سَجِّلْ أَنَّ العَرَبْ أَجْمَعُهُمْ نَظَروا إِلى دَمي وَهُوَ يَنْضُخْ بِأَرْضي
نَظَروا إِلى أَبي وَهُوَ يُدْفَنْ، وَأُمي وَهِيَ تَبْكي، وَجَدي وَهُوَ مَرْمي
نَظَرُوا إِلى أَخي الَّذي لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتَ الرُّكَامِ إِلَّا بِأَشْلاءٍ وَ مُزِجَ دَمَهُ بِدَمي
تعرَّفْنا على أخي بعدَ عَناءٍ، وقد طَمَسوا مَلامِحَهُ بعدما لم تَكفِ طَمسهم لهُوِيَّتِه، ولم يَكُن بشيءٍ مُرْسِي
تعرَّفْنا على أخي دون مَلامِح، ولم يتعرَّفْ علينا العربُ وإنه لأَمْرٍ مُجْدِي
وما زِلْتُ بالألَمِ وبدمِ الفلسطيني أَسْرِي
رأيتُ في عيونِهِم لا مُبَالاةً، وفي صَمْتِهِم طَعْنًا لِقَضِيَّتِي وأنا أَجْرِي
أَجْرِي من الأصواتِ، من الدمارِ والموتِ، ولم يكن ذلك من ضعفي
لا عَزاءَ في صَمْتِهِم ولا مواساة، كأنما استحالتْ عروبتُهم إلى وهمٍ وتَمَنِّي
لكن برغم الألم والشقاء، سأَنْقُشُ على جُدْرانِ التاريخ قصتي وقضيتي وحلمي
فلسطينيٌّ أنا، ولن يضيعَ حقٌّ ورائي، وستشهد أرضي بعودتي
فقل لي يا زَمَن أين العروبة؟
قل لي ما معنى أن تكونَ عربيًّا وأخاك في الزوايا يبكي؟
أأنت عربيٌّ بالاسم فقط!
هل تبكي من خلفِ التلفازِ والشاشات، وهل تزرع لنا ورودًا في السماوات!
يقولون الورود تكون على تراب قبر الميت عند دفنه، ولكن نحن حتى قبرنا منسيٌّ
سَجِّلْ مرةً أخرى أنا لستُ بعربيٍّ
أنا فلسطينيّ أَمُوتُ بقلبٍ حَيٍّ
انظر إلى دماءِ عائلتي دون أن تَرمشَ عَيْنَيَّ
في قلبي لهيبٌ لا يُطفِئُهُ أيُّ عربيٍّ وحتى أَعْجَمِيّ
سَجِّلْ أنا لستُ عربيّ، أنا فلسطيني
أرفعُ يدي إلى من قال: فاصبر صبرًا جميلًا إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا
أرفعُ يدي وعيني لا تتوقَّفُ عن ذَرْفِ الدِّماءِ وما كان هذا الشيءَ يَسِيرًا
أحمل في قلبي وطنًا ووطني في الصدر يَحْتَضِرُ دون نداء مُسْتَجِيرًا
سجل أنا لست عربي أنا فلسطيني
سَجِّلْ إني بَقِيتُ وحيدًا في دياري
أبحث عن جذوري، عن تاريخي وذكرياتي
أُقاومُ لأحيا وأبني أَمَلًا من حُطامِ الدارِ
سَجِّلْ أنا لستُ بِعَرَبيّ، أنا فلسطينيٌّ
أحمل في قلبي جُرحًا وفي عينيَّ نارًا
أنمو من رَمادِ الخيبةِ وأمسح على جَبِينِي الدماءَ
أحمل في قلبي وطنًا وفي روحي يقينًا
إني سأعودُ يومًا إلى حقولي والسنينَ
سجل أنا لست عربي أنا فلسطيني
سجل مرةً أخرى أني بقيت وحيداً في دياري
أزرع زيتوناً وأنسج كلماتي بدمائي
أردد الكلمات على مسامع أذني ولا أحد يسمع ندائي
لا أحد يسمع لا أحد يأبه بآلامي
يموت قلبي وأحيا على رؤية صور أحبابي
يموت قلبي وأحيا بجانب من يسمع آهاتي
لا أحد يسمع لا أحد يأبه وكلٌ يبحث عن أرضٍ دون صُراخي
مناجاتي لم تكن سبيلاً وموتي كان كادحاً بمعاناتي
فقل يا زمن أتقبل العروبة بعذابي!
فقل لي يا زمن أين العروبةِ وأين العذابِ
وأنا دمي يرسمون به على جدار الاوهام
سجل أنا لست عربي أنا فلسطيني
ما زلت أسير بقدمين عاريتين ووجهٍ اكفهر من المعاناة ولا أحد يبالي
تركتني أمي في الظلام ظناً أني سأحافظ على أرض أجدادي
فلم تكن تعلم أن هذه الأرض رفضتني ولم أعد بعد ذلك بعقلٍ يبالي
سجل أنا لست عربي أنا فلسطيني
سجل أنهم رأوا دمي وهو ينزف، سمعوا صوتي المتألم، وجف حلقي من الكلامِ
أردت ان أيقظهم وهم في غفلة ولكن اكتشفت أنهم سبب هذا الحالِ
وأنهم أدارو لي وجوههم حينما سمعوا ندائي
وصمتوا عن وجعي وتأوهي وزادت الجراح في أوصالي
ضاعت العروبة يا زمن وتاهت أيامي
فقل لي أين الهروب ودم الفلسطيني يراق في كل الانحاءِ
فقل لي يا زمن أين العروبة وأنا حتى في الحلم أموت وَأُداري
سجل أنا لست عربي أنا فلسطيني
أحمل أرضي بين يديّ ينزف منهما الدمِ
وظنوا أنني لم أنتبه لهم حينما التقطوا صوري
مشهد جسّدوه بين ملايين المشاهدات وبعض الإعجابات لم تكفهم لنصرة وطني
ظننت أنهم لم يروني وهم في الحقيقة شاركوا بقتلي
رأوا مني ما أرادوا رؤيته وحينما انتهى البث استباحوا دمائي
قالوا
نيال ام الشهيد على ابنها
ولم يعلموا
أنها ماتت من بعد رؤية روحه وهي تنادي
تنادي باسم الخذلان ولا عزاء للعروبة بعد موتها وكأنها كانت تعاني
فقل لي يا زمن أين العروبة ونحن هنا في المآسي
أين هي بفعلها الإنساني
فقلي لي يا زمن هل ستعود العروبة لنا كما كانت أم سنبقى نعيش في ظلال الماضي!
للكاتبة فاطمة محمد قطيط