قصة قصيرة هيت لك للكاتب صلاح عويسات


كلما طلبت منها طعاما أو شرابا حدجتني بنظرة متعالية..
-ألا تشبع؟! بطنك كبيرة،يجب أن تخفف من وزنك
إنها زوجتي الخمسينية،أصبحت متدينة جدا،لا تفارقها المسبحة،تصوم اﻹثنين والخميس واﻷيام البيض،وهذا جعلني سعيدا في بداية اﻷمر،فأنا أيضا أحب الدين،وأعظم شعائر الله،لكن لي ظروفي الخاصة،فأنا أتناول ثلاث مرات من الدواء كل يوم،فلا أستطيع الصيام،أحافظ على الصلوات المفروضة فأنا لست فاسقا،ولكن عندي كل شي بوقته،هي تريد التقرب لله ،لا أنكر عليها،ولكن أن يصيبها الغرور،فتزدريني وتتعالى علي فهذا أصبح يسبب لي العصبية والغضب..
كنا في سابق اﻷيام،نستمتع بشرب الشاي بالنعناع صباحا على شرفة المنزل،نفرح بشروق الشمس على صوت فيروز،اﻵن تحرم سماع اﻷغاني،وترفض الجلوس معي إذا استمعت إلى لحن من الزمن الجميل،لم تعد ترافقني لدعوات اﻷفراح كالسابق،بحجة وجود اﻷغاني،رغم أن اﻷغاني من سماعة الدي جي، وليس هناك مطرب ولا مطربة،وليس هناك اختلاط .
في البيت تلبس طوال وقتها لباس الصلاة،وحينما أطلب منها لبسا آخر لي وفي بيتها فقط
ترد علي بابتسامة ساخرة: احنا كبرنا على هالشغلات،يا رجل إلى متى تتبع شهواتك؟! خلاص انتبه ﻵخرتك،بكرا بنموت و…
أرد عليها بغيظ: هل إذا تمتعنا بالحلال من طعام وشراب وغيره،نذهب إلى جهنم؟!!
ترد ببرود أعصاب
-الله يهديك،انتوا الرجال صعبين،وجدالكم من غير فائدة.
أحاول أحيانا تقبيلها فتهرب مني بحجة أنها لا تريد أن ينتقض وضوؤها.
كم أحاول إقناعها بأن المتع الحلال لا ضير فيها،
فتجيبني :صحيح أن الحلال مباح،ولكن النوافل أحسن منه ،فهي تقربك من الله ،بل وتجعلك وليا من أولياءه ..
مشكلتي أنني محيط بكل ما تحتج به من أدلة، والمؤمن لا يستطيع رد الدليل،فكان لا بد لنا من حل وسط،لكنها مصرة على مواقفها،أقول لها: أنت الوحيدة من نساء هذه الدنيا التي يجوز لي التمتع بها من غير إثم ومن غير أن تضاف إلى صفحتي سيئات،أما باقي النساء فمحرم علي حتى النظر إليهن…
فتسألني:هل تعرف متى تغادر هذه الدنيا؟ إن هي إلا أنفاس،قد تدخل ولا تخرج،فلا بد من اﻹستعداد ليوم الرحيل وهذا من التقوى

  • صحيح، ولكن لا تنس نصيبك من الدنيا،واﻹنسان مركب من روح وجسد، ولا بد من التوازن في التعامل
    تذهب إلى المطبخ وتحضر فنجان من القهوة لتسترضيني
    -لماذا لم تحضري لك فنجان
  • أنا صائمة فاليوم الخميس
    -وغدا الجمعة أعلق ضاحكا
    تقطب جبينها ،وتدعو ربي أن يهديني وتغادر المكان في هدوء
    لم يبق لي سبيل سوى أن أتزوج من أخرى،فأنا لا أستطيع احتمال كل هذا البرود،راقت لي الفكرة،ودارت في مخيلتي صورا جميلة
    ناديتها قائلا: سأدعك تتعبدين كما تشائين،وتزهدين في الدنيا مثلما تريدين،لكني سأتزوج…
  • هذا حقك،والشرع أحل لك أربعة،هل تريد أن أبحث لك عن عروس؟
    -لا شكرا،سأتدبر أمري
    لم يمض كثير وقت، حتى كانت زوجتي الجديدة تملأ علي حياتي، متأنقة متعطرة دائما،مهتمة بي إلى أبعد الحدود…احتجبت زوجتي الأولى ثلاثة أيام ،تحضر لنا فيها الطعام ، وتحرص كل الحرص على أن لا أراها،أدق عليها باب غرفتها ﻷطمئن عليها فتجيبني بكلام رقيق ناعم،دون أن تسمح لي بالدخول ، من خلف الباب ،كنت أشم رائحة البخور والعطور،في اليوم الرابع خرجت في كامل زينتها،بلباس شفاف يكشف مفاتنها،ركضت إلي وعانقتني متسائلة بدلال ألم تشتاق لي؟
    قلت: بلى.

الكاتب صلاح عويسات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *