“صمود الأسيرات في وجه وحشية الاحتلال: شهادات من السجون تكشف عن قسوة لا تنتهي”

المشهد الأول نهاري ليلي في مكان لا تطاله أشعة الشمس، يصعب التمييز بين الليل والنهار. المكان يجسد قسوة الحياة والموت، لا يصلح لأي منهما.

المكان مكان غامض، يصعب التعرف على هويته، مثله مثل من يعيش في ظلمة اللاعدل. يتسم بالتعقيد والعزلة، حيث تعيش فيه الأسيرات الفلسطينيات سنوات من الاعتقال التعسفي. في داخل ذلك المكان تقضي الأسيرات الفلسطينيات سنوات اعتقالهن التعسفي وليصح القول تحيك الأسيرات ثوب بطولتهن بخيوط الصبر.

بطلات كل واحدة منهن تملك قصتين قصة خارج تلك القضبان الظالمة وقصة داخلها، بل تملك حياة سابقة خارجها ونصف حياة داخلها! حتى جدران ذلك المكان مجهول الهوية لو وهبها الله صوتاً لشهدت به على كل الانتهاكات الجسدية والنفسية بحق الأسيرات.الإقامة في ذلك المكان هي رحلة إلى المجهول أشبه بالموت جميعنا نعرف عنه ما يكفي لنخشاه لكن لن ندرك تفاصيله الحقيقية إلا في عيشها.

وهكذا المأساة التي تعيشها الأسيرات داخل سجون الإحتلال والتي عرفنا بعضها من شهادة الأسيرات المحررات من أيدي الإحتلال تبقى فتات من الحقيقة فالحقيقة الكاملة لن ندرك قسوتها إلا في عيشها.

قد نحتاج إلى أبجدية جديدة وحروف جديدة لوصف قسوة الرحلة داخل السجون الإسرائيلية. كل ما تسرب للعلن هو جزء ضئيل من قسوة المشهد موجز عن وحشية الإحتلال وتبقى النشرة الرئيسية مؤجلة إلى حين تحدث معجزة تسمح للكاميرات في تسجيل وحشية الإحتلال داخل السجون.

ولأننا ننتمي لأمة حارب كتابها وشعرائها بالقلم فلو عجزنا عن حمل البندقية لأشهرنا سلاح الكلمات في وجه المحتل وهذا ما نفعله في معركتنا معه للدفاع عن حقوق الأسيرات. خلقت الكلمات لتهدأ الخائف وتمنحه الأمان ولتنصر المظلوم ولنحارب بها حتى الرمق الاخير.الحديث عن الظلم في سجون الإحتلال هو المضحك المبكي فالسجن تم ابتكاره لمعاقبة المجرمين على جرائمهم لكن المعادلة تختلف هنا الإحتلال المجرم يسجن الأبرياء ويحاسبهم على جرائمه!

ماذا لو تبادلوا الأدوار وعادت لمكانها المعتاد فهذا الإحتلال مكانه السجون وهؤلاء الأسرى مكانهم الحياة؟

سياسات الإحتلال لا تحتاج إلى تعريف هي واضحة كما الشمس ويعرفها الصغير فينا قبل الكبير. منذ نشأة هذا الإحتلال وهو يمارس كل أنواع الاعتقال التعسفي والجماعي كأن يأسر احداهن لسبب خارج عن إرادتها وهو صلة قرابة تجمعها بأحد أبطال المقاومة سياسات وحشية تسمح لهم باعتقال سيدة عمرها يضاهي عمر المعتقل على ضعفين. فقد تم اعتقال الكثير من أمهات وزوجات الأسرى سياسات الإحتلال تذكرنا بشريعته التي أبدع في تحريفها.فأي شريعة سماوية تتيح قتل النساء واغتصابهن وقتل الأطفال والشيوخ؟! وليصح السؤال أكثر ويطابق صلب الموضوع، أي شريعة تتيح لهم تعذيب الأسرى والأسيرات بشتى أنواع العذاب الجسدي والنفسي؟!

شريعتهم التي أبدعوا في تحريفها تشبه شريعة الغاب. كلما عدت لعنونة الموضوع ولكلمة اعتقال، أشعر بغرابتها وكم هي غير منطقية. فما تفعله سلطات الاحتلال هو أشبه بالاختطاف أو حتى الوأد.

لدينا الحق في السؤال: أي قانون من قوانين العالم أجمع يحرم الأسير من أدنى حقوقه، مثل زيارة عائلته أو التواصل مع العائلة أو حتى المحامي؟

أنا على يقين لو أن هذا القانون طبق في إحدى الدول الأخرى، لسمعنا صوت الرأي العام العالمي يدين ويستنكر.لكن الأمر متعلق بقانون الاحتلال، والاحتلال هو ابن أمريكا المدلل، ولهذا صوت الحق العالمي يتلاشى أمام دعم أمريكا للإحتلال. أي قانون يحرم أسير مصاب أو مريض من متابعة رحلة علاجه حتى داخل الزنزانة؟

الأسيرات في السجون يتعرضن للتعنيف ومتابعة الاعتداء الجسدي رغم إصاباتهن ودون تقديم الرعاية الطبية اللازمة. ولو تطرقنا للحديث عن انتهاك الخصوصية الذي لا يقل أهمية عن الانتهاكات الجسدية والنفسية، سنجد أن الصورة تتجلى في غرف مكدسة يكاد لا يبقى بها مكان للهواء ليدخل!

حملات تفتيش مفاجئة في منتصف الليل تنتهك خصوصية الأسيرات وتسلبهن الكرامة. وعلى الأسيرات أن يمارسن أعلى درجات الصمت، فأي اعتراض قد يؤدي بهن إلى العزل ومزيد من التعذيب.

أيمكن لأحدنا تصور قسوة الآثار النفسية التي يخلفها الاعتقال في أرواح الأسيرات؟

إذا تحدثنا عن الآثار النفسية، لا أعتقد أن إحداهن ستنجو منها. سيرافقها الاكتئاب لفترات طويلة، وقد يلازمها لنهاية حياتها.

وماذا عن آثاره على الأطفال الذين تم اعتقال والدتهم بروح باردة ودم أشبه بالصقيع؟ طفل معلق كمصير والدته لا يعرف إن أصبح يتيمًا أو لازالت والدته على قيد الحياة. أيمكن لمخيلتك تخيل كمية الألم داخل ذلك الطفل؟

نستعرض الآن بعضاً من شهادة الأسيرات على وحشية الاحتلال في السجون.

شهادة الأسيرة سلام أبو شرار التي لم تنسى شيئاً من قسوة ما عاشته في سجن الدامون في الزنزانة رقم ٨. تروي معاناة صعوبة التجول دون لباس شرعي كامل بسبب استباح خصوصية الممر بالكاميرات.

كما أن ذاكرتها سجلت قسوة ما عاشته في سجن هشارون خلال فترة التحقيق وخصوصيتها المنتهكة التي كانت تسمح للإحتلال بتفتيشهن في منتصف الليل.

سلام التي كانت مقبلة على حياة جامعية ومستقبل عظيم بعد اختيارها لفرع الصيدلة تواجه صعوبة بالعودة لحياتها القديمة بعد رحلة عذاب في سجون الإحتلال دامت لمدة سبعة أشهر.

ولا ننسى شهادة بشرى الطويل طالبة الإعلام التي تم اعتقالها من بلدتها البيرة والتي تم الإفراج عنها عام ٢٠١٥. تحدثت عن قسوة تجربتها ففور اعتقالها من منزلها تم إلقاؤها في مركبة عسكرية وبقائها فيها لساعات طويلة وقد حرمت من لقاء والدها الأسير رغم أن قانون الإحتلال يسمح بذلك.

وعن الإهمال الطبي داخل السجون لا ننسى ذكر شهادة الأسيرة المحررة رانيا جبارين. التي أصيبت بمرض السرطان خلال فترة اعتقالها وقضت ثلاث سنوات ونصف والسرطان ينهش جسدها وسرطان الإحتلال ينهش روحها قبل أن يتم الإفراج عنها عام ٢٠٠٩ بسبب تدهور وضعها الصحي.

ووفق بيانات نادي الأسير فقد وصل عدد الأسيرات في سجون الإحتلال حتى عام ٢٠١٧ إلى ٥٧ أسيرة بينهن ١٣ قاصرة. معظمهن تم اعتقالهن في الهبة الشعبية في تشرين الأول عام ٢٠١٥ ومنذ بدء انتفاضة الأقصى في أيلول الألفين سجلت المنظمات الحقوقية قرابة مئة ألف حالة اعتقال بينهن ألف وخمسمئة امرأة.كما تؤكد بيانات نادي الأسير على ارتفاع حالات التعذيب والحرمان من الحقوق انتهاكات خلال التحقيق وزيادة في استخدام التحقيق العسكري.

في هذا السياق، السؤال الحاضر والذي نتمنى زواله: إلى متى تستمر هذه الانتهاكات بحق الأسيرات؟! وإلى متى الصمت على جرائم الإحتلال ووحشية أساليبه في التحقيق؟! ومتى سنرى تضامنًا عالميًا حقيقيًا مع حقوق الأسيرات؟! متى تنتهي مسرحية الوحشية ونرخي ستار السلام؟!

في الختام، يظل النضال من خلال الكلمة والتوعية بأوضاع الأسيرات والإدانة الدولية أمورًا حيوية للتأثير في تحسين ظروفهن. يتطلب الأمر التضامن العالمي والتفاعل مع قضيتهن للضغط على الجهات المعنية بتحسين أوضاع الأسيرات والعمل على إنهاء الانتهاكات الحقوقية التي تتعرض لها.

من خلال إطلاعنا على شهادات الأسيرات، ندرك حجم الظلم والتعسف الذي يمارسه الاحتلال في سجونه. يبقى السؤال الملحّ حول كيف يمكن تحقيق تحول في الموقف الدولي تجاه حقوق الأسيرات، وكيف يمكن تحفيز المجتمع الدولي على المبادرة لحمايتهن وتحسين وضعهن.

علينا جميعًا أن نكمل الجهود في التوعية حول هذه القضية، والعمل على تشجيع المجتمع الدولي للتصدي للانتهاكات الجسدية والنفسية والتعذيب التي تتعرض لها الأسيرات. يجب أن يكون للضمائر الإنسانية دور فعّال في الوقوف بجانب النساء اللواتي يعانين في سجون الاحتلال.

نستمر في نقل الحقيقة والشهادات لتسليط الضوء على هذه القضية، ونطالب بتحرك فعّال من المجتمع الدولي للعمل على إنهاء هذه الانتهاكات وتحقيق العدالة والحرية للأسيرات.

الكاتبة الإعلامية يارا فريج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *