إِذَا مَا خَلَدْتِ يومًا لِنَوْمٍ، وطَالَ السُّكُوتُ، وأَطْبَقَ الصَّمْتُ، وامْتَدَّتْ أَقْبِيةُ الظَّلَامِ تعانقُ خيوطَ الفجرِ وتُحَاصِرُهُ، وكادتْ أكاليلُ الغارِ أنْ تَذْبُلَ، وتَجِفَّ، وتَنْمَحِيَ قهرًا، وتقتلُ بناتِ الخيالِ غِيلةً، ويلملمنا ويبعثرنا، ويؤلمنا، ويفتكُ بنا السَّيفُ والقيدُ.
أَمَا تَحْلُمِينَ …. أما تحلمينَ…. أَمَا تَحْلُمِينَ بفارسٍ يخرجُ من سرادِيبِ اللَّيلِ ويطفئُ الأنوارَ الخفيفةَ كيما يُلَامِسَ الشَّعْرَ والْخَدَّ والْجِيدَ وَيَلْثُمَ الْعُنُقَ، ويطرحَ عَنْكِ أَغْطِيَةَ الشِّتَاءِ الثَّقيلة٠َ بلا هوادةٍ أو تراخٍ، ويداعبَ النَّهْد الَّذِي من ذؤابته الْجَسَدُ الْمَرْخِيُّ قد تَدَلَّى لِيَصْنْعَ ظِلًّا للرِّمْشِ والْهُدْبِ، والّجَفْنِ، ويَرْتَشِفَ من عصيرِ شَفَتَيكِ الْمُجْهَدَتَينِ رُضابَهما… يَتَسَاءَلُ أَيْنَ ذَلِكَ الفارسُ الْمُلَثَّمُ؛ لِيُحَطِّمَ أَسْوَارَ عكا الْحَصِينَةَ، ويَرْفَعُ عَنْكِ أَغْلَالَ الزَّمانِ المستكينِ… يحتلُّ القلبَ والعينَ والرُّوحَ بلا أدنى مقاومةٍ بعدَ حصارٍ دَامَ لعشرِ سنينٍ عجافٍ… يُدَاهِمُكِ يَغْتَالُ في عينيك تلك النَّظْرَةَ الباهتةَ، والنَّشْوةَ البائسةَ الضَّائعةَ من بقايا الفِرِنْجَةِ ويمحقُ َالتتار في عينيكِ ويُحَرِّرُكِ كَصلَاحِ الدِّينِ في حِطِّينَ، وَيَغْرِسُ السَّيفَ في جبهةِ صَحْرَائِكِ الْقَاحِلةِ حتَّى يستجيبَ الْعَدَمُ، ونُغَنِّي مَعًا أُنْشُودَةَ الْمَطَرِ… مَطَرٌ… مَطَرٌ… مَطَرٌ.. حينها فقط سَيَتفَجَّرُ نِيل جَدِيد، وينبعُ نَهْر آخر سعيدًا جَدِيدًا بلا سُدُودٍ وبلا عَوِائقَ وبلا تَمَاسِيحٍ ضِخَامٍ، ويَنْبُتُ بِالْحُبِّ زَرْعٌ، ويَرْتَوِي بِالْعِشْقِ قَلْبٌ، ويَزْدَهِرُ فِي الرُّبا إيمانٌ، ويهطلُ الْمَطَرُ مِدْرَارًا، وينبثقُ في قلبِ الدُّجى نُورًا فندفعَ عُمُرَنا ثَمَنًا ونقدِّمَ أَرْواحَنا مَهْرًا؛ لتنتشي مصرنا أبدًا.
القاص عبد الصمد الشويخي