قراءة تحليلية للكاتبة والباحثة وفاء داري قصة بعنوان (انا وصديقي) ضمن المجموعة القصصية (شذرات الصفيح) للكاتب الفسطيني حسين حلمي شاكر


عنوان المقال : للوجوه وجوه أخرى تطفو فوق شذرات الصفيح

كتاب (شذرات الصفيح) صدر عن مكتبة كل شيء الحيفاوية /حيفا ، يقع الكتاب في ٨٤ صفحة من الحجم المتوسط ، ويحتوي على ست وثلاثين قصة/شذرة، ولا تتجاوز كل قصة فيه عن الثلاث صفحات، وجاء تصفيف قصة ” أنا وصديقي” الرابعة عشر ضمن المجموعة وتقع في صفحتين. وقد تم اختيارها ضمن هذه القراءة لما تحمله من دلالات.

قرأت مؤخرًا مجموعة قصصية فاستوقفتني وسيطرت عليّ من شذرتها الأولى حتّى آخر شذرة فيها، فعنصر التّشويق والسخرية من الواقع الذي نعايشة قادني لقراءتها في جلسة واحدة. رغم إصدارها في عام ٢٠١٨ إلا اني شعرت انها تكتب واقعنا في هذه الثانية من كتابة قراءتي التحليلية، انظر إلى أحوال مجتمعنا والمجتمعات العربية، فأجد ما تطرق له الكاتب بشفافية وواقعية وجرأة في الطرح.
من الواضح من السرد أن الكاتب ملم بالطبيعة البشرية، ويتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهتها، وهذه الصفة برزت في شخصية الكاتب والتي تجلت في كتاباته وإصداراته من بداية إصداره الأول للمجموعة القصصيةً” فصول” عام ٢٠١٥ ، وقناديل ٢٠١٦ ، ثم روايته ” للقضبان رواية أخرى” عام ٢٠١٧ ، ثم المجموعة التي نحن بصددها “شذرات الصفيح”.
تتحدّث الشذرة عن قصّة صديق يتكلم مع صديقه عن حاله وجيرانه في الحي الذي يقطن فيه والواقع الذي يعايشه، برمزية من الكاتب لواقع اكبر يعيش فيه المجتمع، لتخدم الهدف الذي أراد الكاتب أن يصل إلى المتلقي من تعري الواقع أمامه، ومن درجة الانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع. وقد نرى في بعض المواطن في الطرح جرعة زائدة من الجرأة لربما لو أخفض سقفها قليلًا الكاتب حسين حلمي لكانت أكثر ابداعًا.

صاغ الكاتب حسين حلمي شاكر العمل بلغة أدبية تميزت رغم سلاستها بعمق في سبر غور الواقع، حيث تنتمي القصة للأدب الأخلاقي. وهو شكل من أشكال الكتابة الذي يهدف إلى استكشاف القضايا و المشاكلات الأخلاقية والمجتمعية و يلهم القارئ للتفكير في القيم الاجتماعية، مثل الحق و الحرية و العدالة و التسامح و الصدق و الرحمة و الكرم وغيرها، بحيث تثير عواطفه للتفكير فيها بعمق .
يمكن القول أن القيم وخاصة الأخلاقية والمبادئ اختلفت في عصرنا الحاضر وتأثرت بما حملته إلينا العولمة والتكنولوجيا على حساب الثقافة الدينية والقيم، وأصبحت الحاجة فيه ماسة وملحة مما يستدعي العودة إلى الأدب التوعوي والوعظي، والتذكير بل والتركيز على القيم وخاصة الأخلاقية والدينية نتيجة لهذا الانحدار، الأمر الذي جعل من بعض هذه الأعمال ترتقي لتكون أدبًا مهمًا ، يهم مختلف الشرائح المعرفية في المجتمع لما فيها من نصح وإرشاد قيمي، ويكون العمل بمثابة تنويه وجرس إنذار للانحدار الأخلاقي كمرض أصبح متفشي في المجتمعات. والذي أجاد الكاتب حسين حلمي في طرحه ضمن المجموعة القصصية (شذرات الصفيح)، والتي تجلت بشكل صريح وواضح في نصه “أنا وصديقي”، من تعري الانحدار الذي وصل إليه المجتمع، بشجاعته المعتادة في الطرح سواء بالطرح المباشر او الضمني في السرد، والتي تنتمي إلى الأدب الأخلاقي لتسليط الضوء على هذه الظواهر الاجتماعية والأخلاقية والتي باتت متفشيا في المجتمع، ولم يتوقف إبداع الكاتب عند الأدب الأخلاقي بل توسع، ليشمل الوطني وأدب السخرية والتوعوي في ذات الوقت في الطرح السردي ضمن موضوعاته في المجموعة القصصية في الكتاب.

العنوان: بدايةً من عنوان المجموعة القصصية، ( شذرات الصفيح ) ودلالته، شذرات وهي قطع الذهب الصغيرة والذي يوحي بالذهب الموجود تحت الصفيح، والذي تم التطرق اليها من وحي ثقافة الكاتب الفلسطيني، والذي له دلالاته الأخلاقية والمجتمعية والوطنية من مخيمات اللجوء، للأسر، البؤس… والواقع الأخلاقي، والذي في صراع محتدم بين القيم والانحلال وغيرها. أما عنوان نص القصة وهو ” أنا وصديقي” تطرق الكاتب للوجع العام والمتفشي في جميع المجتمعات العربية فكان إختياره عنوان “أنا وصديقي” موفق لحميمية العلاقة بين الأصدقاء، كما عرفت صديقتنا ويكبيديا بأن الصداقة: ” علاقة اجتماعية تربط شخصين أو أكثر، على أساس كالثقة والمودة والتعاون بينهم”، فإننا ندرك بذلك سبب إختيار الكاتب حسين حلمي هذا العنوان ودلالاته ، إذ ان الصداقة هي علاقة إنسانية مبنية على مجموعة من الأسس المتينة، حيث يتيح الصديق لصديقة الحديث عما يدور في خلجة فيتكلم عن واقع حاله بصدق وثقة.

المكان: المكان في حي مجهول الهوية، والزمن كذلك مجهول، وهذا ما أتضح جليا ما يفعلة في مجمل كتاباته ضمن السرد في المجموعة القصصية. بدلالة من الكاتب ليظهر المفهوم الجماعي ليجد القارئ/ المتلقي نفسه ومحيطه ومجتمعه ضمن سرد النص في القصة وبين سطوره، إذ أن هذه الظواهر المجتمعية باتت موجودة منذ زمن ولا زالت منتشرة، وهذا ما يجعل النص حاضرا ويطيل عمره.

الشخصيات غلبت على شخصيات السرد صيغة المتكلم سرد (سيرة ذاتية) على لسان الشخوص ، والتي تميزت بوجود شخصية محورية واحده بصيغة المتكلم ، حيث غاب عنصر الحوار في السرد القصصي.

المؤشرات بالرغم من قصر القصة كانّها شذرة فقد تميزت بتوصيل القارئ إلى الهدف بطريقة رسائل شفافة حتى ولو كانت معظمها مبطنة ، بغلاف أدبي إبداعي، حيث تميزت كتابات الكاتب بعنصر التشويق التي لم تخلُ من عنصر المفاجأة، وعادة ما يميل القارئ إلى عامل المفاجأة عند قراءة القصة أو الرواية او اي نص أدبي آخر ، فالكاتب أبدع في ابتكار حبكة ذات مفاجأة لا يتوقع حدوثها القارئ حيث تميزت كتاباته بالإضافة إلى الجرأة في الطرح وتعرية الواقع ،والقضايا المجتمعية والوطنية والسياسية والأخلاقية ، بأن تجلت فيها أدب السخرية بإبداع فني متقن في السرد، كما تميزت بالسعي نحو استكشاف التناقضات الكامنة داخل شخصياته السردية ، وذلك بجعل تصرفات الشخصية غير معروفة بل ومستهجنة تمامًا من خلال الفعل أو الإشارة احيانًا، ينظر الكاتب بعين ثاقبة إلى الأشياء الصغيرة الموجودة في حياة الناس، وهذه الأشياء الصغيرة هي التي ستقود القارئ/ المتلقي إلى اكتشاف حقائق أعمق . كما ورد في النص الذي نحن بصدده: “في الحي الذي اسكن فيه تجاورني امرأة تصوم رمضان وتقيم الصلاة وتملك من أموال غيرها الكثير، ولا تؤدي الزكاة، تزعجها ابتسامات الأطفال، تتحدث بأمور الدين وتقرأ من القرآن التعويذات الا الفلق” ٣٦ص .
إن خلق عامل المفاجأة يشكل أساسا واضحا جليا في السرد. ومما تميزت نصوص وقصص الكاتب ومنها قصة ” أنا وصديقي” حيث يشير عامل المفاجأة في الكتابة إلى إدخال عناصر غير متوقعة و مباغتة، تصدم القارئ أو تثير فضوله، إنها تقنية محورية مكنت الكاتب من رفع مستوى الحبكة إلى أعلى، واظهرت عنصر المفاجأة بأشكال مختلفة داخل السرد القصصي، مثل التقلبات في مسار السرد الذي يعارض التوقعات ، أو الشخصيات التي تكشف عن دوافع أو سمات خفية كما تجلت في قصة “أنا وصديقي” ،كل مسمى شخصية من الشخصيات تطرح عكس المتوقع من سلوكياتها كما ورد في السرد على لسان الصديق : “في الحي شيخ لا يخرجُ الا بعمامة وطربوش، وفي فناء بيتة يقيم الليل بكأس يطل فيه على زوجة الجار الذي قرأ في بيته مولدا”. ٣٦ص . مفارقات ازدواجيات في الشخصية والنفسية تعرت وجودها بأنامل الكاتب، ومنها دلالات كثيرة خلصت اليها القصة ، والتي كشف خبايا ها في المجتمع، مما جاء في سرد القصة على لسان الصديق ضمن جوابه عن سؤال صديق عن أحواله فأجاب : “في الحي شكل من الحياة، وألف إدعاء ومرجعية ودين واحد وناس بألف لون ولون” ٣٧ص.

وأخيرا يمكننا القول : ومن حيث الكاتب صاحب رسالة وله نهج في إحداث التغيير و الإشارة إلى كثير من المشاكلات، والذي حاول الكاتب حسين حلمي شاكر ان يُشير اليه كما حاول الإشارة للعلاج.
فإن الأدب الأخلاقي يمثل أداة قوية للتعليم الأخلاقي المجتمعي لكونه يقدم دروسا أخلاقية مهمة من خلال السرد المثير للتفكير والشخصيات التي يمكن التعاطف معها من جانب ، مثل الصديق في قصة”أنا وصديقي” الذي يروي حال الحي الذي يعيش فيه في دلاله لما آل الحال الية من انحدار اخلاقي ، ومن جانب آخر الشخصيات التي يجب الكشف عن سلوكياتها الأخلاقية المنحدرة ، في محاولة تحفيز القارئ على التفكير في المبادئ و الأخلاق المثالية و يمكن لهذه التأملات أن تعزز نمو الشخصي الذاتي و تساعد في إعادة بناء مجتمع أكثر أخلاقا. أن قراءة القصص الأخلاقية تعمل على تحسين قدرة الشخص على تمييز مشاعر و نوايا الآخرين، وهي المهارة التي تشكل جوهر فهم العلاقات الاجتماعية المعقدة مع تعدد الأوجه و الثقافات في المجتمع.

الكاتبة والباحثة وفاء داري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *