صدمات جراح الخيانة (العالم العربي نموذجاً) للكاتب عبد السلام اضريف

في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير، يُذكر أن المغول عندما هاجموا مدينة “بخارى” بقيادة جنكيز خان عجزوا عن اقتحامها. لجأ جنكيز خان إلى حيلة ماكرة، إذ كتب لأهل بخارى يقول:

“من وقف في صفنا فهو آمن!”

انقسم أهل المدينة إلى فريقين؛ الأول رفض الاستسلام وأصر على القتال دفاعاً عن الدم والعرض، بينما وافق الفريق الثاني على عرض الأمان خوفاً من بطش المغول. كتب جنكيز خان إلى الفريق المؤيد قائلاً:

“إن أنتم أعنتمونا على قتال من رفض منكم، نولِّكم أمر بلدكم.”

تواجه الفريقان، وانتصر الخونة، وفتحوا الأبواب للمغول. وما كان من جنكيز خان إلا أن أمر بذبحهم قائلاً:

“لو كانوا يُؤمنون جانب إخوتهم ما غدروا بهم من أجلنا الغرباء!”


الخيانة في التاريخ العربي

إن صفحات التاريخ العربي تحمل بين طياتها قصصاً عن الخيانة والغدر، تلك الأفعال التي سببت آلاماً مبرحة للأمة الإسلامية والعربية. لقد كانت الخيانة عبر العصور أداة قاتلة، تتسلل إلى الروح لتزرع بذور الشك والانعزال في نفس كل من تعرض لها.

الخيانة ليست جرحاً عادياً؛ فهي تستهدف علاقة مبنية على ثقة عميقة بُنيت على مدى سنوات، ما يجعل تأثيرها مدمراً. ويُقال:

“من خان وطنه كمن سرق من مال أبيه ليطعم اللصوص؛ فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه.”


أمثلة على خيانات تاريخية

من أوائل الخيانات التي خلّدها التاريخ أبو رغال، الذي قاد جنود أبرهة لهدم الكعبة. وفي عصر الإسلام، نقض اليهود في خيبر وبني النضير وبني قريظة عهودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عاقبتهم وخيمة.

أما في الأندلس، فقد كانت الخيانة سبباً مباشراً في سقوطها. عندما تولى الحَكم بن هشام الحكم، ثار عليه عمّاه سليمان وعبد الله طمعاً في السلطة. تحالف سليمان مع ثوار شمال الأندلس، بينما لجأ عبد الله إلى فرنسا وألمانيا يستعديهم ضد ابن أخيه. لكن الخائنين ذاقا وبال أمرهما؛ قُتل سليمان وفرّ عبد الله طالباً الأمان من الحَكم.


الخيانات في العصر الحديث

لا يختلف التاريخ الحديث كثيراً؛ فصفحات العالم العربي حافلة بصفقات مشبوهة ووجوه متعددة للخيانة، من بيع أراضٍ إلى تسليم أوطان، بهدف الحفاظ على النفوذ والسلطة.

هذا النهج لم يكن مجرد خيانة للأوطان، بل تجسيداً للتبعية المطلقة للقوى الأجنبية على حساب الاستقلال الوطني. فسلطة الاستقواء بالعدو على الشعب قصيرة الأمد، لكن الشعوب لا تنسى.


رسالة للجماهير

تبقى الحقيقة واضحة: الخيانة هي الوجه الآخر للفساد السياسي. ولكن مهما طال الزمن، فإن إرادة الجماهير الحية تظل أقوى من أي قوة تعتمد على الغدر والخيانة.

الله غالب.

الكاتب عبدالسلام اضريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *