صورة مقرّبة ثلاثية الأبعاد



ـــــــــــــــــــــــــ
المرأة التي لم تستيقظ على بكاء طفلها في الخيمة . هزّ الرضيع جسدها ، فوجدته باردًا .
ــــــــ
نجمة تجلس في خيمة جوارها في ساحة المستشفى . أغنية تنطلق من المذياع : هذا وقت الأغاني ؟ تحرك مؤشر المذياع و يجيئ لها صوت المذيع : والآن مع المحلل السياسي والعسكري . … برم . برم بس وكُثر حكي .
سمعينا الأخبار .. قالت الحجة ، أخرجت تنهيدة عميقة وأضافت : هي الأخبار قدامنا
أغلقت نجمة المذياع ، قبل ان تنتبه على صوت صراخ نعمة المذعورة . استيقظ أحمد. جاءت الجدة تتقافز إثر إصابتها ببتر قدمها نتيجة قذيفة سقطت جوار الجدة ، في حجرتها للمكان المزعوم أنه آمن مع ام سليم التي تعثرت في حجر ، ثم سقطت ارضًا قبل أن تصل الخيمة تستفسر عن سبب صراخ نعمة
تلبسَها شيطان قالت الجدة: فرحة من يوم ما استشهد كل أهلها وبقيت وحيدة ، بعد تدمير المربع السكاني بالكامل وتلبسها
الشيطان هم اليهود الصهيونية ، وحملات ما نراه من إبادة جماعية يا جدة . قالت نجمة .
اسكتي يا بنت انا أعرف اكثر منك . قالت الجدة وأضافت : نذهب بها الى الشيخ يُخرج الشيطان من داخلها .
ولكن يا .جدة قال أحمد مستدركا
اخرس يا ولد انت قالت الجدة بحدة
انا لست ولد يا جدة أنا رجل
الجدة : لاحول ولا قوة الا بالله ما ظل على الخم ريش الا أنت ياممعوط الذنب . اسكت يا ولد
واين شيخ الحجابين هذا؟
نظرت الجدة نظرة شزرة نحو أحمد ولم تجب
إقرأي عليها قرآن يا جدة قالت نجمة:
إقري أنت
انا قالت نجمة باستغراب ، وأكملت أنا! لا أحفظ شيئا من القرءان الكريم!
لا تحفظي ؟ تقولين عن نفسك معلمة ولا تحفظين من القرءان ؟ قالت الجدة معنفّة لنجمة . فاستدرك أحمد قائلا : نجمة ليست مسلمة يا جدة .
أنا أحفظ شيئا من آيات الذكر وبعض الأدعية المأثورة للرقية عن الرسول عليه الصلاة والسلام قالت أم سليم
أمام خيمة الجدة جلست النسوة يستفسرن عن حالة نعمة . صوت الطائرة ( أزازة ) ، الله لا يجيب لكم الخير يا ها اليهود وطائراتكم ، قالت أم سليم وأضافت : قصف جديد . الجدة ظلّت صامتة تحافظ على سر قالت عنه بأنه خطير . فأصرت النسوة على معرفة هذا السر الخطير ، خاصة أن أم سليم لا تفوتها شاردة ولا واردة ، ويجب أن تعرف كل الأسرار التي تدور خلف أعمدة الخيام وأوتادها
. وإلا فإن أم سليم تعتبر أن أمراً خطيراً قد فاتها إن هي لم تتدخل في كل الأمور ، رغم محاولات سلمى العنابية منافسة أم سليم في بداية افتتاح جلسة الغيبة والنميمة .
من أي بلد انت؟ بادرت أم سليم بالسؤال التقليدي لسلمى ذات الشعر الأصفر
أصلا من يافا … اجابت سلمى بغير اكتراث ، واضافت وانت؟أنا غزاوية أصلا … اجابت أم سليم بنفس طريقة اللامبالاة
وأنا من مخيم بلاطة بالضفة متزوجة هون . أجابت امرأة كانت تجلس في طرف حلقة النميمة وأضافت :أصلا من الثمانية وأربعين وجماعتي وأهلي كلهم بالشام بسوريا وبمخيمات لبنان .. وانت؟ وجهت كلامها للجدة
يا حسرة علينا الشعب الفلسطيني ، الله يشتت يلي شتتونا بس . قالت الجدة
كلنا فلسطينية مهجرين . أجابت أخرى وأضافت : انا جزء من أهلي في العراق وبعضهم موزعين في دول الخليج…….. يا حسرة علينا الشعب الفلسطيني مشتت بكل بلاد العالم ، والعالم الغربي ودول أوروبا اجتمعوا علينا . لا حول ولا قوة إلا بالله .
لم تنل الجلسة إعجاب سلمى العنابية ، فنهضت دون إعتذار ودخلت خيمتها . فزمت ام سليم شفتيها بغير إكتراث وأضافت : مغرورة بشعرها المصبوغ . انا شعري أحمر طبيعي . قالت أم: سليم ذلك ، وازاحت طرفًا من غطاء رأسها فأظهرت خصلة من شعرها الأحمر : طبيعي والله بدون حنة وأصباغ
شعري أسود وناعم مثل الحرير . قالتها وهي تزيح قليلا من غطاء رأسها تلك المرأة النحيلة البيضاء والتي مازالت لم تعلن عن اسمها وبلدتها .
ازاحت الجدة وسادتيها وأحنت بجسدها دلالة رغبتها بالتمدد واخذ فترة استراحتها . وبحدة قالت : هذا وقته شو لون شعرك انت وإياها . والدبابات تحاصر المستشفى ، قومن انصرفن لخيامكن ، وربي يستر بعد الطيارات الزنانة شو يصير. عادت أم سليم ، زمّت شفتيها من جديد واتجهت إلى خيمتها دون استئذان . فتبعنها النسوة الأخريات إلى خيامهن ، قبل بدء سقوط الصواريخ والقذائف أحد مباني المستشفى .
ــــــــــــــ
صورة مقربة
الجرافات الصهيونية جرفت الخيام في ساحة مستشفى كمال العدوان ، شهداء أطفال ونساء وشيوخا تحت الردم دفنوا أحياء . الكاميرا تقترب بصورة مقرّبة لذراع طفل داسته الجرّافة . جمجمة امرأة ، صوت شيخ طاعن يئن تحت الردم .

الأديب محمد عارف مشه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *