طائر الفينيق ل د. علي أحمد جديد

(طائر الفينيق-Phoenix) كائن أسطوري له صداه الواسع في التراث الشعبي القديم عند الكثير من الشعوب الممتدة جغرافياً حول العالم ، كالفينيقيين والإغريق والفرس والرومان والفراعنة المصريين والصينيين .. ورُغمَ تعدد أسمائه ، لكنها تجتمع متفقة على ما يشير إليه ، لأن له تأثيره في الأدب وفي الثقافات المعاصرة كرمز للتجدد بعد الوصول إلى حافة الفناء ، وللخلود رغم أنه لم يعد في صلب معتقدات الشعوب كما كان في الماضي .


وتقول الأسطورة الكنعانية أن طائر الفينيق عاش في الجنّة لألف سنة .. وأن حجمه بحجم نسر ضخم ، وهو بلون ذهبي مشع كالنار ، وعلى رأسه طرّة من الريش كأنها تاج ، ويظهر له ذيل طويل من الريش الأحمر البرتقالي والأصفر .
ولأن الفينيق طائر سوري في أصله وأسطوري اكتسب المقدرات السماوية والحكمة ، أراد أن ينزل إلى الأرض ليرى كيف يعيش الناس ، ويشاركهم آلامهم وأفراحهم ، بعد أن ذاق الخلود في الجنة . فشقَّ طريقه من الجنة إلى الأرض ، واستوقفتْه رائحة اللبان والبخور الصنوبري المنبعثة من جبال الشام ، فبنى عشَّه على أعلى شجرة صادفها من العنبر واللبان . وبدأ ينشد الأغاني السماوية في الصباح الثاني له على الأرض بصوت ملائكي عذب وشجي ليسمعه حارس الشمس الذي خرج إليه وهو على عربة تجرُّها أربعة أحصنة نارية ، وأراد الطائر من حارس الشمس أن يريه آلام الناس وعذاباتهم ، فنقل إليه صورة حيّة عن الحياة الأرضية ، وحينها بدأ الطائر يصرخ من الغضب والألم لِما رآه من عذابٍ وظلم بين الشعوب ، وراح يضرب بجناحيه داخل العش ، حتى صار العنبر يطلق ومضات نيرانية أجفلت الأحصنة التي ضربت الأرض بحوافرها لتطير الشرارات النارية إلى العش وتحرق طائر الفينيق قبل أن يغادر عشَّه ليحترق بكامل إرادته واختياره مشاركاً الشعب آلامهم وعذاباتهم ، حتى تحوَّل إلى رماد . إلا أنها لم تكن هذه نهاية طائر الفينيق الأسطوري ، بل كانت بدايته في التجدد والانتفاض والخلود .. إذ خرجت بيضة من تحت الرماد بعد أن همد احتراقه ..
وفي اليوم الأول كبرت البيضة ..


وفي اليوم الثاني خرج منها جناحاه ..


وفي اليوم الثالث عاد طائر الفينيق حيّاً من جديد ليحمل عشَّه ويطير به إلى مدينة الشمس ( بعل – بك ) ، ثم طار من جديد ليعود إلى فردوس الجنة . ولكنه فضَّل أن يعود إلى أرض الشام ليموت فيها على أن يبقى خالداً في الجنان السماوية إلى الأبد .


إن (طائر الفينيق) رمز التجدد والخلود والحياة الأبدية ، كما أنه يمثل السلام والمحبة ، ويشعر بآلام الإنسانية على الأرض .. ولذلك فإنه يحيا حياة متجددة من رماده ، ويُشفي حروقه وجراحه من دموعه .. فإذا بكى وسالت دموعه على أيِّ جرح فسرعان ما يشفى الجرح مهما كان غائراً ، وإذا مرَّ (طائر الفينيق) بمكان فإنه يترك وراءه رائحة المر واللبان . ربما يكون (طائر الفينيق) أسطورة من الأساطير ، لكن السوري الذي اتخذه رمزاً له منذ الفجر الفينيقي والكنعاني قد مرّ ومازال يمرّ بالصعاب والمحن ، وفي كل مرة ينتفض من تحت الرماد ويحيا من جديد ، لأنه لايعرف سوى الخلود والأبدية ..
ولأن شعبه أراد و يريد الحياة .. ولا بدَّ أن يستجيبَ القدر .

د. علي أحمد جديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *