ينظر الكثير من الناس للعلاج بالألوان على أنه خدعة، أو وهم، ولكننا عندما نتحدث عن موضوع العلاج بالألوان نجد أن هذا الموضوع متشعب المجالات، حيث تعدّ الألوان من النعم التي حباها الله لنا؛ لأنه لو كان العالم كله يظهر بلونٍ واحدٍ لأصبح كالسجن، وتسبب للعالم بأسره في القلق، والإحباط.
وعلى محمل الجد، فإن الأشعة المرئية لا تؤذينا كما تؤذينا الأشعة غير المرئية، بل إنها تعمل على علاجنا، وتمدنا بالطاقة الإيجابية، وتؤثر كثيرًا على أجسامنا.
والأشعة غير المرئية تتمثل في: الأشعة السينية، الأشعة فوق البنفسجية، الأشعة الحمراء؛ يمكنها أن تؤذينا.
استوقفني هذا السؤال: هل سيصبح العلاج بالألوان صيحة القرن القادم؟ لعل الزمن القادم أصبح واضحًا يفصح لنا بالأسرار التي أظهرها القرآن الكريم عن الألوان، وما بها من قدرة الله التي أودعها فيها، فلقد قال الله سبحانه وتعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْعَالمِينَ”، ففي هذه الآية دلالةٌ تثبت صحة العلاج بالألوان.
في هذا السياق أضحى الكثير من الأطباء والعلماء يتجهون إلى العلاج بالألوان وأشعة الشمس؛ لأن لهما التأثير الكبير على الشفاء من الأمراض المختلفة، وكبديل للإنسان من العلاج بالمواد الكيميائية. في حقيقة الأمر، لا توجد فحوص طبية معينة في الطب التقليدي لتشخيص النقص في لون معين داخل جسم الإنسان.
إن رؤية الألوان هي انعكاس للموجات الطويلة التي لها ترددات محددة؛ وكل لون له تردد خاص به؛ لكي ندرك اللون يجب أن يكون له ترددٌ معيّنٌ لتتمكّن شَبَكة العين من امتصاصه، وعكسه على الدماغ للقيام بتحليله، وهذه العملية التي يقوم بها العقل البشري.
وتكون رؤية الألوان عن طريق سقوط الضوء على جسم معين، فإنه يمتص جزءًا من ذلك الضوء، ويقوم بعكس المتبقي؛ وذلك الجزء الذي بدوره ينفذ إلى عين الإنسان من خلال ما يسمّى بالقرنية، وهو الجزء الخارجي من العين، ثم توجهه القرنية إلى الحدقة لتحدد كمية الضوء التي تصل إلى عدسة العين، وتقوم عدسة العين بدورها في تركيز الضوء داخل الشبكية باتجاه الخلايا العصبية التي مكانها قاع العين .
ما المقصود العلاج بالألوان؟
يمكننا القول إن العلاج بالألوان هو واحدٌ من العلاجات البديلة التي تعمل على التوازن بين الصحة والعقل. وإن الفكرة العلاجية ترتكز على أن هذه الألوان تصنع نبضة كهربائية في الدماغ، الأمر الذي يؤدي إلى تحفيز العمليات الكيميائية في الجسم، وإن هذه العمليات من شأنها أن تنشط وتحفز وتهدئ المريض، وأساس العلاج أن لكل لون ترددًا ذبذبيًّا مختلفًا عن الأخر، ومن هنا تنقسم الألوان من حيث الطاقة إلى ثلاثة مستويات كالتالي:
المستوى الأول: الألوان ذات الطاقة العالية، مثل: الأحمر، البرتقالي، والأصفر.
المستوى الثاني: الألوان المعتدلة في طاقتها، مثل: الأخضر.
والمستوى الثالث: طاقتها باردة، مثل: الأزرق، البنفسجي، النيلي؛ ولأن الأحمر من الألوان التي تعتبر عالية الطاقة، فهو منشط عام يعطي شعور البهجة والسرور والفرحة؛ ولذلك نحن نلاحظ أن المشروبات في الأفراح تكون باللون الأحمر.
لقد أكد الدكتور غوش قائلًا: “إن الذين بدؤوا يَعُون أهمية الألوان والنور أخذوا بالتزايد، وإن مسألة مساعدة أنفسنا غدت تعني أننا أصبحنا أكثر وعيًا لأنفسنا، وللعالم الضوئي الذي يحيط بنا”
نشأة العلاج بالألوان:
تعود نشأة العلاج بالألوان إلى ما قبل الميلاد؛ وذلك أن قدماء المصريين والهنود وبلاد الرافدين واليونانيين كانوا يستخدمون الأحجار الملونة كعلاج للعديد من الأمراض، وجاء العالم ابن سينا ليؤكد أن الألوان مهمة جدًّا من أجل تشخيص الأمراض وعلاجها، حيث ذكر ذلك في كتابه “القانون في الطب” قائلًا: “إن الألوان ترتبط بالمرض، وذلك من خلال درجة حرارة الجسم، إذ إنه يرى أن اللون الأحمر يثير الدم، والأزرق والأبيض يبرده، والأصفر يقتل الالتهابات.
من هنا بدأ الاهتمام بالتداوي بالألوان في أوروبا والولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث كان يسمّى (Chromotherapy) في بعض الأحيان.
ومعلوم أن للعرب المسلمين السبق في الاهتمام بالعلاج بالألوان بقرون. ففي عام 1887 ميلادي نشر الدكتور (إيدوين بابيت) كتابًا بحثيًّا بعنوان “مبادئ الضوء واللون ” نصح فيه باستخدام اللون بغرض العلاج.
كيف يمكن تطبيق العلاج بالألوان؟
لكل إنسان لونه المفضل الذي يتناسب مع اهتزاز خلايا جسده، وهذه الخلايا تمتلك ترددات خاصة تنبعث بقوة إيجابية عندما يكون الإنسان بصحة جيدة، وتكون غير متوازنة تسبب له متاعب كثيرة مع الشخص المريض.
وأشار الباحثون إلى أن الألوان لها تأثيرات مختلفة؛ فتسليط الضوء البنفسجي على أجزاء معينة من جسم الإنسان يفيد كثيرًا لا سيَّما في التخفيف من الاضطرابات الهرمونية. أما اللون الأخضر، فإنه مفيد للقلب، والأزرق جيّد للمشكلات النفسية، وإن تسليط الألوان على أجزاء من الجسم، أو التدليك بزيت ملون، وإضافة ملابس ذات ألوان مختلفة لخزانة الثياب يؤثر تأثيرًا إيجابيًّا على صحة الإنسان.
بالإضافة إلى هذا يؤكد أحد الباحثين أن الألوان المحيطة بالإنسان تؤثر بشكل مباشر على نفسيته، وقد تمكن العلماء من معرفة العلاقة بين اللون المفضل للإنسان، وبين صفاته وميوله المزاجية، وحالته الصحية. على سبيل المثال، نجد أن العيادات النفسية تستخدم اللون البنفسجي الفاتح؛ وهذا من أجل أن يجعل المريض يعيش في حالة انفصالية عن الواقع، وهذا من شأنه أن يساعد المريض على مقاومة الانفعالات الحادة.
كما بينت الدراسات الأخرى في النرويج أن الألوان لها تأثير على مدى إحساسنا بالحرارة، وأكدت أن وجود الناس في غرفة مطلية باللون الأزرق يدفعهم إلى رفع مؤشر التدفئة المركزية ثلاث درجات أعلى من أفراد يجلسون في غرفة مطلية باللون الأحمر.
بالإضافة لذلك، ثبت أن استخدام الضوء الأحمر في علاج الجدري جيد ومفيد، وأن اللون الأحمر يمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الجلد المصاب، كما أنه يمنع حدوث التشوهات، وأن ضوء الشمس له قدرة كبيرة على إنتاج فيتامين “د” تحت الجلد، الذي يقلل بشكل كبير من الإصابة بلين العظام، وأنه مهم في بناء العظام.
كما كشف إخصائي الجلدية في مركز بوسطن الطبي بالولايات المتحدة أن حزمة من الضوء الأزرق قد تعيد النضارة والجمال للبشرة.
الشاكرات السبع:
يحتوي جسم الإنسان على شاكراتٍ سبع. وهي موجودة على طول العمود الفقري وصولًا بالرأس، ولكل شاكرة لونها المحدد، ولربما تكون الشاكرات غير متوازنة، وهذا قد يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض. ومن هنا فإن هناك شاكرات في أماكن مختلفة في جسم الإنسان وهي كالتالي:
- شاكرة الجذر: أسفل العمود الفقري التي تمثل اللون الأحمر. وهي مسؤولة عن شعور الشخص بالأمان، ولها فوائد متعددة في علاج مرض السرطان. إن اللون الأحمر له تأثير كبير على طاقة وحيوية الشخص الذي يفضل هذا اللون. فمن صفاته الجسدية أنه يتمتع بالنشاط والحيوية والشجاعة.
- شاكرة العَجُز: تمثل اللون البرتقالي ومكانها أسفل “السُّرَّة”، وهي مرتبطة بصحة الكلى، والسكر وتصلب الشرايين والتكاثر. وتُعد مسؤولة عن الرغبة الجنسية للإنسان، وعلى الإبداع. والأشخاص الذين يفضلون هذا اللون يُسَمَّوْن بالشخصيات الاجتماعية المبدعة.
- شاكرة الصفيرة الشمسية: تمثل اللون الأصفر، وتقع بين السرة وعظم القفص الصدري. فلقد وصف الله بقرة بني إسرائيل في القرآن الكريم بأنها “صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ”. إن اللون الأصفر يسر الناظرين، وينشط القدرة الذهنية، ويفتح الشهية، ويعمل على تحفيز الذاكرة.
- شاكرة القلب: تمثل اللون الأخضر، تقع فوق القلب مسؤولة عن الشعور بالحب والسلام النفسي. حيث يعدّ لونًا وسطيًّا معتدلًا، فهو مَلْبَس أهل الجنة؛ لأن فيه البهجة والسرور والأمان. قال الله تعالى: ” عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا “، فهذا اللون مريح للنظر، ومهدئ للأعصاب.
- شاكرة الحنجرة: تمثل اللون الأزرق، وتقع عند الحنجرة، وأهميتها تكمن في التعبير عن النفس، وهي مفيدة للتمثيل الغذائي.
- شاكرة الحاجب، أو ما يقال بالعين الثالثة: تمثل اللون الأزرق النيلي، وهي تقع بين العينين، حيث تعد مسؤولة عن التركيز والابتكار والتخيل، فتعمل على التخفيف من آلام المفاصل والاكتئاب.
- شاكرة التاج: تمثل اللون البنفسجي، وتقع في الجزء العلوي من الرأس، وترتبط بالتفكير والأحلام.
ماذا يقول العلم عن العلاج بالألوان؟
حسبما أشارت إليه جمعية السرطان الأمريكية، فإن ” الأدلة العلمية المتوفرة لدينا لا تدعم الادّعاءات القائلة إن الاستخدامات البديلة للعلاج بالألوان يمكن أن تكون فعالة بشكل كلي لتبرز دقة علاج مرض السرطان، أو علاج أي مرض” ولكن يمكن القول إنها لها تأثيرات على بعض جوانب الجسم.
د. لطيفة حسيب القاضي