فراغ بلا نهاية | قصة قصيرة للكاتب الهادي نصيرة

 

 

في مقبرة هادئة، حيث تنساب الرياح كهمسات بعيدة، وقف إياد أمام قبر والده، وعيناه تتفحصان الاسم المنقوش على الرخام، فيما امتدت أصابعه، لتلامس الحروف الباردة…
لطالما اعتاد الوقوف هناك، لكنه بدا اليوم، وكأنه يقرأ الاسم للمرة الأولى…

أطبق جفنيه للحظة، كأنما ينوي الهروب من الفراغ الرهيب المحدق به، وقد بدا جسده مرتعشا تحت وطأة لسعات صقيع لاذعة . ربما كان ذلك الصقيع قد ترسب في أعماقه، حتى صار مألوفًا كظل الموت حين يمر، تاركا وراءه وحشة تمتد بلا نهاية…

من بعيد، صوت طفل يخترق الصمت، فجأة : “أبي!”
انتفض إياد، رافعًا رأسه ببطء، كمن أفاق على وقع نداء بعيد، وراح يجول بنظره بحثًا عن مصدر الصوت…

هناك، على بعد خطوات، ركض الطفل الصغير، بفرح غامر، نحو رجل كان ينتظره بذراعين مفتوحتين.. قفز إلى حضنه.. ضحك، ثم غاب صوته في عناق دافئ…

تسمر إياد في مكانه، مشدودا إلى ذلك المشهد، وبدا وكأن نَفَسه يوشك على الانحباس، ثم ما لبثت دموعه أن تفجّرت كالسيل الجارف…

بكفٍ مرتجفة، مسح عينيه، وقد أحسّ بظل صغير يقترب منه…
استدار، فإذا الطفل، ذاته، يتأمله بفضول؛ وكأن عينيه تبحثان عن إجابة لسؤال لم يطرح بعد، بينما ظل إياد ثابتا كتمثال حجري، قبل أن يبتلعه السكون الذي لف المكان…

 

الكاتب الهادي نصيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *