منذ قيامه وزرعه فوق أرض فلسطين العربية ظل يخشى هاجس التهديد الوجودي المترافق مع العقيدة العسكرية التي تقضي بشن الحروب, لهذا سعيى إلى امتلاك طاقة ردع مطلقة القوة, لكن الأمر اختلف أولاً في 2006, وثانياً في الحرب على قطاع غزة عام 2008 و2009, والأن في عام 2019, إذ جاءت النتائج عكسية, ذلك أن شنها تلك الحروب الثلاثة جعله يواجه تهديداً خاصاً, ألاهو نزع الشرعية الدولية عنه, وهو تهديد لا يمكن مواجهته بالسلاح, ولم بات من دول عدوة, بل من عالم غربي طالما وقف إلى جانبه في الحق والباطل, فقد تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لهذا الكيان الغاصب عقب تصعيد نشاطه الكثيف في ملف المستعمرات عليها (المستوطنات), المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة, والتي على خلفيتها أعلنت الدينمارك وجنوب أفريقيا مقطاعة منتجات المستوطنات, الأمر الذي أثار توجس خبراء الاقتصاد الصيهاينة من ان يعتمد القرار, الذي لقي ترحيباً عالمياً كبيراً, إلى دول آخرى تعتبر أن شراء المنتجات الأستيطانية يؤدي إلى ترسيخ وتقوية المستوطنات اقتصادياً ويدعمها على أرض الواقع, خصوصاً بعد اتخاذ بعض دول العالم القرار نفسه مبكراً, مثل بريطانيا وبعض الدول الأوروبية.
استطلاع جديد للرأي أجرته شبكة “بي بي سي” البريطانية مؤخراً, وضع الكيان الصهيوني في المرتبة الثالثة على قائمة الدول الأكثر تأثيراً سلبياً على العالم, وقد بادرت إلى الاستطلاع دائرة الخدمات الدولية التابعة للشبكة, ونفذ بواسطة معهد الاستطلاعات ( GlobeScan) , بالتعاون مع برنامج الرأي العام الدولي في جامعة ميريلاند الأميركية, وغطى الفترة الواقعة ما بين شهر كانون الأول لعام 2011 وشهر حزيران 2012, وفحص توجهات عينية مكونة من 24 ألف شخص موزعين على 22 دولة, وقالوا معدو الاستطلاع عن العدو الصهيوني, أنه رغم الاتجاه السلبي الذي حظيت به في الاستطلاع الماضي, فإن الاستطلاع الحالي أظهر ازدياد خطورة وضعها لدى الرأي العام الدولي, خاصة أن 47 بالمئة من الاستطلاع السابق اعتبروا أن دولة الاحتلال الصهيوني صاحبة تأثير سلبي على العالم, لكن النسبة ارتفعت في الاستطلاع الحالي إلى 50 في المئة, وتتخلص أسباب النظرة السلبية تجاه الكيان الصهيوني بسياساته التي تؤثر سلبياً على العالم, وكذلك نحو مواطنيها, وسجل وضع الكيان الصهيوني لدى الرأي العام في دول الاتحاد الأوروبي تدهوراً, حيث أجاب 74 بالمئة من الإسبان (بزيارة 8 في المئة), و65 في المئة من الفرنسيين (بزيارة 9 في المئة), و69 في المئة من الألمان, و68 في المئة من البرطانيي, بأن الكيان الصهيوني صاحب تأثير سيء على العالم, هذا إضافة إلى كون 65 في المئة من الاستراليين و59 في المئة من الكنديين, ينظرون ل دولة الاحتلال الصهيوني بوصفها ذات تأثير سلبي على العالم, فسجلت الدولتان المذكورتان زيادة بنسبة 7 في المئة عما رصده الاستطلاع الماضي..
وعلى الرغم من النفوذ الواسع لليهود والمؤيدي للكيان الصهيوني في وسائل الإعلام الالمانية, فإن الكثير من الالمان يعتبرون الكيان الصهيوني كياناً عدوانياً يسعى إلى تحقيق مصالحه من دون الاخذ في الاعتبار مصالح الدول الأخرى, ويرون أن هذا الكيان يعمل دائماً على تقويض أمن الشرق الأوسط عبر تهديداته المستمرة بإشغال المنطقة والحروب الدائرة الشاملة على دول الجوار, فقد أظهر أحداث استطلاع الماني أجرته مجلة “شتيرن” في شهر أيار من العام الماضي, أن 51 في المئة من الألمان ضد سياسة العدو الصهيوني, وفي نهاية آب الماضي. تبوات دولة الاحتلال الصهيوني في استطلاع ألماني للرأي صدأرة أسوأ الدول في العالم, فقد أعتبر معظ الألمان بأن الكيان الصهيوني هي كيان عدواني وأظهر الاستطلاع الذي اجراه معهد فورسا لحساب مجلة “شتيرن” الإخبارية, أن 59 في المئة من المستطلعة اراؤهم يعتبرون الكيان الصهيوني عدواني, بزيادة 10 في المئة مقارنة بأستطلاع سابق جرى في كانون الثاني من العام المنصرم..
وذكر 70 في المئة من المشاركين في الاستطلاع, أن دولة الاحتلال الصهيوني تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون الاخذ في الاعتبار مصالح الدول الأخرى, ويشير استطلاع معهد فورسا إلى نقطة مهمة جداً, قوامها أن 60 في المئة من الأامان, وبعد 67 عاماً من انتهاء النظام النازي, يعتبرون أنه ليس على ألمانيا أي التزام خاص تجاه دولة الحتلال الصهيوني..
ورغم دور الإعلام الغربي المتصهين المسيطر على العالم الذي يوفر ل للكيان الصهيوني الذي يوفر جزاءاً كبيراً من مساحاته لتبرير جرائمه, يبقى هذا الكيان دولة احتلال مكروه لعنصريته المتفاقمة, وما يؤكد تراجع قوة هذا الإعلام, التصويت الذي جرى في اليونسكو, حيث أظهر بصورة لا لبس فيها, مقدار التضامن الدولي الشامل والواضح مع الشعب العربي الفلسطيني, وفي الوقت نفسه, العقاب الواضح ل هذا الكيان الغاصب ولسياسته, فيما يحصل في وسائل الإعلام الغربية, طوال الحقب الماضية, هو أمر طبيعي بسبب سيطرة أخطبوط اللوبي الصهيوني على هذه الوسائل الإعلامية وإجبارها على بث ونشر الأضليل التي تقلب الحقائق رأساً على عقب خدمة لأهداف ذلك اللوبي..
أما اليوم فقد أدرك العالم أن هذا الكيان الصهيوني المحتل ليس واحة الحرية والديمقراطية في هذه المنطقة العربية,
ففي مقال نشرته “الواشنطن بوست لرونالد كيربس, الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة مينيسوتا, يرى أن مستقبل الكيان الصهيوني بأعتباره يمثل دولة يهودية ديمقراطية ومزدهرة, يواجه تهديدات حقيقية تأتي من الداخل أكثر مما تاتي من الخارج, على رأسها الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1967, والذي أثار استمراره نزعة صهيونية قومية عرقية دينية عدوانية ومتفاقمة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000, وفي منتصف شهر أيلول الماضي كتب رجل الاقتصاد اليهودي بول كروغمان, الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008, مقالاً في صحيفة “نيويورك تايمز”, تحت عنوان “أزمة الصهيونية”, انتقد فيه سياسة الاحتلال الصهيونية الحالية, واصفاً إياها بساسية “الانتحار القومي” التي ستقود هذا الكيان إلى الهاوية, وأضاف كروغمان في مقاله, “إنه كان متفظاً في الماضي من نقد الوضع الحالي ل “للكيان الصهيوني” نظرأ لأنه يهودي أميركي, وخوفاً من أن يتهم بمعاداة السامية ومحاربة “الكيان الصهيوني”, لكنه شدد لآن على ضرورة كسر الصمت قبل ان تتسبب حكومة الاحتلال الصهيوني في كارثة عظمى, ثم أوضح كروغمان أن “السياسة الضيقة المتبعة حالياً من هذه الحكومة” ليست في الواقع سوى عملية مستمرة وتدريجية في طرق الانتحار القومي, ولهذه السياسة ثأثير سلبي على اليهود في أرجاء العالم كافة وليس فقط على يهود دولة الاحتلال التي أصبحت صورتها أمام العالم تحكل ابشع جرائم الإنسانية من بدء الخليقة.
الكاتب والباحث الإعلامي د. فضيل حلمي عبدالله