علم الذرّة بين الدهشة والخطر للكاتبة الصحفية غادة كلش

الذَرّة تعريفًا

بداية، ينبغي تعريف مصطلح الذرّة في اللّغة العربيّة. فجمع مفردة الذرّة ذرّات وذَرّ. والذرّة في القاموس العربيّ، لها معانٍ عدّة منها:الذرّة التي هي أصغر جزء في عنصر ما ويدخل في التَّفاعلات الكيميائيّة. ومنها إسم مرَّة من ذرَّ: أي رشَّة، أو قدر ضئيل جدًّا بالغ الصغر. ومنها، ذرّة رمل أي حبّة رمل. ويقال أيضًا عصر الذَّرّة: أي العصر الحديث. كما يقال علم الذرَّة أو علم الذرّات، وهو علم يبحث في الذرّات وخصائصها، وتحديدًا الفيزياء النَّوويّة. ومن المعاني أيضًا التي وردت في القاموس: الذَّرّ، أي النَّسل والخلْق. والذّرّ بمعنى صِغار النَّمل، نسبة إلى نوع ضئيل الحجم جدًّا ، يُطلَق عليه النَّمل الأحمر، وهو أصغر أنواع النَّمل. وكذلك ورد معنى تناثر الذَّر: أي تناثر الهباء المنتشر في الهواء.

الذرّة المبهرة

إنّ من الأمور التي تحفّزنا على الإندهاش، ما استطاع العلم أن يتبيَّنه بالوسائط المخبريَّة وبالتّقنيَّات المجهريَّة الإلكترونيَّة الحديثة، حيث أظهر للعالم كيف أنَّ مجرّد حبَّة مفردة من السكَّر أو الرَّمل، فيها جزيْئيّات خفيَّة تمتدّ لأبعاد سحيقة، لا يعلم مداها إلا الله. وقد توصَّل العلم الحديث إلى أنَّ هذه الأشكال المفردة من كلّ حبَّة سكَّر أو رمل، تتألَّف من بلّورات منتظَمة، قد تكون ثلاثيّة أو رباعيّة وما هو أكثر من ذلك، وبعضها يكون على شكل الهرم أو المثلَّث أو المربَّع، أو على شكل نجمة سداسيَّة ، وما إلى ذلك من الأشكال العجيبة والمتفرّدة. بالمقابل، فإنَّ النّقطة التي نضعها على أيّ حرف أبجديّ، تحتوي عددًا هائلًا من الذَّرّات، يصعب على أيّ إنسان تخيلَّـه. فلم يستطع العلماء الذين يدرسون الذَّرات ويجـرون الأبحاث، أن يحصلوا على ذرَّة واحدة مستقلة، ولكنَّ تجمّع الذَّرّات مع بعضها بأعداد هائلة جدًا، هو أمر تحصيليّ معروف، فقطع المعادن الصَّلبة وكميَّات العناصر السائلة والغازيّة، هي تجمّعات هائلة من الذَّرّات. من هنا، يتَّضح أنَّ حجم الذَّرّة المتواتر والمتكاثر في الصّغر، يجعل إمكانيَّة تخيّلها أمـرًا في غاية الصّعوبة. ومع ذلك، فقد تمكّن العلماء من إعتماد صورة مبسَّطة ومعبِّرة للذَّرّة، وذلك وفق ما تجمَّع لديهم من معلومات ومعطيات.

مدخل دالتون

لاحظ الباحث الفيزيائيّ البريطاني جون دالتون في أواخر القَرن الثَّامن عشر أنَّ الذَّرّات تتجاذب مع بعضها البعض، وبشكل متَّحد، لتصنع المركَّبات، فوضع قاعدته الشَّهيرة في تفاعل الغازات. وكان ذلك هو المدخل لمعرفة البيئة الداخليَّة للذَّرَّة. بعد ذلك، وفي الحقبة التاريخية عينها، تمَّ اكتشاف النَّشاط الإشعاعيّ للعناصر القليلة، على يد الباحث الفيزيائيّ هنري بيكريل، ثم تَمَّ تصنيفها فيما بعد، في ثلاثة إشعاعات هي أشعَّة ألفا A))، وأشعَّة بيتّا (B)، وأشعَّة غاما (Y)، ويُعتَبر هذا الإكتشاف الفرصة التي إستفاد منها الفيزيائيّ أرنست رذرفورد فقدَّم تجربته الشَّهيرة، مستنتجًا من خلالها، أنَّ حجم الذَّرَّة عبارة عن فراغ، ولكنَّ مادّتها وهي النّواة، تحتوي على جسم يجعل الأشعّة منحرفة، وهذا الجسم هو البروتون ذو الشّحنة الإيجابية، وجاء بعد ذلك الباحث الفيزيائي جيمس تشادويك، وأضاف إلى النّواة جسمًا آخرَ يُسمّى النيترون، وهو ذو الشّحنة المتعادلة. أمّا نموذج رذرفورد فهو عبارة عن نواة تتمركز حولها بروتونات ونيترونات، تمثّل حواليّ تسعة وتسعين فاصل تسعة من حجم الذَّرَّة، وحول هذه النّواة تدور الإلكترونات بشكل مشابه لدوران المجموعة الشَّمسيّة، فالنّواة تشبه الشّمس، والكواكب تشبه الإلكترونات. الذَّرَّة يتمّ قياسها بوجود الأنغستروم، وهي تساوي واحدًا على عشرة مليون ملّيمتر، فمثلاً: قطر ذَرَّة الهيدروجين حواليّ خمسة بالمائة أنغستروم. وإذا جرى رصّ أكثر من ستمائة ألف مليار مليار ذَرَّة بجانب بعضها البعض، فستعطينا غراما واحدًا فقط!

الإندماج النَّوويّ

تطّورت النّظريات، حول علم الذّرَّة، لكنَّ أغلب هذه النَّظريات بنتْ معلوماتها على نموذج الباحث النيوزيلندي أرنست رذرفورد. وقد تبنّى الباحث الفيزيائيّ نيلز بوهر نظريّة أنَ الإلكترونات تدور حول النّواة في سبعة مدارات، وكذلك رصد مدى إستيعاب كلّ إلكترون على حدة، ورأى أنَّ المتحكّم في ثبات وتغيّر هذه الإلكترونات على مداراتها، هي الطاقَّة التي تحتويها. لكنَّ المعضلة التي واجهته، هي تحديد مكان الإلكترون في مداره؛ بسبب سرعة الإلكترون الشَّديدة. إلى ذلك، تمكَّن الباحثون الذين توالوا في القرنين التَّاسع عشر والعشرين والّذين حدَّدوا النّواة الذَّريّة وموادَّها العلميَّة والوظيفيَّة، من أن يكتشفوا القوَّة النَّوويَّة الشَّديدة التي تقوم بربط البروتونات مع بعضها البعض، فتتغلَّب على قوَّة التَّنافر فيما بينها، وهذه القوَّة تظهر كطاقة تُعرَف بالإندماج النَّوويّ. ويحدث الإندماج النَّوويّ عندما تلتحم نواة ذرَّات صغيرة، لتشكيل نواة كبرى، ويصاحب عمليَّة التَّحوّل هذه، تحرُّر طاقة كبيرة. وهذه العمليَّة تكون بحاجة إلى طاقة ضخمة، ينتج عنها طاقة أكبر.

أمّا الإنشطار النَّوويَّ، فهو عبارة عن انفكاك نواة كبيرة – غير مستقرّة- مكوِّنة نواة أصغر، بحيث تتحرَّر طاقة كبيرة. وقد استخدم الفيزيائيّون تقنيَّة المُسَرِّعات للتَّعمّق بداخل أسرار الذَّرّة أكثر فأكثر، أي تكنولوجيا تسمح لهم بدخول عالم الذَّرة الصَّغيرة جدًّا، وهذه التقنية تعمل على تسريع جسيمات الذّرَّة كالبروتونات، فتعطيها طاقة مرتفعة كثيرا.

نظريَّة “طومْسون” عن الذَّرَّة

وقد كان لنظريَّة الباحث الانكليزي جوزيف جون طومسون الأفضليّة في مسار النَّظريَّات الأخرى التي حاولت سبْر دقائق الذَّرّة وعجائبها، وقد أثبت طومسون أنَّه إذا لم توضع الإلكترونات في مكانها الصَّحيح، فستحاول أن تعود إلى مواضعها الأصليَّة ثانية. وفي نموذج معاصر أيضا، نظر الباحثون إلى الذَّرّة على أنَّها كالنّظام الشَّمسيّ أو كوكب “زُحل” ذات حلقات من الإلكترونات، محيطة بالشّحنة الكهربائيَّة الإيجابيَّة المركَّزة.

تجارب إرنست رِذِرْفورد في الذَّرّة

إكتشف رذرفورد في مطلع القرن العشرين، من خلال تجاربه، بأنَّ الشّحنة الموجِبة للذَّرَّة تتركَّز في مركزها في نواة صغيرة مكثَّفة ومتراصَّة، وعلى أساس ذلك وضع نموذجه الذَّريَّ الذي عُرِف بالنَّموذج النَّوويّ.

وقد افترض رذرفورد النَّموذج النَّوويَّ للذَّرّة، معتبِرًا أنَّ الذَّرَّة تتكَوَّن من كتلة صغيرة جدًّا وكثيفة جدًّا، ذات شحْنَة موجِبة تسمَّى النّواة، وتحتلّ مركز الذَّرَّة. وتحتوي نواة الذَّرَّة على جميع البروتونات، ولذا فإنَّ كتلة الذَّرَّة هي تعبير عن مجموع كتل البروتونات في نواتها (حيث أنَّ قيمة كتل الإلكترونات الصغيرة جدًّا هي قِيم مهملة). كما أنَّ شحنة النّواة الموجِبة، ترجع إلى تمَرْكُز البروتونات الموجِبة بها . وتتوزعّ إلكترونات الذَّرّة حول النّواة بنفس الطَّريقة التّي تتوَزَّع بها الأجرام السَّماويَّة حول الشَّمس . وبما أنَّ الذَّرَّة متعادلة، لذا فعدد الإلكترونات السيّارة، يساوي عدد البروتونات بالنّواة.

وقام الباحث رذرفورد بإجراء بعض من أبرز التَّجارب، للوصول إلى مكوّنات الذَّرّة . فاعتمد في تجاربه على استخدام جسيمات “ألفا” المنطلقة من مادَّة مشعَّة، وفي اعتقاده أنَّ المادَّة المشعَّة، تطلق إشعاعاتها في كافَّة الإتّجاهات، وهي تتكوَّن من جسيمات “ألفا” الموجبة الشّحنة، ومن جسيمات “بيتّا” السَّالبة الشّحنة، ومن أشعَّة “غاما” المتعادلة الشّحنة. ويمكن اعتبار جسيمات “ألفا” أنَّها ذَّرَّات للهليوم، فُقِدَ منها إلكترونان، ولذا، فإنَّ جسيمات “ألفا” تحمل شحنتين موجبتيْن ولها كتلة تساوي أربع مرّات كتلة ذَّرَّة الهيدروجين.

الجسيْمات الأصغر

مع مرور العقود، إكتشف الباحثون جسيمات صغيرة داخل الذَّرّة، إذ لم تعد البروتونات والإلكترونات والنيترونات هي أصغر جزء في الذّرَّة ، بل إنَّ هذه الجسيمات الثَّلاثة، تتكوَّن من أجسام أصغر منها، حيث ظهر الكثير من الأجسام التي تُصَنَّف حسب عائلاتها. فقد قَسَّم الباحثون هذه الأجسام إلى ما يسمّى الفيرمونات، التي تتكوَّن منها البروتونات والنّيترونات والإلكترونات، وكذلك هناك البوزونات. كما قسَّموا الفيرمونات إلى نوعين، هما: الهايدرونات وهي التي تتألَّف من نوعين: الباريونات المؤلَّفَة من أجسام ثلاثة حاملة لشحنة كهربائيَّة كَسريَّة والمعروفة بالكوارك، ومن البروتون الذي يتألَّف من ثلاثة كوارك، إثنان في الأعلى، وواحد في الأسفل، ومن النيترون ويتألَّف أيضًا من ثلاثة كوارك، إثنان في الأسفل وواحد في الأعلى. أمَّا النَّوع الثَّاني الذي يُعرَف بالميزونات، فإنَّه يتألَّف من أجسام أخرى، مثل: جسم البيون، والكاون.

ساعد رذرفورد على تنمية معرفتنا بالذَّرّة ،عندما قام مع الباحث يوهانس هانز غايغر بإجراء تجارب رقائق الذَّهب الشَّهيرة، التي أظهرت أنَّ للذَّرّة نواة صغيرة، لكنَّها تحتوي على كلّ الكتلة تقريبا. فقد قام بإطلاق جسيمات “ألفا” من خلال الرَّقائق الذَّهبيَّة، ثمَ استُقبِلت هذه الجسيمات كومضات ضوئيّة. وقد سمح رذرفورد عبر إطلاق حزمة رقيقة للغاية من جسيمات “ألفا” من مصدر مشعّ، كعنصر البولونيوم، بالمرور في اتّجاه صفيحة معدنيّة رقيقة من الذَّهب، وبعد اختراق تلك الجسيمات الصَّفيحة المعدنيّة، إستقبلها على لوح من كبريت الزّنك الموضوع خلفها. ويمكن وصف هذه التَّجربة بصورة أدقّ، حيث قام رذرفورد عمليًّا بإطلاق جسيمات “ألفا” من خلال الرَّقائق الذَّهبيَّة، تصل سماكة الرَّقيقة الذَّهبيَّة الواحدة، إلى حواليّ 0.00004 سنتيمتر فقط، ثمَّ استقبل هذه الجسيمات كومضات ضوئيَّة على شاشة الإستقبال، ومرَّت معظم الجزئيَّات مباشرة، عبر الرَّقائق، في حين انحرفت واحدة فقط، من عشرين ألف جزء (ألفا) إلى حوالي 45 م أو أكثر.

ثورة علميَّة

شكَّلت تجربة رقائق الذَّهب، ثورة علميّة في المفهوم الذَّرّي وقتها، وكانت الطريقة الوحيدة لقبول أو استيعاب نتائج هذه التَّجربة، هي أنَّ كامل كتلة الذَّرَّة تقريبًا مجتمعة في المركز، وأنَّ هذه النّواة تمتلك حجمًا صغيرًا جدًّا، مقارنةً بحجم الذَّرة الكلِيَّة. وقد توصَّل رذرفورد، يومها، إلى هذه النَّتيجة فقال:”من خلال التَّفكير والدّراسة، أدركت أنَّ هذا الإرتداد المتفرّق، هو نتيجة حتميّة للتَّصادم الفرديّ. فعندما قمت بالعدّ، وجدت أنَّه من المتعذّر أن أحصل على أيّ نتيجة، لهذا العدد الضَّخم، إلَّا إذا أخذت نظامًا يكون الجزء الأكبر من الكتلة من الذَّرّة فيه، مركزًا بالنّواة الدَّقيقة. وبعد كلّ هذا البحث، أستطيع القول إنّني قد توصَّلت إلى وجود ذرَّة ذات مركز دقيق جدًّا، فيه أغلب الكتلة، ويحمل شحنة موجبة، تعادل شحنة الإلكترون”.

ثلاثة إستنتاجات

كانت الطَّريقة الوحيدة التي مكَّنت رذرفورد من تفسير نتائج تجربته المدهشة وقدرة الجسيمات على المرور والإنحراف ضمن الذَّرَّة، هي هذه الإستنتاجات الثَّلاثة:

أوّلاً : إنّ وجود فراغ كبير في الذَّرّة، لهو دليل على عدم الإنحراف الكلّي للجسيمات.

ثانيًا: إنّ الذَّرَّة تحتوي بعض الجسيمات الثَّقيلة والمشحونة بشحنات موجبة، وبالتَّالي فإنَّ إقتراب جسيمات “ألفا” من هذه الجسيمات الموجبة، قد تسبّب بتنافر بسيط معها وبانحراف بعض جسيمات “ألفا”.

ثالثًا: إنَّ تمرْكز الجسيمات الموجبة الشّحنة بالذَّرّة في وسطها، يسبّب الإنحراف الكلّي والكبير لجسيمات “ألفا” المارَّة بمركز النّواة ( وهي قليلة العدد، نظرًا لصغر حجم الفراغ الذي تشغله النّواة).

النَّموذج النَّوويّ

ممّا لا شكَّ فيه، أنّ نموذج الذَّرَّة التي توصَّل إليه رذرفورد، يُسمّى النَّموذج النَّوويّ، وخلاصته أنّ الذَّرَّة تشبه المجموعة الشَّمسيَّة، فهي نواة مركزيّة تدور حولها وعلى مسافات شاسعة، الإلكترونات سالِبَة الشّحنة. والذَّرّة معظمها فراغ، وحجم النّواة صغير جدًّا بالنّسبة لحجم الذَّرّة. وتتركّز كتلة الذَّرَّة في النّواة، لأنَّ كتلة الإلكترونات صغيرة جدًّا مقارنة بكتلة مكوّنات النّواة من البروتونات والنيوترونات. ويوجد في الذَّرّة نوعان من الشّحنة، شحنة موجبة بالنّواة، وشحنات سالبة على الإلكترونات. والذَّرَّة متعادلة كهربائيًّا، لأنَّ عدد الشّحنات المُوجبة البروتونات، يساوي عدد الشّحنات السَّالبة الإلكترونات.

الإرْتياب بنموذج رذرفورد النَّوويّ

تعرَّض النَّموذج النَّوويّ الذي طرحه رذرفورد إلى تشكيكات عديدة منها،أوّلًا: إنّ الذَّرَّة ليست مُتَّزِنة ميكانيكيًّا، حيث أنَّ النّواة الموجبة، تقوم بجذب الإلكترونات السَّالبة وتلتحم وتتعادل بطبيعة أنَّ الإلكترونات سالبة، وإذا كانت الإلكترونات تدور حول النّواة في مسار دائريّ، تنشأ قوّة مركزيَّة عندئذ تساوي ( ك ع2 / نق ) وبالتّالي يتَّحرك الإلكترون بتسارع مركزيّ، ويكون مع النّواة ثنائيًّا متذبذبًا، فيشعّ أمواجًا كهرومغناطيسيّة، ويدور في مسار حلزونيّ، إلى أنْ يسقط في النّواة. ثانيًا: بما أنَّ الإلكترون يدور حول النّواة ويكون معها زوجًا متذبذبًا. إذاً فالذَّرَّة تشعّ طيفًا مستمرًّا متغيّرًا في التردد والطّول الموجيّ، وتتناقص طاقته تدريجيًّا، وهذا يتناقض والتَّجارب العمليَّة التي أثبتت أنَّ الذَّرّات تشعّ طيفًا خطيًّا له طول موجيّ محدَّد بدقَّــة.

ذّرّة نيلز بوهر

إنطلاقا من هذه التشكيكات، إقترح الباحث الفيزيائيّ نيلز بوهر في مطلع القرن العشرين، نموذجًا للذَّرّة تنتظم فيه الإلكترونات في مدارات متوالية الإتّساع، حول نواة صغيرة تتكوَّن من البروتونات والنيوترونات. وارتأى بوهر أنَّ الإلكترونات تدور حول النّواة في مسارات دائريّة وبمدارات محدَّدة، وطالما أنّها في مداراتها، فإنّها تمتلك طاقة محدَّدة وثابتة وتفقد جزءًا من طاقتها على شكل إشعاع ضوئيّ، عند الإنتقال من مدار أبعد إلى مدار أقرب عن النّواة ، والعكس صحيح. فعند إعطاء الإلكترون كميَّة من الطَّاقة، كالتّسخين مثلًا، عندئذ يمكن أنْ ينتقل من مدار أقرب إلى مدار أبعد عن النّواة، بسبب إمتصاصه هذه الطَّاقة . واعتقد بوهر بأنَّ العديد من خواص العنصر يعتمد على( عدد) الإلكترونات الموجودة في المدار الخارجيّ لذرَّة ذلك العنصر.

ولقد ساعد نموذج بوهر للذَّرّة، على تفسير الكيفيَّة الّتي تتفاعل بها الذَّرَّات مع الضَّوء والأشكال الأخرى للإشعاع. فقد افترض بوهر أنَّ امتصاص وابتعاث، أي (إطلاق) الضّوء بوساطة الذَّرّة، يستلزم تغييرًا في وضع الإلكترون وطاقته، فيقفز من مدار لآخر. وقد استطاع الكميائيّون الحصول على الكثير من المعلومات حول تركيب الجزيئات، عن طريق قياس كميَّة الإشعاع التي تمتصّها والّتي تنبعث منها.

إفتراضات نيلز بوهر في نموذجه الذَّرّي

إذًا، لقد افترض نيلز بوهر أنّ الإلكترونات تدور حول النّواة في مسارات دائريَّة الشَّكل وضمن مدارات محدَّدة، ولها طاقات ثابتة ومحدَّدة، وكلّ مدار له طاقة محدّدة وثابتة، يُعَبَّر عنها بأرقام صحيحة من واحد إلى سبعة، سمّيت بالأعداد الكمّيَّة الرئيسيَّة. ولا يفقد الإلكترون طاقةً ما دام في مداره، وإذا صعد لمدار أعلى، فإنَّه يكتسب طاقة تسمَّى طيف امتصاص. وإذا نزل لمدار أدنى فإنَّه يفقد طاقة ضوئيَّة، تسمَّى طيف انبعاث.

ومع مرور العقود وتطوّر علم الذَّرَّة إلى يومنا هذا، بما يشمله من صناعة الصَّواريخ والقنابل والأسلحة الذَّريَّة والنَّوويّة، كان لهذا العلم جوانب إيجابيَّة مفيدة من جهة، وجوانب سلبيَّة خطيرة من جهة أخرى.

السّلاح النَّوويّ

طوَّر الباحثون النَّظريَّات في علم الذَّرَّة، واستخدموا تطبيقاتها، حتَّى توصَّلوا في أوائل القرن العشرين، إلى تصنيع السّلاح النَّوويّ، وهو سلاح يستمّد قدرته التَّدميريَّة، من تحويل المادَّة إلى طاقة. وكلّ الأسلحة النَّوويَّة هي أدوات تفجير تدميريّ هائل. وهذا السّلاح سعت إلى امتلاكه دومًا، دول العالم المتقدّم، لتخيف به دولًا أخرى. وهذا ما فعلته الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، حينما ألقت بالقنبلة الذّرّية على المدينتين اليابانيّتين هيروشيما وناغازاكي، في حربها مع اليابان، إبَّان الحرب العالميَّة الثَّانية. ولم يتم إستخدام هذا السّلاح المدمّر بعدها، حتَّى وقتنا الحاضر في أيّ حرب، ولكنْ، تَمَّ إستخدامه قرابة ألفين مرَّة في تجارب واختبارات من أجل الحصول عليه أو تطويره. ويعتقد البعض أنّ هنالك ثماني دول تمتلك السّلاح النَّووّيّ، ولكنْ، للحقيقة هنالك سبع عشرة دولة تمتلك السّلاح النَّوويّ أو امتلكته وتخلَّت عنه أو قامت بتفكيكه.

نتائج القنبلة الذّرِّية

إذًا، كانت بداية استخدام الأسلحة النَّووّيّة، بالقنبلتين الَّلتين استخدمتهما الولايات المتحدَّة، خلال الحرب العالميَّة الثَّانية، قبيل منتصف القرن العشرين، وقد خلّفَتا دمارًا هائلًا وقتلًا جماعيًّا مُرْعبًا. وأغلب الأسلحة النَّووّيَّة الحاليَّة أقوى بحواليّ ثمانية إلى أربعين مرَّة من قنبلة هيروشيما. وقد سيطرت القنابل النوويّة منذ الحرب العالميّة الثّانية، على التّخطيط العسكريّ لدول العالم الأكثر قوّة. واستفرد كلّ من الولايات المتَّحدة والإتّحاد السّوفياتيّ (سابقًا) بتصنيع وامتلاك الأسلحة النَّوويّة، تلتهما بريطانيا، وفرنسا، والكيان الصَّهيونيّ، وكذلك استطاعت الصّين والهند وباكستان، تصنيع السّلاح النَّوويّ. وهناك دول أخرى تسعى لإمتلاك هذا السّلاح. والجدير بالذّكر أنَّ دمار المدينتين اليابانيَّتين أظهر القدرة التّفجيريَّة الهائلة للأسلحة النَّوويّة، لذلك، ومنذ نهاية الحرب العالميَّة الثّانية، يعتقد معظم الخبراء أنَّ خطر الحرب، قد ساعد على حفظ السَّلام بين الدّول الكبرى. لكنَّ الخبراء يتَّفقون على أنَّ الإستخدام المكثّف للأسلحة النَّوويَّة الضَّخمة في أيّ حرب، سوف يُسَبِّب دمارًا واسعًا للعديد من الدول. لذلك سعت الدّول الكبرى طويلاً وراء سبل السَّيطرة على الأسلحة النَّوويَّة، والتَّقليل من خطر نشوب حرب نوويّة. وأعطت الإصلاحات التي بدأت في أوروبا الشرقيَّة والإتّحاد السّوفياتي (سابقًا) في أواخر ثمانينات القرن العشرين، الأمل في جعل هذه الأهداف ممكنة التّحقّق.

أنواع السّلاح الذَّريّ

يندرج السّلاح الذَّريّ أو النَّووّيّ ضمن أربعة تصنيفات، وهي تشمل الصَّواريخ والقنابل وقذائف المدفعيّة والألغام والطّوربيدات. والأسلحة النَّوويَّة أكثر تدميرًا من أيّ سلاح تقليديّ (غير نووّيّ) بمراحل. وهي تدعى أيضًا أسلحة ذرّيّة، وأسلحة حراريَّة نووّيّة، وتُعرَف بالأسلحة الهيدروجينيَّة أو أسلحة الإلتحام. وفي أسلحة الإنشطار يتّم تحويل المادَّة إلى طاقة عندما تنفَلق أنواع نويَّات معيَّنة من ذرَّات اليورانيوم والبلوتونيوم. وفي الأسلحة الحراريَّة النَّوويَّة، يتمّ تحويل المادّة إلى طاقة عندما تتَّحد أزواج من أنواع معيَّنة من نويّات الهيدروجين، لتشكّل نواة واحدة. وبصورة عامَّة، فإنَّ الأسلحة الحراريَّة النَّوويَّة، أكثر قوَّةً من أسلحة الإنشطار بكثير. والغالبيَّة العظمى من الأسلحة النَّووّيّة اليوم، هي أجهزة حراريَّة نوويّة.

أسلحـــــــــــة الإنشطـــــــــــــــــار

تستمدّ الأسلحة الإنشطاريّة قدرتها التَّدميريَّة، من انفلاق النّويّات الذَّرّية. وهناك ثلاثة أنواع فقط، من الذَّرّات الملائمة للإنشطار في مثل هذه الأسلحة، هذه الذَّرَّات هي ذرَّات نظيريّ اليورانيوم مائتين وخمسة وثلاثين، واليورانيوم مائتين وثمانية وثلاثين، وكذلك نظير البلوتونيوم مائتين وتسعة وثلاثين. والنَّظائر المشعَّة هي أنواع مختلفة من الذَّرَّات للعنصر نفسه. ويحدث الإنشطار النَّوويّ، عندما يرتطم نيوترون وهو جُسيْم دون الذَّرّيّ، ليس له شحنة كهربائيَّة بنواة ذرَّة يورانيوم أو بلوتونيوم، وعندما تنفلق النّواة، تتحوَّل نسبة ضئيلة من مادَّتها إلى طاقة هائلة. وإضافة إلى ذلك، يُطلَق نيوترونان إضافيَّان أو ثلاثة، وهذه النيوترونات قد تفلق نويَّات أخرى. وإذا استمرَّت هذه العمليَّة، ينشأ تفاعل متسلسل ذاتيّ الدَّعم، حيث توفّر كلّ نواة منفلقة الوسيلة لفلق نويَّات أخرى. ولا بدَّ من حدوث مثل هذا التَّفاعل المتسلسل، لكي يتمَّ الإنفجار الإنشطاريّ. ويتطلَّب تكوُّن تفاعل متسلسل إنشطاريّ ذاتيّ الدَّعم، حدًّا أدنى من كتلة معيَّنة من المادَّة القابلة للإنشطار، تُسمّى الكتلة الحرجة. أمّا الكتلة الضَّئيلة فهي الّتي لا تكفي لإحداث تفاعل متسلسل ذاتيّ الدَّعم بالكتلة دون الحرجة.

الكتلة الحرجة

تستخدم أسلحة الإنشطار واحدة من طريقتين أساسيَّتين لإيجاد كتلة حرجة، هما: طريقة نمط المدفع، وطريقة نمط الإنفجار الدَّاخليّ. وفي طريقة نمط المدفع يتمّ وضع قطعتين الدّون حرجتين في جهاز شبيه بماسورة المدفع، وتستقر إحدى القطعتين عند أحد طرفيّ السّبطانة، ثمَّ تُوضع الأخرى على مسافة ما من القطعة الأولى، بينما تُوضع خلفها شحنة متفجّرة تقليديَّة قويّة، ويتمّ إحكام سدّ الماسورة من كلا الطّرَفين. وعند تفجير شحنة السّلاح، تدفع الشّحنة المتفجّرة التَّقليديَّة الكتلة دون الحرجة الثَّانية، بسرعة هائلة إلى الأولى. وتصبح الكتلة الموحدَّة النَّاتجة على الفور، فائقة الحرج، ممّا ينتج عنه تفاعل متسلسل سريع وذاتيّ الدَّعم، وبالتَّالي إنفجار نوويّ.

ناتج التَّفجير النَّوويّ

يمكن أن يكون لأدوات التَّفجير النَّوويّ نواتج واسعة التَّباين. فبعض القنابل الأقدم، كان لها ناتج يبلغ عشرين ميجا طنّ أو ألفًا وخمسمائة وأربعين قنبلة مثل قنبلة هيروشيما. والميجا طن هو كميَّة الطَّاقة التي يُطلقها، وتبلغ تسعمائة وسبعة آلاف طنّ متريّ من مادَّة ثلاثي نيترو التولوين (تي. أن. تي). واليوم، نظرًا للدّقَّة العالية للصَّواريخ، فإنَّ أغلب الأدوات النّوويَّة، لها ناتج يقلّ عن واحد ميجا طن. وتتباين تأثيرات الإنفجار النَّوويّ على البشر والمباني والبيئة كثيرًا تبعًا للعديد من العوامل. وتشمل هذه العوامل الطَّقس والتَّضاريس ونقطة الإنفجار، بالنّسبة لسطح الأرض وناتج السّلاح. فيما يؤدّي إنفجار السّلاح إلى أربعة تأثيرات رئيسيَّة هي: موجة إنفجار وإشعاع حراريّ وإشعاع نوويّ أَوليّ وإشعاع نوويّ إرتداديّ.

موجـــة الإنفجـــار الذّرّي

يبدأ الإنفجار بتكوين كرة ناريَّة، تتألَّف من سحابة من الغبار والغازات السَّاخنة تحت حرارة عالية. وخلال جزء من الثَّانية بعد الإنفجار، تبدأ الغازات في التَّمدّد وتكوين موجة إنفجار، وهي تدعى أيضًا موجة صدميّة. وتتحرَّك هذه الموجة بسرعة بعيدًا عن الكرة النَّارية، مثل جدار متحرّك من الهواء المضغوط بشدّة. ويمكن أنْ تنتقل موجة الإنفجار التي يُحدِثها إنفجار ميجا طنّ واحد ضمن تسعة عشر “كم” مِنَ الصِفر الأرضيّ، وذلك خلال الثّواني الخمسين الأولى بعد الإنفجار. والصّفر الأرضيّ هو النّقطة الأسفل التي تكون على الأرض، عند حدوث الإنفجار في الجوّ. وتُسبِّب موجة الإنفجار معظم الدَّمار النَّاتج منه. وبينما تتحرَّك الموجة إلى الأمام، تسبّب ضغطًا زائدًا، وهو ضغط جويّ فوق المستوى العاديّ. ويمكن لإنفجار ميغا طنّ واحد، أنْ ينتج ضغطًا زائدًا يكفي لتدمير معظم المباني، ضمن نطاق واحد فاصلة ستَّة “كم” من الصّفر الأرضيّ. ويمكن لهذا الإنفجار أنْ يسبّب دمارًا للمباني، يتراوح بين معتدل وعنيف، في نطاق يبلغ حواليَّ عشرة “كم” من الصّفر الأرضيّ. كذلك تصحب موجة الإنفجار رياح قويَّة، قد تبلغ سرعتها ستمائة وأربعين “كم” في السَّاعة، عند ثلاثة فاصلة إثنين “كم” من الصّفر الأرضيّ. وعلى الأرجح، قد تقتل موجة الإنفجار والرّياح، غالبيَّة البشر الموجودين في حدود خمسة “كم” من الصّفر الأرضيّ.

الإشعــــاع الحــراريّ

يتكون الإشعاع الحراريّ من إشعاع فوق بنفسجيّ ومرئّي، وتحت أحمر صادر من الكرة النَّاريّة. ويتمّ امتصاص الإشعاع فوق البنفسجيّ بوساطة الذَّرّات الموجودة في الهواء، وبذلك يُسَبِّب ضررًا طَفيفًا. ولكنَّ الإشعاع تحت الأحمر والمرئيّ، قد يُسبّبان إصابات للعين وكذلك حروقًا بالجلد، تسمّى حروق الوهج. ففي تجربة هيروشيما المأسويَّة، تراوحت نسبة الوفيَّات من حروق الوهج، بين عشرين وثلاثين بالمئة. ويمكن أيضًا أنْ يُشعل الإشعاع الحراريّ الموادّ ذات القابليَّة العالية للإشتعال، مثل ورق الصّحف وأوراق النَّباتات الجافَّة. ويمكن أنْ يؤدّي إحتراق هذه الموادّ إلى حرائق هائلة.

كارثيّة الحرب النَّووِّيّة

يطرح بعض الباحثين الفيزيائييّن نظريَّة تقول إنَّه عند وقوع حرب نوويَّة سيمتصّ الدّخان النَّاتج عن حرائقها، ما يكفي من ضوء الشَّمس، لتنخفض درجة حرارة معظم سطح الأرض لعدَّة أشهر من السَّنة. ويتوقَّع هؤلاء الباحثون أن تؤدّي درجات الحرارة المنخفضة إلى عجز في المحاصيل ومجاعة واسعة الإنتشار. وقد يتفاوت مفعوله تفاوتًا بيّنًا. فعند وجود ضباب جويّ خفيف، مثلًا، فإنَّ المفعول يمكن أن تكون نسبة شدَّته واحدًا بالمئة، ممَّا هي عليه عندما يكون الهواء صافيًا. ويمكن وقاية الشّخص من مفعول الإشعاع الحراريِّ المباشر، بوساطة أشياء صلبة غير شفّافة، مثل الجدران والمباني والأشجار والصّخور. كما يمكن أنْ تساعد الملابس الملوَّنة ألوانًا خفيفة والتي تعكس الحرارة، على وقاية الشّخص من حروق الوهج، إلاَّ أنَّ الإشعاع الحراريَّ الذي يُنتجه إنفجار ميجا طنّ واحد، يمكن أنْ يلحق حروقًا من الدَّرجة الثَّانية (تقرّحات) بالجلد البشريّ المكشوف، ضمن نطاق ثمانية عشر”كم” من الصّفر الأرضيّ. ويستمرّ الإشعاع الحراريّ لحواليّ عشر ثوان فقط. وهكذا، فإنَّ الإشعاع يُفحِّم المنسوجات الثَّقيلة، وقطع الخشب والبلاستيك السَّميكة، ولكنَّه لا يحرقها.

الأسلحة الإستراتيجيَّة النَّوويَّة

يمكن تقسيم هذه الأسلحة إلى نوعين رئيسييّن هما: الأسلحة الإستراتيجيَّة النَّوويَّة، وأسلحة الميدان النَّوويَّة. الأسلحة الإستراتيجيَّة النَّوويَّة مصمَّمة أساسًا، لشنّ هجوم من مسافات بعيدة على أهداف داخل أرض العدّو. وتضمّ هذه الأسلحة القنابل والقذائف التي تُطلقها القاذفات البعيدة المدى. كذلك تشمل القذائف التي تستطيع، بصورة عامَّة، إطلاق أدوات متفجّرة إلى أهداف تربو على عشرة آلاف وخمسمائة “كم” من موقع الإطلاق. وبعض هذه القذائف، متمركز على الأرض، وبعضها الآخر متمركز تحت البحر في الغوَّاصات. وتشمل القذائف الإستراتيجيَّة النَّوويَّة والقذائف البالستيَّة العابرة للقارّات والقذائف البالستيَّة المنطلقة من الغوَّاصات، وقذائف كروز. بعض القذائف الإستراتيجيَّة النَّوويَّة لها عدد من الرّؤوس الحربيَّة النَّوويّة، ويحمل كلّ واحد منها موادًّا متفجّرة موجَّهة إلى هدف منفصل. وتدعى هذه الرؤوس الحربيَّة القذائف العابرة للقارَّات متعدّدة الرُؤوس والأهداف. وتستطيع الأسلحة الإستراتيجيَّة النَّوويَّة تدمير أسلحة العدوّ النَّوويَّة أو تعطيلها، وتستطيع أيضًا تدمير إقتصاد العدوّ أو منظومته الإجتماعيَّة.

معاهدة حظر انتشار السّلاح النَّوويّ

تابعت كبريات الدول المفاوضات الشَّاقة، للحدّ من خطر تصنيع السّلاح النَّوويّ، حيث أدَّت إلى وضع “معاهدة حظر انتشار السّلاح النَّوويّ”. وقد وقَّعت هذه المعاهدة خمس دول هي: الولايات المتَّحدة الأميركيّة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصّين. أمّا الدول “غير الموقعة” على معاهدة حظر الإنتشار النّوويّ، والتي لا تزال تصنِّع هذا النَّوع من الأسلحة الذَّريَّة فهي: الهند، باكستان، وكوريا الشّماليّة. أمَّا الدول الحاصلة على السّلاح النَّوويّ (بالمشاركة) فهي دول “النّاتو”، وعددها خمسة: بلجيكا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، وتركيا. وهنالك دول إمتلكت السّلاح الذَّريّ، ثمَّ قامت بتفكيكه أو تسليمه، بعد انضمامها إلى معاهدة حظر انتشار السّلاح النَّوويّ، وعددها ثلاث، هي:كازاخستان، أوكرانيا، وجنوب أفريقيا.

متحف المعْروضاتِ النَّوويّة!

والجدير بالذّكْر،أنَّ السلاح النَّوويَّ، بات يُعرَض في متاحف عالميّة مُخصَّصة للعرض. وفي هذا السياق، عرض متحف المركز الروسيّ الفيدراليّ النَّوويّ في مدينة ساروف المغلقة من إقليم نيجني نوفغورود، وللمرة الأولى، هيكل أقوى قنبلة في العالم، وذلك بمناسبة ذكرى الإحتفال بالصناعة النَّوويَّة. كما وجرى إرسال سبعة عشر معروضة إلى معرض في موسكو عنوانه “البلاد والذَّرَّة.. الأحداث والأبطال والإنجازات” ِبما في ذلك أكبر تحفة، وهي هيكل القنبلة النَّوويَّة الحراريَّة “آن- ستّمائة وإثنان” التي حصلت على تسمية “أمُّ كوزكا”. ويبلغ وزن هيكل هذه القنبلة ستَّة طنًّا. أمَّا وزنها وقت الإختبار، فكان يبلغ سبعة وعشرين طنًّا. وتشكّل قوَّة إنفجارها خمسين ميغا طنًّا، وهي السّلاح النَّوويَّ الأقوى في العالم. وقد جرى إختبار هذه القنبلة في تشرين الأوَّل/أكتوبر من العام ألف وتسعمائة وواحد وستيّن في جزر نوفايا زيمليا. وتضمَّن المعرض نماذج من المفاعلات النَّوويَّة، بالإضافة إلى معروضة فريدة من متحف “ساروف” وهو جهاز التَّحكّم بأوَّل اختبار للسّلاح النَّوويّ السّوفياتيّ في القرن الماضي. كما تضمَّن للمرَّة الأولى وثائق أرشيفيَّة سريَّة عن تاريخ “المشروع النَّوويّ” السّوفياتيّ.

الطبّ النَّوويّ

إنطلقت تسمية الطبّ النّوويّ، نسبة إلى نواة الذَّرَّة التي هي مصدر الإشعاع المنبعث من الموادّ المشعّة. ويُعدّ استخدام النَّظائر المشعَّة في تشخيص الأمراض وعلاجها، من أحدث تطبيقات التكنولوجيا في المجال الطبيّ، فهذه الموادّ لها القدرة على اكتشاف أيّ خلل وظيفيّ في أيّ عضو من أعضاء جسم الإنسان، كما أنَّ لها دورًا مهمًّا في علاج بعض الأمراض، بإعطاء المريض مادَّة مشعّةً خاصَّة، تختلف عن التي تُستخدَم في التَّشخيص. وتتركَّز هذه المادّة في أماكن المرض، حتّى يتسنّى القضاء عليه، دون أيّ آثار جانبيّة.

تشخيص الأمراض بالموادّ المُشِعّة

تُسْتَخدم النَّظائر المشعَّة في تقدير كميَّة بعض الموادّ والأدوية والهرمونات في الدَّم، وذلك باستخدام جهاز يسمّى العدّاد الوميضيّ،حيث يتمّ سحب عيّنة من دم المريض، وفصْل المصل (البلازما) وإضافة النَّظير المُشعّ الخاصّ بالمادَّة المعيَّنة له، فمثلًا في تقدير نسبة هرمون الثيروكسين الذي تفرزه الغدَّة الدّرقيَّة، يُستَعمَل اليود “مائة وخمسة وعشرون”، ثمَّ يوضَع في جهاز العدّ الوميضيّ، وعن طريق الحاسب الآليّ المتَّصل بهذا الجهاز، تتمّ قراءة وجود المادَّة في الدَّم، وبطريقة حسابيَّة وبيانيَّة، يتمّ حساب كميَّة هذه المادَّة في الدَّم. يتيح المسح النَّوويّ مساعدة الأطبّاء في تشخيص كثير من الحالات، ومنها السّرطان والأمراض المعدِية. كما يستطيع هذا الفحص أنْ يُبيِّن الطَّريقة الّتي تعمل بها أعضاء الجسم كالقلب والرّئتين. وقد بات الأطبَّاء يستخدمون التَّصوير بالأشعَّة النَّوويَّة في معظم الأحيان، للحصول على معلومات حول كيفيَّة قيام الأعضاء بوظائفها، ولاكتشاف المشاكل الموجودة في مناطق محدَّدة من الجسم.

التَّصوير بالأشعَّة النَّوويّة

يختلف التَّصوير بالأشعّة النَّوويَّة باختلاف العضو الذي يفحصه الطّبيب، لدى كلّ مريض على حدة، ويكمن الفارق الأساسيّ بين مختلف أنماط التَّصوير بالأشعَّة النَّوويَّة في نوع المادَّة الصَّيدلانيَّة المستخدمة، وفي طريقة إعطائها للمريض. ويمكن القول إنَّه بعد سنوات من البحث، تمَّت البرهنة على أنَّ التَّعرّض لهذه الأشعَّة الضَّعيفة جدًّا، ليس له أيّ مخاطر صحيَّة ملموسة، باستثناء إحتمال وجود مخاطر بالنّسبة للجنين.

إذًا، تُستخدَم الموادّ المشعَّة في اختبار التَّصوير بالأشعَّة النَّوويَّة. وتُعتَبر كميَّة الإشعاع المستخَدم في اختبار التَّصوير بالأشعَّة النَّوويَّة آمنةً، لكنَّ هذه الكميَّة نفسها، يمكن أنْ تكون خطيرة بالنّسبة للجنين. وبالتّالي مِن المهمّ جدًّا أنْ تتأكَّد المرأة من عدم الحمل، قبل اتّخاذ قرار إجراء التّصوير بهذه الأشعَّة. وقد يتحسَّس بعض المرضى من المركّبات المستخدمة في اختبار التَّصوير بالأشعَّة النَّوويّة. وينبغي للمريض، أنْ يحرص على إخبار الطَّبيب عن إصابته بالحساسيَّة، وعن أيّ موادّ سبَّبت له ردود فعل تحسّسيّة في الماضي.

ملاحظة: مصادر المعلومات مستقاة من عدة مواقع ومجلات إلكترونية متخصصة في علم الذرّة

الكاتبة الصحفية غادة كلش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *