القراءة :
قصة ماتعة مشوقة يتلبس فيها الرمز بالحقيقة لتعالج قضية الأنثى على وجه هذا الكوكب المائي ، أنثى تنجب الذكر ،تتحمل كل فظاعات تصرفاته ،فهي المخلوقة من ضلعه ،خادمته و مسليته وجاريته الضحوك اللعوب المرحة مخففة أحزانه وآلامه ،لعبته داؤه ودواؤه ، يحتاجها دائما في حياته لتكتمل الرجولة والذكورة والإنسانية .
صراع الجندرية يحرك الأنوثة حتى تتحول إلى وحش يخدش ،يثور ، يثأر لكرامته وإنسانيته محاولا تحقيق بعض المساواة العرجاء ،المهم أنها حاولت وتركت بصمة على خد معذبها تذكره بأنها قادرة على الفعل والدفاع والهجوم . إنها المرأة/ القطة .
تحول في السلوك من مفعول بها في بداية النص إلى فاعل في آخره و كأنها تختزل مسيرة المرأة العربية في صراعها مع الشرقي ،الصبر فالصمت فاستجماع الشتات ،استقواء ثم رد الفعل بالمثل حتى وإن كان ذلك نهايته موت معنوي أو مادي ،المهم تحقيق الثورة وترك البصمة والارتقاء بالذات .
ذلك ما فهمته منذ قراءتي الأولى لهذه القصة . وذلك ما ألمسه في مسيرة المرأة العربية منذ خروجها من القمقم فالمثابرة والعمل ونحت الطريق إلى التميز والحق في تقرير المصير و كسر طوق الاستعباد الذكوري نحو الاعتداد بالذات واسترجاع الكرامة.
- + عنوان ورد مفردة نكرة شاملة جامعة فهي لا تخص قطة بعينها أو امرأة بعينها بل تصنف جيلا صاعدا تمرد على الوضع
فبلغ مكانة معينة لم تكن تحمل بها الجدات إنها اليقظة كما استهلت بذلك نصها و هي تحاول استجماع النور والخروج من العتمة .
++ السرد سلس مبهر في بنية تصاعدية
الحركة كذلك تصاعدية من العجز إلى محاولة التدريب وصولا إلى الفعل ورد الفعل .
النص في نسق انكشافي بين الحركة النفسية والحركة الحدثية
++ الحبكة متينة أحسنت فيها الكاتبة شد وثاق الرمز الحيواني بالبشري وقد احسنت انتقاء ذلك” القطة” لجمالها وخفتها و ألفتها وتعلقها بالبيوت و وداعتها وفي المقابل قدرتها على الدفاع عن نفسها متى تعرضت للأذى.
++ اللغة جميلة موحية تراوح فيها المعجم بين النور و ألألم
بين القوة والضعف في مشهدية منسابة كوادين يصبان في نبع واحد ” الكرامة “
++ الصراع في النص جندري بامتياز ، صراع نفسي حقوقي
صراع الرجل / الذكر المالك لحق الحياة والموت ، والشرف و المتعة و البقاء والفناء….
وصراع المرأة / الأنثى الثائرة على غطرسة الرجل كان من يكون فهي لم تحدده بدقة عن وعي لا سهوا إلا من خلال ما يؤذي المرأة/ القطة وقدمت ربما إشارة ” أربعيني / شرقي ” لتذكر بأن النضج والكهولة لم تزده وعيا بل حبا في التملك والأنانية ولتسلط الضوء على الفكر الشرقي المتحجر ..
لم تعمم الكاتبة صراعها مع كل الرجال لكنها اقتصرت على فضح العلاقات الزوجية المسكوت عنها وعن موت الأنثى بين أسوار النرجسي البغيض روحا ثم جسدا معتبرة موت الروح أقسى درجات التعذيب .
++ بؤرة النور في هذا الصراع الثأر للذات و نحت طريق الخلاص مهما كان صعبا .
++ المكان مهم في النص لأنه تراوح بين عوالم ثلاث الفضاء/ الأعلى و الأرض / الأسفل لترسم القاصة أبعاد تجليات الحلم/ الأمل في حياة المرأة عندما تقطع مع كل مكبلات المجتمع و العادات والتقاليد فخيالها يقودها إلى التحليق ما إن تتخلص من ربقة استعباد الرجل لها لكن الارتطام باسفلت الطريق القاسي يشكل مقبرة الطموح هو الواقع الذكوري هو الشرق .
بورك قلم المبدعة مي عزت
بورك اختيار المنتدى لهذا الإبداع الرائع .
القصة +++++++
” متمردة.. “
ضوءٌ حاد، يتغلغل بين خلايا جفنيّ، لا أعلم من أين يأتي!! يخزني ويؤلمني، إلى أن أيقظني لأتفاجأ بهذا المكان!
متى وصلت إليه؟؟
أو بالأحرى كيف وصلت إلى هنا؟
لا أستطيع أن أصف ماحولي؟
فراغ معتم، وبصيص الضوء هذا يزيد من اعتام رؤيتي.
أتراني أطير في الفضاء!!
حتمًا لا!! فما زالت أتلمس الأرض، ضربتها ثلاثاً لأتأكد،
ثم مددت ذراعيّ أمامي، إنهما ليسا جناحين!
وأثناء ذلك بدأت أدور في دائرةٍ قطرها عرض قدميّ،
أدور وأدور، حتى فقدت توازني وسقطت.
لم يكن القمر قريبًا لأتشبث به، رغم أنه قد بدا ليّ يحاول تقديم المساعدة، أليس ذلك المستدير الفضي قمراً؟؟
ما هذا الهذيان؟!
نفضت وجهي، علّي أخرج من هذا الوهم، لكني لم أشعر بنعومة كفيّ، بل شيءٌ حاد فيهما قد خدشني.
آه يا الله، ماذا يحدث؟!
اتكأت على ركن لم يريحني ضيق زواياه، محاولةً استجماع ذاكرتي، علّي أجد حلًا لما أنا فيه.
بعد أن زفرت عدة مرات، بدأت استرجع شيئًا من….. لا أستطيع قول ذاكرتي، فهي بعضُ صور لا أزال استصعب جمعها كاملة.
أهم ما تكرر فيها طلة أربعيني شرقي النظرة، غربي الملامح.
عصا، دخان، عتمة، وضجيج،ثم ..ضوء!!
ضوء يسطع مرة أخرى ليربكني، أحاول جاهدة حماية عيني، لكن شيئًا ما في كفيّ يخزني، ما هذا اليوم الأسود الذي أضيع فيه!
فجأة!!
ارتطمت بشيءٍ ما، وبات رأسي أسفل قدمي، ويديّ ضائعتان في العتمة، لكن!! أتى من بعده هدوء، فكأن استقرارًا حدث، بطريقةٍ أو بأخرى.
بعدها استقمت، وحاولت مرارًا حتى وصلت، نعم وصلت لمنفذ الضوء ذاك، وأمسكت به بيدي، وظلت رأسي تحرك وتدفع جزءًا من هذه العتمة، شيئًا فشيئا، وكأن الشمس قد حنّت عليّ وستشرق لتنتشلني من هذا السواد.
نعم أخيراً تحررت من أسري، لكن هنا كانت الدهشة!!
أحدهم أمسك بعنقي من الخلف، وسحبني للأعلى مباغتاً حذري.
تلمّس شعري، وحين رفعني ونظر في عيني، تجمعت كل المشاهد التي تلاشت من ذاكرتي معه، أنه هو!
غلبني الخوف في ذات اللحظة واغرورقت عينيّ.
من انعكاسي في عينيه رأيتني، أنا قطة، نعم قطة!!
هذه المرة حولني بسحره الى قطة، علّي أداعب قدميه، وأتغنج على صدره، ليحبسني حين يريد، ويطلق سراحي حين يشتهي المتعة.
في آخر مرة تركني مصلوبة على أغصان الوله، تتقاذفني الرياح، وتذلني الأمطار، لكي أغرد له، وأتمايل كعاشقة تغني أجمل ألحان الحب رغم كرهي له.
قبلها كنت ضفدعة، كلما قفزت أمامه لا إرادياً ضحك، واسمتع.
وقبلها كنت نملة، كلما مشيت وضع أصبعه أمامي ليعترض طريقي، ويتحكم في مسارات حياتي.
لم يعرف أبدًا أنّ بداخلي أنثى لن تتحرر له أبدا..
وأنّ سحره يغيّر أي شيء إلا مشاعري.
شمّرت عن مخالبي، تركت على خده علامة ليتذكر بها مكري وغضبي، ثم ركضت مبتعدة عنه، أرفع ذيلي خيلاء معجبة بذكائي؛ لم أكن أعرف بعد أن القطط وجبة دسمة لأسفلت الطرقات.
مي عبدالحميد
السودان
الكاتبة سيدة بن جازية