التكامل بين المضمون والشكل في قصيدة
“محاصرون”
قمر عبد الرحمن
يا بُنيّ نحن..”
محاصرون
داخل الدّستور الذي أقرّه الحاكم!
محاصرون
داخل التّفسير الذي فسّره الإمام!
مراقَبون
في أحزاننا.. وفي أفراحنا!
مراقَبون
في المقهى.. والملهى.. والمنفى!
مهجّرون
من ذكرياتنا.. ومن أوقاتنا!
مهجّرون
من ضحكاتنا.. ومن أوراقنا!
عيوننا تخاف من نظراتها!
وشفاهنا تخاف من أصواتها!
لا أحد يعرفنا في هذا الوطن
لا الزّيتونة ولا السّوسنة!
لا الوتد ولا الحجر!
عندما يأتي عنوان القصيدة هو ذاته فاتحتها فهذا يشير إلى اختصار/اختزال المسافة بين العنوان والمتن، مما يجعل فكرة النص/القصيدة مربطة مع عنوانها، وهذا يسهل على المتلقي الوصول إلى ما تحمله من أفكار/مضامين، وبما أن هناك “حصار” فهذا بطبيعة الحال سيقود المتلقي إلى فلسطيني وما يعانيه شعبها من حصر وتضيق من الاحتلال، وبهذا تكون الشاعرة قد أوضحت طبيعية المكان الذي تتحدث منه دون أن تحدده مباشرة.
الحصار له تفاصيل نجدها في ما هو مادي “الأسوار” وما هو فكري/أيديولوجي “الإمام” بمعنى أن المضايقات التي يتعرض لها الفلسطيني خارجية/احتلال، وداخلية/الإمام، ومدلول “الإمام” يتجاوز الإمام المتعارف عليه دينيًا، ليمتد إلى الحاكم/السلطة، من هنا نجد تكرار لفظ “مراقبون” الذي يمتد إلى ما هو داخلي/نفسي “أحزاننا، أفراحنا” وما هو خارجي: “المقهى، الملهى، المنفى”
تستوقفنا هذه الألفاظ التي تماثل في تكوينها ولفظها، حيث تجمعها حروف اللام والميم وألف المكسورة، مما يجعل شكلها وطريقة لفظها متقاربة/متماثلة، وهذا يخدم فكرة الحصار والمراقبة/مراقبون المكررة.
بعد المراقبة يأتي وضع “مهجّرون” المتربط بما هو ماضي: “ذكرياتنا” وما هو متعلق بالزمن: “أوقاتنا” ومع هو متعلق بالحالة النفسية: “ضحكاتنا” وما هو متعلق بالأدب/الكتابة “أوراقنا” وهنا نلاحظ أن الشاعرة ابتعدت عن الحديث عما هو الخارجي، بمعنى أنها تجاوزته وأخذت تحدث عن تأثيره نفسيا عليها.
وإذا ما توقفنا عند “ذكرياتنا، ضحكاتنا” سنجدها مرتبطة معًا، فغالبا ما تكون الذكريات جميلة، وهذا ينسجم مع “ضحكاتنا” كما نجد الانسجام في شكل: “أوقاتنا، أوراقنا” حيث تتكون من حروف نفسها، الألف، الواو، القاف، التاء، النون، وهذا ما (يؤكد) فكرة مهجّرون وما يتبعها من ألم وقسوة.
تتوغل الشاعرة أكثر في الحديث عن معاناتها النفسية من خلال تكرار “نخاف” المتعلقة بالنظر والسمع، وهذا يقودنا إلى مشاهد الدمار والقتل التي يشاهدها/ يسمعها/يعيشها الفلسطيني يوما، فرغم أن المشاهد غارق في القسوة إلا أن طريقة تقديمه وما فيها من نفي النفي (صراع الأضداد) عيوننا/نظراتها، شفاهنا/أصواتها” وهذا ما خفف على المتلقي من قسوة الكامنة في المضمون.
تختم الشاعر القصيدة بتكرار نفي ما هو جميل، ما يجب أن يكون: “يعرفنا المتعلقة بالناس/بالمجتمع/بالدول/بالأمم، ونفي ما هو متعلق بإنتاجنا/بعلاقتنا بالأرض التي زرعناها “الزيتونة، السوسنة” ونفي البيت/المكان “الحجر، الوتد الذي نعرفه وعشنا فيه وكانا، وبهذا تكون الخاتمة والفاتحة والمتن والعنوان كلها تخدم فكرة “محاصرون”
القصيدة منشورة على صفحة الشاعرة
الكاتب والناقد رائد الحواري