سأحكي لك حكاية حدثت منذ قديم الزمان في إحدى الممالك عن امرأة أرملة وإنسان محتال، كان يراه الناس من الوجهاء والأعيان، فقد مات عن المرأة زوجها، وترك لها من الأولاد ثماني خمس بنات وثلاثة من الأبناء، فرق لحالها بعض الأعيان والوجهاء، فذهبوا لأحد الأغنياء وقصوا عليه حالها فقال لهم: سأكون أنا كفيلها هي وأبناؤها، وسأرسل لها مطلع كل شهر مبلغا من المال يغنيها عن الحاجة والسؤال، ولكن أريد منكم أن تدلوني على رجل أمين لكي أرسل معه لهذه الأرملة المال، فقالوا جميعم إنه فلان لجهلهم بأنه إنسان محتال، تدثر بدثار الأتقياء حتى يستطيع النصب على الناس البسطاء، وبالفعل أخبروا هذا المحتال بأنه قد كلف بنقل المال من الرجل الغني للأرملة والأيتام فبكى وقال:
هذه أمانة، وهي حمل ثقيل، ولكن أنا بها جدير، وضحك بينه وبين نفسه بأن ساق الله له هذا الخير الكثير، وتوالت الأيام والشهور وذلك الرجل المحتال يذهب للغني ويأخذ منه المال، ولكن لم يكن يعطيه لا للأرملة ولا للأيتام، بل كان يتنعم به، فقد صار في رغد من العيش وطيب الحال، وشاء الله أن يكشف ذلك المحتال، فقد تصادف بعض الأعيان مع الأرملة بين المزابل تتجول وتدور بين الأحياء، وتتسول فنهرها وقال:
أليس عندك من المال مايغنيك عن السؤال؟
فنظرت إليه وقالت:
ما هذا الكلام؟ ومن أين يأتيني المال؟ وأنا أعيل ثمانية أيتام فقال لها:
أوليس فلان يأتيك بعشرة آلاف دينار مطلع كل شهر
فقالت: اتق الله ياهذا، فأنا لم يصلني لا درهم ولا دينار،
فنظر إليها في عجب وقال في نفسه:
هنالك حتما خطب، فذهب إلى أصحابه وجمعهم وفقال:
لقد خدعنا جميعا ذلك المحتال، وأخذ لنفسه ذلك المال فذهبوا إليه وبالأمر واجهوه، فاعترف وقال لهم:
لا تفضحوني، فقد أغواني الشيطان، فقد عشت بذلك المال في ترف، وقد صرت بينكم الآن بلا شرف، فهددوه إن هو لم يرجع تلك الأموال سيأخذوه إلى السلطان، فبكى وانتحب، وقال:
بل سأرجع لها جميع الأموال، ولها مني كذلك أموال تكفيرا عن الذنب، وقام برد المال، وهرب من تلك القرية في الحال، وهذا ماكان من أمر تلك الأرملة والمحتال.
من كتاب أحلام مابعد العصر
الكاتب مصطفى مسلم