


فقد سألت لفيف من كبار الروائيين عن جدوى الجوائز الأدبية فجاء القاص والروائي الفلسطيني زياد خداش قائلًا: “أصبحت المسابقات والجوائز مبعث على الريبة والتشكيك والحذر. أعرف كتّابًا وفنانين يكتبون على مقاس الجوائز المعلنة وينفذون شروطها واعرفهم يخططون حين يكتبون أو حتى قبل الكتابة فيخططون للمشاركة لهذه الجوائز. وأكد خداش على إن العمل الذي يكتب حتى يقدم لجائزة هو عمل فاشل لأنه لا يعبر عن الشخص وفي حالة الاستعجال في كتابته للالتحاق بموعد الجائزة يعتبر ابتذال. وكان رأيه بشكل واضح ومباشر الرفض لهذا النوع من الكتابة فأستكمل الحديث:” ولا أرفض الجوائز على الإطلاق، ولكني طريقة التعامل الكتاب والفنانين مع هذه الجوائز والمسابقات هي طريقة ابتذاليه وانتهازية عملية ربحية. الكاتب المحترم يكتب روايته بعيدًا عن هذه الشروط وهذه الاجواء ويحق له أن يقدمها لاحقا إلى الجائزة بعيدًا عن التفكير في تطابق ذلك الرواية مع شروط الجائزة.”.
أما الروائية هالة البدوي من مصر تنظر إلى الجوائز باعتبارها تخضع إلى سياسات معينة قائلًة: ” نحن جميعًا نعرف أن السياسة تلعب دورًا أساسيًا في اختيارات الجوائز الأدبية في العالم العربي بمعنى أنه لو تفاوتت الآراء حول عمل لأن العمل سوف يكون لصالح بلد معينة على أساس أن هذه البلد لم تفز بجائزة من قبل حيث تدخل عوامل كثيرة في الجوائز الأدبية مثل النفي أو أن يكون كاتب مضطهد في بلده سياسيًا فتقوم اللجنة باختيار عمله للفوز بالجائزة كمساعدة له ماديًا لكي تساعده للعيش.” مضيفًا أن:” من أهم أسباب اختيار الجوائز أشياء تأخذ في الاعتبار مثل بلد فيها احتلال أو معرضة للغزو فتعطى الجائزة لها ” وبهذا المستوى تنظر الروائية هالة البدوي إلى أن:” يجب على لجنة التحكيم أن تعطوهم جائزة شرفية بعنوان المنحة وتكون هذه الجائزة بجانب الجوائز الفنية والأدبية ولا تظلم الكاتب الذي كتب عمل أفضل فنيًا. فعندما تذهب الجائزة إلى عمل لكاتب ليس الأفضل بسبب أن بلاده في محنة نحن هنا نظلم الكاتب وتقهره وهذا ليس تحكيم نزيه هذا تحكيم عاطفي وقومي.” من هنا فأنها تطالب بأن تكون للجوائز معايير صارمة ثابتة ولا تدخل ضمنها اسم الكاتب أو بلده ولا بوضعه الاجتماعي أو السياسي ومن هذا المنطلق نستطيع أن نبرز الأعمال الحقيقية التي تستحق.

في حين ذهبت الدكتورة انتصار عبد المنعم روائية وقاصة وكاتبة أدب أطفال من مصر قائلة:” مما لا شك فيه أن أي جائزة في الأساس بمثابة تكريم لعمل فيه من المميزات ما ليس في غيره، وهنا تكون الجائزة مكافأة يستحقها الكاتب صاحب العمل.” وتعتبر أن:” مع تكرار الأصوات المعترضة على جائزة ما، يعرف الكاتب خبايا أو كواليس الجائزة، ومن يجيد حياكة عمل بمقاسات معينة يستغل معرفته تلك في كتابة عمل يتواءم مع متطلباتها.” وتؤكد الدكتورة انتصار أن:” لا يعني هذا أن العمل ضعيف بالضرورة. هناك جوائز تركز على فوز أعمال تخترق الثوابت المتعارف عليها.” مضيفًا أن:” أرى أن الأمر لم يصل إلى حد التقاتل بين الروائيين، قد تعلو الأصوات المعترضة على لجنة التحكيم في جائزة ما، لكنها ليست الأساس وأعتقد أنها حالات محدودة، وفي النهاية، القارئ يستطيع فرز العمل الأجدر بالجائزة، والفوز بقارئ أثمن من كل جائزة مالية.”.


كما يرى الروائي والعالم المصري الدكتور محمد لبيب سالم تهافت الكتاب على الجوائز الأدبية:” أصبح الكتاب يكتبون أعمال سريعة وغير متقنة والصنعة الأدبية فيها تقل علاوة على أن الفكرة الأدبية نفسها ركيكة والهدف الأساسي هو الجائزة وليس العمل نفسه. عمالقة الادب كانوا يكتبوا وليس الهدف الرئيسي لديهم الجائزة لكن الهدف الرئيسي هو العمل نفسه.” وأضاف قائلًا أن:” الكتاب الكبار لم يحصلوا على جوائز وكانوا يستحقون الجوائز على مستوى العقاد، طه حسين وعبد الرحمن الشرقاوي توجد ناس كثيرة عملت اضافة للحالة الثقافية والأدبية والفكرية والمعرفية بإنتاجاتهم الأدبي وما كانوا ينظروا بأنهم سوف يأخذوا جوائز أم لا.”.


وعلى أساس ذلك يعتبر الروائي مولود بن زادي الجزائري البريطاني الجوائز الأدبية ليست مفتاح للعالمية ولا باب الخلود والتاريخ شاهد على ذلك. فيقول:” لا أحد ينكر فوائد الجوائز ومنها تحقيق الشهرة وتعزيزها، وزيادة الاهتمام بالأعمال الأدبية، وكسب ثقة دور النشر. فقد فاز بنوبل في وطننا العربي نجيب محفوظ وهو اليوم مجهول ولا يقرأ في البلاد الغربية. ومن منا اليوم يذكر من فاز بنوبل في العقود الماضية؟! ما بالك بجوائز إقليمية أو محلية؟ الجوائز الأدبية التي يتهافت عليها الكتاب في وطننا العربي زائلة لنسبية أحكامها. فلو عرضنا الروايات المشاركة في جائزة عربية ما على لجان تحكيم مختلفة في وقت واحد لاختلفت النتائج واختلفت أسماء الفائزين بها وفي ظل غياب روايات كثيرة عن المسابقات لأسباب متعددة.” ويتسأل قائلًا:”كيف يمكن لحكام أن يحددوا أفضل رواية في السنة وهم لم يقرأوا كل الروايات الصادرة في تلك السنة؟! هذا ما يجعلني أتوقع موت الجائزة الأدبية في الأجيال القادمة.” وأكد أن:” لقد كنت أول كاتب يصف الأدب العربي ب “أدب الجوائز الأدبية” ويشير إلى عصرنا باسم “عصر الجوائز الأدبية” وقد ذهبت إلى حد تحديد الإطار الزمني لهذه الحقبة. يبدأ عصر الجوائز في عام 1988 الذي شهد وفاة ميخائيل نعيمة وفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل وينتهي في زمن ما في المستقبل ينصرف فيه اهتمام الكاتب العربي عن الجائزة. “


وأضاف: ” لقد اختار الكاتب العربي الكتابة لأجل الجائزة بدلا من الإنسانية، واختار إرضاء 5 حكام بدلا الجماهير الواسعة في عالمنا الشاسع. النتيجة؟ فاز بالجائزة ونال رضا لجان التحكيم، لكنه فقد الجماهير وعجز عن تحقيق العالمية.”
وتؤكد الباحثة والناقدة والأكاديمية الدكتورة منى رسلان من لبنان بأن: عناية الكاتب بنصّه صُنعة أدبية ، وحِرفة تصويرية، بجمالية تعبيرية. فالنص الأدبي الجيد يقف وراءه أديب مُتمرّس باللغة وعلم النحو والصرف، بالمفردات وعلم البديع والبيان، وبالعلوم المعرفية الأخرى من فلسفة وفن وموسيقى ونقد أدبي ، وعلم سيمياء وعلوم طبيعية، وسواها الكثير من العلوم والمعارف الأخرى. من هنا يكون الأدب مفتاحاً لأسر لحظ المتلقين، للفت انتباههم، لشدّ انتباههم. والأدب الجيد إنما يكون أدباً هادفاً لرِفعة الإنسان ولرفاهه؛
والأدب المتمايز يكون مُحفّزاً .ومن المعروف أنّ العالم يتّجه سنوياً لتقديم جوائز أدبية أو شهادة تقدير، لنتاج معرفي وأدبي ومسرحي وسواها الكثير، ومنها تقديم جوائز للروائيين.


ومن هذه الجوائز ( الجيد)، ومنها التجاري، ومنها من يفتح الطريق أمام المُتكسبين لنيل جائزة.
بيننا يفترض أن تكون الجوائز للروائيين الذين يولون عناية قصوى بالنص الروائي وبالحكايا والحوار والزمان والمكان بالعقدة والحل والعِبر.
ويشير الروائي الفلسطيني محمد نصار بحسب قوله أنه حصل على جائزة فلسطين للآداب 2021، وجائزة المركز الفرنسي عام 2022 وأنه يؤكد إن الجوائز تشكل حافزًا و دافعًا لكل مبدع وتشكل رافعة مهمة في المشهد الثقافي الأدبية
أما الروائي الفلسطيني محمود شقير يتحدث حول الجوائز قائلًا :” أعتقد أن وجود جوائز للرواية كفيل بأن يحفّز على مزيد من الإبداع، وعلى خلق حالة من التنافس قد يكون شريفًا في حالة وغير شريف في حالة أخرى. ولست أعرف حالة عن تنافس غير شريف، لكنني لا أستبعد أن هناك كتابًا يضعون الجوائز في اعتبارهم وهم يؤلفون رواياتهم، ولا يشكل هذا الأمر مقياسًا للحكم على مدى الجودة الفنية في تلك الروايات. قد تكون إحدى هذه الروايات مقنعة للقراء وللنقاد، وقد تكون رواية أخرى غير مقنعة.”


مضيفًا أن:”أعتقد كذلك أن النقد الذي يشتدّ مع كلّ إعلان عن جائزة ما، هو نقد متوقّع ومشروع، لأنّه من المستحيل إرضاء كل الأذواق وكل القناعات الفكرية والفنية مرّة واحدة، ومن حقّ كل ناقد أو قارئ أو متابع أن يبدي رأيه في نتائج أيّة جائزة، وكذلك من حقّ كل روائي عربي أن يتقدّم لأي جائزة، ما دامت لا تنطوي على مخالفة للمنطق السويّ، ولما نتمنّاه للثقافة العربية من رفعة وازدهار.”
وأضاف : “لست أستبعد نزعة التسيس التي تظهر هنا وهناك في بعض الأحيان؛ وحين تكون هذه النزعة على حساب الإبداع فتلك مشكلة.”،
وفي هذا السياق يؤكد الباحث والناقد الإعلامي الفلسطيني الدكتور محمد البوجي بإن الجوائز تأتي تأثير العمل على غيره ومن حق الكاتب استلام جائزة محققا حسن الأداء الأدبي فيقول:” طبعا الاهتمام بالصنعة الادبية هو الاساس،  ليس هناك كاتب يكتب ويضع بين عينيه أية جائزة، الجوائز تأتي بعد الانتهاء من صناعة العمل الأدبي، ولم أعرف كاتبا يكتب أدبا من أجل جائزة؛ لأن الكتابة عمل فردي ذاتي للتفريغ عن نفسيات كامنة في دواخل الكاتب يحاول التفريغ للشوائب النفسية عن طريق الكتابة يريح النفس من عبء هذه الشوائب وإذا تأخر الكاتب عن تفريغ  ما يعكر نفسيته قد يصاب بالجنون أو العقد النفسية والكبت النفسي . ” ويرى عن الجوائز الأدبية أن:”من حق الأديب أن يرى نتاج قلمه وفكره ويستلم جائزة. ومن حقه أن يفرح ويسعد مؤكدا حسن ادائه الأدبي وقدراته العالية. لأن القائمين على الجوائز هم أدباء أو نقاد أو عاملين بالمجال.. انا شخصيا كنت عضوا في كثير من لجان الجوائز.   كنا نعمل بأمانة وشرف ونختلف حول أيهما أفضل وأحق بالجائزة؛ لأنها ليست لجنة جوائز فقط.. إنها لجنة قرار يؤتمن عليه ويتحمل مسؤوليته أمام الله ونفسه.”


ويذهب الروائي الفلسطيني جمعة شنب مقتنعًا أن الجوائز الأدبيّة أكثر رصانة ودسمًا وموضوعيّة في الماضي، قبل هذا الخراب الذي راح يطمّ كلّ نواحي حياتنا، والكتّاب؛ لا سيّما كتّاب الرواية، كانوا أكثر اتّزانًا وصبرًا على منتجهم، وهم اليوم في عدة أصناف: صنف يكتب غير آبه بجائزة، لكن عينه مسلّطة على الإبداع وجودة المنتج، وآخر يكتب وعينه على الجائزة، يلتزم بما يعتقد أنه يرضى مانحها، وقد لا يكون هذا مطلوبًا من حيث المبدأ، لكنّه تاجر يكتب بما يرضى المشتري، وربّما يبالغ في الانصياع ويقّدم أكثر من المطلوب، وبين هذين الصنفين، يقع صنف ثالث يكتب ويهتمّ لمنجزه ولا يمانع التقدّم لجائزة ما، يومًا ما.” ويشير إلى حالة الاستسهال في الرواية قائلًا:”الكارثة الماحقة هو هذا الكمّ الهائل من الروايات التي تتقدم للجوائز كلّ سنة، ما يعطي انطباعًا لدى المراقب، بحالة الاستسهال والجراءة التي تصل حدّ الوقاحة على الرواية والأدب بشكل عام، وهي من مؤشّرات حالة الخراب التي تعمّ كافة جوانب حياتنا كما أسلفت سابقًا.”

د. لطيفة حسيب القاضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *