قراءة لرواية “قناع بلون السماء” بمناسبة فوزها بالجائزة العالمية للغة العربية، للكاتب الفلسطيني المبدع الأسير باسم خندقجي ل د. ناديا محمد عوض

عن المؤلف

ولد باسم خندقجي في مدينة نابلس عام ١٩٨٣ ،التحق بجامعة النجاح الوطنية ودرس الصحافة والاعلام.
اعتقل وحكم عليه ثلاث مؤبدات قضى منها عشرين عاما ، وما زال اسيرا…
كتب خمس روايات ومجموعتين شعرتين كانت آخرها رواية” قناع بلون السماء” التي فازت بالجائزة العالمية للغة العربية ( البوكر) عام 2024 من بين 133 رواية،
تتكون من 240 ص. صادرة عن دار الآداب في بيروت. ” قناع بلون السماء ” هي الاؤلى من رباعية ستصدر لاحقا بعنوان رباعيات المرايا، وذكر ان باسم لا يعلم الى الان عن فوزه بالجائزة.

عن الرواية
“تعتبر رواية معرفية حول سردية الواقع الفلسطيني، يعالج من خلالها الاسئلة الكونية الوجودية للشعب الفلسطيني..
يعانق بها الأمل بوهجها الادبي والانساني بعيدا عن أشكال العنف. يهتف بها من قاع الألم الى الامل بالحرية والانعتاق.
ظهرت من خلال تطويعه الرائع للغة العربية واسلوبه الشيق والرشيق. تعلن مناصرتها للغةالعربية حين فازت بالجائزة،
و هي الرواية المنبلجة من الأسر الحالك الظلام للأسرى الفلسطينين وابداعاتهم المغموسة بالوحدة والشوق اليومي إلى أنفاس الصباح .
ستترجم الرواية ” قناع بلون السماء ” إلى اللغات الانجليزية والاسبانية والفرنسية

.ملخص الرواية

بطل الرواية نور المشهدي المختص بالتاريخ والآثار ابن مخيم قرب رام الله،
يشتري معطفا من سوق
الخردوات . ويجد بجيبه هوية إسرائيلية زرقاء اللون تحمل اسم (اور شابيرا ) شاب يهودي اشكنازي الملامح، يشبه البطل نور المشهدي،بعينيه الزرقاوين وبشرته البيضاء التي ورثهما عن امه التي توفت حين ولادته ..وبالصدفة
كان لإسمي نور واور نفس المعنى حيث كلمة “اور” تعني بالعبرية نور ايضا.
تقمص نور شخصية اور تحت ( قناع بلون السماء) . قال عالم الانتروبولوجيا الفرنسي ،”دافيد لوبيرتون” ان القناع يلبسه الانسان محاولة للتخفي كي لا يعرفه الاخر خوفا منه وكهدف للامتزاج مع الأخر.
وحين أتقن نور اللغة العبرية والإنجليزية كان من السهل عليه الإنخراط في المجتمع الإسرائيلي .التحق بمعهد اولبرايت
وهو مؤسسة أمريكية للتنقيب عن الآثار تقع في القدس ويجري التنقيب في كيبوتس ( قرية تعاونية) مشمار هعيمق والتي تقع على انقاض القرية العربية المهجرة ابو شوشة…


ضمن عمله في الكيبوتس تعرف على الفتاة الشابة سماء اسماعيل من حيفا والفتاة اليهودية ايالا شرعبي ….
كثرت المناقشات الحادة بين الفتاتين حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لم يفصح نور حينها لسماء التي احبها ، عن أصله العربي كي لا تنكشف حقيقته ويتم حرمانه من عمله في التنقيب عن الآثار . كما وان سماء لم تثق في نور بوضعه الحالي ،
بجد نور نفسه متورطا، يزيد انكساره أمام سماء. يحيلنا الكاتب إلى عمق ذات البطل وما تعرض له من صراعات نفسيه انتابه خلالها الخوف والتوتر الشديدين من أن ينكشف او تسيطر عليه شخصية اور !
كان يخاطب نفسه ،هل ما زلت انا نور المشهدي ام انني تحولت إلى اور شابيرا ؟؟
و عندما اتخلى عن هذه الهوية ،هل أعود بسهولة الى هويتي الأصلية؟؟
اعتمد الكاتب على الحوارات الذكية المتخيلة والمحكمة بين الشخص نفسه وبين شخوص الرواية. يعبر عنها الكاتب بخياله الرحب والمبهر.نجح الكاتب خندقجي باستخدام تقنية الحوارات في بناء الرواية، و تسجيل الرسائل الصوتية بين البطل وبين مراد صديقه المسجون مؤبد ..عبر له من خلالها عن مشاعره المتناقضة وعن آماله ومخاوفه . عن المناكفات التي تدور بين نور الفلسطيني ونقيضه اور الأشكنازي داخل الشخص ذاته “نور” .
تعرض نور جراءها الى اختناقات لانه في داخل نفسه ووجدانه يرفض هذا التقمص وهذا القناع. يمثل مراد في الرواية الضمير الحي والمثل الأعلى في المباديء والأخلاق.


ويشكل معاملا موضوعيا لتفكير نور باخذه الجانب العملي من الشخصية مقابل الجانب الرومانسي الذي يتمتع به نور.
يظل نور يجري حوارات متخيلة مع صديقه مراد دون أن تصل رسائله اليه، باعتبار انه كان يسجلها على هاتفه، رغم هذا كان يتخيل ردود مراد على رسائله وحتى العنيفة منها، وأن كانت نابعة منه!!أراد نور ان يبحث عن اصل مر يم المجدليه ليثبت أصلها الفلسطيني في تحد (لدان براون) في روايته (شيفرة دافنشي،) الذي ادعى الكاتب بها أن أصل مريم المجدلية اوروبي…


يلجأ الكاتب باسم خندقجي الى تقنية الحلم وتكريس ثقافته وقراءاته في حقول معرفية لاغناء نصه الروائي ، ومنها التناص مع كتب دينية ودنيوية .

يكتب نور لصديقه مراد ،
حلمت اني ذهبت إلى البئر المجاور للكيبوتس
وعثرت على مريم المجدلية عبر سرداب في قاع البئر وفوجئت تماما انها تشبه سماء اسماعيل بالضوء المنبعث منها ومن مريدها ،
يسجل لصديقه مراد مؤمنا بموقفه المبدئي؛
أظلمت آفاق روايتي عن مريم المجدلية وحلت محلها تجليات سماء إسماعيل …
حين يقرر نور ان يعترف لسماء انه لاجيء فلسطيني يسكن مخيم قرب رام الله يسرد لها قصة الهوية، ترد عليه بأسف ،انتظر انا عمرا كاملا للخلاص من هذه الهوية وانت خسرت عمرك كله لترتدي هذا القناع..!!

الخاتمة


يختتم باسم خندقجي روايته بخروج نور من الكيبوتس حيث تم الغاء التنقيب الى إشعار آخر بسبب الأحداث التي جرت بعد مظاهرة الاعلام في القدس .تقف له سماء بسيارتها خارج الكيبوتس تنتظره لتقله الى رام الله. تقول له اصعد ايها المجنون ،لقد صدقتك بالامس فقط. لن اتركك وحدك هنا ، البلد كلها اشتعلت ..
يجلس جانبها يتأملها بعمق .. ينظر اليها نظرة المحب .. تدمع عيناه وكانها تعيد له روحه .
يخرج القناع ( الهوية المزيفة)
من جيبه يقطعها ويلقي بها في مهب الريح.
يقول لها بصوت المناجاة :
انت هويتي ومآلي….

روايه جميلة لها دلالاتها
الحاسمة تستحق القراءة والإشادة .
الفكر الفلسفي وراء النص…
** معانقة سمو المجد والابداع وها هي قد فازت بالجائزة العالمية للغة العربية
** نقل الفكر الفلسطيني من اطاره
الى متناول القراء في أنحاء العالم

** اعتبار الهوية ( قناع بلون السماء كقوة خارقة التي بواسطتها يمكن تخطي العقبات وحرية التنقل عبر الحواجز الامنية
** استثمار الرواية قناع بلون السماء ثقافيا واجتماعيا وتربويا لتعزيز الهوية الفلسطينية
** التعبير عن الصوت الداخلي والازمات النفسية من اجل الحرية والانعتاق.

د. ناديا محمد عوض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *