قراءة لقصة: أضلاع الدائرة للأديب : بدوي الدقادوسي للكاتبة سمية الإسماعيل

في دائرة الحياة، إلى متى يستطيع المرء أن ينجح في الاختبار؟ هل الأخلاق تُجزّأ؟..

إن أول ما يقع عليه البصر هو العنوان. و أول ما يلفت الانتباه فيُعمل العقل تساؤلًا و تحليلًا هو جدلية العنوان عندما يكون خارجًا عن المألوف.. فعبارة “أضلاع الدائرة” مثيرة للتساؤل، هل للدائرة أضلاع؟ و هي الشكل المكوّن من مجموعة نقاطٍ متتالية تدور فتلتقي في نفس النقطة مشكلةً خطًا منحنيًا انسيابيًا.. فمن أين أتت الأضلاع، و ما هي سيميائية العنوان؟
هناك نظرية تقول أن الدائرة مكوّنة من عدد لا محدودٍ من الأضلاع
و في عالم الهندسة ‎الرياضية والرسم الهندسي، يُعتبر السؤال حول عدد أضلاع الدائرة تساؤلًا فلسفيًا بحق. إذا ما تأملنا في جمالية الدائرة، نجد أنها لا تمتلك أضلاعًا بالمعنى التقليدي الذي يُشير إلى الخطوط القائمة على السطوح الهندسية الثنائية الأبعاد. الدائرة، بمفهومها الحقيقي، هي هندسة هالة متماثلة تكمن في تمثيل رمزي للكمال والتكامل.


يُعتبر الشكل الدائري رمزًا لللانهائية، و في الفلسفة، قد يُنظر إلى الدائرة كرمز للدورة الحياتية والتوازن، إذا، يكمن جمال الدائرة في قدرتها على
التحدث إلينا بعبارة عالمية لا تعترف بحدود الزمان والمكان. إنها ليست مجرد هندسة، بل هي لغة تفهمها العقول وتشعر بها القلوب، ترسم دورة من الجمال والتوازن في كل ركن من ركني الوجود، المادة و الروح( الأخلاق)
إلى أيّ مدى حققت دائرة بدوي الدقادوسي هذا التوازن؟ أم أن إضفاء كلمة أضلاع.. انعطف بنا إلى أن التكوين الإنساني المشكّل لهذة الدائرة، و الذي وضعنا أمام هذه الإشكالية، قد أفسد توازنها؟ قد أخذنا إلى مرامٍ أخرى؟
من وجهة نظري إن كل نقطة على الدائرة هي ضلع، و كل فردٍ في منظومة الحياة يشكل نقطة على هذه الدائرة، لذلك، على غرائبية العنوان، أستطيع القول أن له سيميائية واضحة الدلالة إذا ما نظرنا إليها من هذه الزاوية.

في الدخول إلى المتن، حيرة و توجسٌ و خوف، ثم ” التقطني بخفة، أخيرا استجاب الله لدعائي وابتسمت لي الحياة ” من المتحدّث؟ فكلمة “التقطني” تعني أن المتحدّث “شيء” و ليس بإنسان..
من هنا بدأت تدور الدائرة و قد توقفت عند أول إلقاءٍ للمحفظة، الحدث الغائب، و كأن الدائرة عند نقطة النهاية و نقطة البداية أيضًا وقفت لتلتقط أنفاسها قبل أن تعرض علينا إحدى دوراتها.. فكانت عند المحفظة الملقاة أرضًا.
اعتمد الكاتب في سرده على ” الأنسنة” و التي هي تقنيةً تصويريَّة، تقوم على إضفاء صفات إنسانيَّة على الأشياء على سبيل التَّخييل،
تظل الأشياء على حيادها في الواقع حتى يأتي الأدب و الفن بأشكاله ليجعلها في سياق قادر على إخراجها من حياديتها ، فنراها تقيم حوارا صامتا بينها وبين الإنسان تارةً ، وفيما بينها وبين بعضها البعض، و قد يتحول حديثها إلى مونولوج داخلي حين تفشل في جعل الإنسان يعطيها اعتبارها. فالأشياء تستمع للإنسان ولكنه لا يستمع لها ، هي تعبر عن كثير من طبائعه وأحواله ، فمنها ما هو قادر على الإشارة إلى حالة الإنسان الاقتصادية سواء نوعها أو ماهيتها، و منهم من يكشف الطبائع و النفوس.. وهذا برأيي ما أراده الكاتب حين وضع “المادة” أساس الحركة داخل النص فجعل من المحفظة بطلًا خارقًا يكشف لنا العوالم الداخلية للإنسان، المتفوّق كينونة.

فقد أنسن الكاتب ببراعة ” المحفظة” حتى باتت تتحدّث عن مشاعرها ككائن يحزن، يتألّم ، يشعر بالخذلان أو بالسعادة و الانتشاء ..
يكشف لنا الكاتب الحقائق الداخلية للأقنعة التي يلبسها الناس على اختلاف مشاربهم. في حياة تغلب عليها المادة، و يكشف بذات الوقت اختلاف سلوكياتهم، طبقًا لثقافتهم التي امتلكوها ” manners “ و بيئتهم التي خرجوا منها. فصوّر لنا ردود الأفعال إزاء خيبتهم عندما وجدوا المحفظة فارغة، ما بين “شتم و بصق” عند البنّاء: “ألقى بي وقد جمع في بصقته فوقي كل غضبه .”
إلى المثقف ” صاحب الكتب” الذي أعلن عن سخطه ب”ألقاني وهو يصب حمم غضبه .”
إلى الشخصيّة الثالثة:” القائد السمين” الذي “ألقى بي ، داس فوقي حتى كدت ألتصق بالارض “
و الشخصيّة الرابعة التي:”أخذ يصرخ في وجهي ، ألقى بي في قاعدة الحمام وهو يلعنني”
ردود أفعال متشابهه البداية: الهدوء/ الابتسام / ثم … العصبية/ التجهم/ العصبية/ الإلقاء على الأرض ثانية..
مبدأ ” النفعيّة” تضحك تتعامل برفق ما دمت تأمل مصلحة، و متى انتفت تلك المصلحة، كان الإعراض و النفيّ من دائرة الإهتمام و هذا قد يأخذ طرائق عدّة. إذا ما قارنا ردة فعل الشخصيتين مع رد فعل ” القائد السمين” الذي اعتاد على أن يفعل ما فعله بالمحفظة حين ” داس عليها”.

شيءٌ آخر أثاره لدي الكاتب، ال “recycling“إعادة التدوير للاستفادة من المهمل، و إن لم تكن بمعناها الحرفي، أو لنقل القدرة على تحويل الخسارة إلى كسب، بغض النظر عن مدى توافقها مع الأخلاق، و لكن استطعنا الولوج إلى ال ” creativity “ في التفكير بين الشخصيّتين الأولى و الثانية و الرابعة من جهة، و الثالثة من جهة أخرى.
هؤلاء هم نقاط الدائرة ، و هم أضلاعها غير المرئية على سطحها، لكنهم يشكلون الحياة و الوجود و يصنعون الفروقات.. و في النهاية.. و كأن الكاتب أراد أن يقول لنا عند المادة تُمتحن الأخلاق. لكن هل تركت لهم الحياة خيارًا آخر؟ الإجابة تتعلّق بمدى إيماننا بالثوابت .


النص :


أضلاع الدائرة
تسمر مكانه ، التمعت عيناه ، ألقى ما على كاهله من أدوات بناء، تلفت يمنة ويسرة ، التقطني بخفة، أخيرا استجاب الله لدعائي وابتسمت لي الحياة ، أخذ يقلبني بهدوء ، أعاد التقليب بعصبية كادت تمزق أحشائي ، ألقى بي وقد جمع في بصقته فوقي كل غضبه .
ما كادت أحشائي تستعيد مكانها حتى رأيته أنيقا يحمل كتبا ، ألقى ما يحمله ، تلفت يمنة ويسرة ، حملني وهو يوشك على احتضاني بكل جوارحه ، بهدووووء اخذ يقلب ، أعاد التقليب متخليا عن هدوئه ، ألقاني وهو يصب حمم غضبه .


ما كدت ألتقط أنفاسي حتى توقفت سيارة فارهة نزل القائد السمين ، حملني مبتسما ، أخذ يقلب وما زالت الابتسامة ، تبدلت الابتسامة تجهما ألقى بي ، داس فوقي حتى كدت ألتصق بالارض ، كادت صرختي تمزق الفضاء ، اتجه لسيارته وقبل ان يفتح بابها توقف ، عاد ليحملني ، اخرج اوراقا بيضاء ، دسها في أحشائي صرت منتفخة كعجفاء محشوة بالسيلكون وضع فوق الاوراق البيضاء ورقة نقدية ثمينة أعرفها جيدا فلطالما وضعها حاملي القديم بداخلي ووضعني في جيبه مزهوا ، وضعني امامه وهو يقود السيارة منتشيا ،تسرب هواء المكيف لجسدي فأعاد لكياني الحياة ، حملني مغادرا سيارته ، جلس أمام طاولة وقد وضعني رفقة جواله ومفاتيح سيارته ،أشعر أني امرأة فاتنة ؛ رأيت ذلك في عيني النادل الذي يتحدث لصاحبي وهو يكاد ان يلتهمني ، مازال يستمع لطلبات صاحبي وعيناه ترعى في جسدي كحيوان جائع ، ينظر صاحبي لي بزهو .


خطوات ثقيلة تدنو ، ابتسم صاحبها لصاحبي ، طلب الجلوس ، أومأ صاحبي براسه وهو يلتهم ما أمامه .

  • ……. ضابط بالمعاش .
  • أهلا بحضرتك …… رجل أعمال .
  • اشتريت بمكافأة نهاية الخدمة هذه الكافتريا وأبحث عن جاد ليشاركني حتى نطورها .
  • تحت أمرك ، هل توافق على شراكتي ؟
  • يسرني .
  • فقط أمهلني حتى يتم الإفراج الجمركي عن شحنة قطع غيار مرسيدس سيكون ربحها ربعمائة في المائة فقط أريد بعض السيولة .
  • تحت أمرك ، كم تريد ؟ فقط مائتي ألف وسأردهم نصف مليون .
    أخرج الرجل دفترا كتب شيئا مد يده بالورقة لصاحبي وعيناه تخترقان جسدي .
    أخذ صاحبي الورقة . دسها بملابسه ، بابتسامة واسعة : هل تسمح لي الذهاب للحمام لأغسل يدي وأعود لنحتسي القهوة سويا ؟
  • بكل سرور .
    لا أعلم كم مر من الوقت والرجل يقلب عينيه بيني وبين الطريق للحمام ، رأيت قلقا باديا ، مد يده تجاهي ، دسني بملابسه ، هرول صوب الحمام الذي كان خاليا إلا مني ومنه ، فتحني على عجل ، أخذ يصرخ في وجهي ، ألقى بي في قاعدة الحمام وهو يلعنني

الكاتبة سمية الإسماعيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *