وقفنا خلفه أنا وأمي، ليؤم بنا الصلاة جماعة، منسدلي اليدين، مطأطئي الرؤوس، أمام كل منّا سجّادته المنفردة، وعليها قرص من التربة الحسينية، سنسجد بجباهنا عليه. بدأ أبي بذكر التكبير وترديد الإقامة بصوته الجهوري، وأنا شارد بنظراتي في فسيفساء النسيج: إن ركع ركعت، وإن سجد سجدت، وعند التسليم أحرّك شفاهي بصمت.
لا أدري متى سأستيغ الصلاة فأتلوها بخشوع كأبي؟
حتى إنني لا أكلف نفسي عناء الوضوء، يكفيني تقليد حركات أبي.
منذ بلوغي، احتميت خلف الكذب مخادعًا نفسي وأترابي كي لا أعاند رغباتهم.
كثيرًا ما تساءلت في سري، كيف تسلل الكذب إلى جيناتي؟ على الرغم من أن الإيمان يتقطر عطره عنبرًا من لحى رجال عائلتنا. جميعهم قد زاروا مكة، وطافوا في حرمها المقدس. ربما تكون عمتي هي التي أورثتني تلك الخصال الشيطانية.
في صغري، أرضعوني شعائرهم مع حليب بقرتنا من دون الالتفات إلى كياني، غير آبهين لشخصي. لقنوني معتقداتهم من دون شرح معانيها، فنشأت بشخصيتين، مستعينًا بخجلي كي تنطلي أكاذيبي عليهم. شيئًا فشيئًا اعتنقت المراوغة، وتمرست في الاحتيال، حتى نجحت في زرع أوهام تديّني العميق في رؤوسهم. فأصبحت مسلمًا علنًا، ملحدًا في الخفاء، ناقمًا في كينونتي على الأديان.
في فترة مراهقتي، أتذكر تمامًا تلك اللحظات التي أسرتني حين علمني سمير اللعب بعضوي، وممارسة العادة السرية. كنا نختلي في منزله عند ذهاب أمه إلى العمل في منازل القرية، نخلع سراويلنا ونستند إلى الحائط، ونبدأ بمداعبته حتى يستيقظ من سباته. وجدت لذة عظيمة عند الانغماس في تلك اللحظات الضبابية التي تحملني بين طياتها في حالة من الجنون والنبضات المتسارعة. أشد عليه فتغيم عيناي، ويتدلى لساني فوق شفتي السفلى، ثم تتسارع أنفاسي، كأنني في سباق سرمدي، وأريد الوصول إلى خط النهاية والتحليق من دون أجنحة تمنعني رفرفتها من الاستمتاع بلذة التأوهات التي تليها رقصة هيبية من رأسي حتى أخمص قدمي، فتعتريني خلالها قشعريرة النشوة لأصل إلى ما فوق الغيوم. بين فخذي سائل رخو ينز بخجل، فأدعكه أكثر فأكثر حتى يتدفق كبركان هائج، فيفور ويفور وأعود أنا لاهثًا إلى خط البداية. بعض النهايات لذتها تكمن في البدايات.
أحيانًا كثيرة كنا نستعين بألسنة بعضنا البعض، نتداور في تهييج أجسادنا من خلال اللعق، لكننا شيئًا فشيئًا مللنا من تلك اللعبة، واكتفينا بمداعبة أنفسنا.
لم أتجاوز تلك الأمور، فما برحت إلى الآن عالقًا في دوامتها. أنتظر انتصاف الليل كي أستمني تحت غطاء سريري، متخيلًا تضاريس جسد سعاد ابنة الجيران، على الرغم من أنني لا أعيرها انتباهًا خلال نهاراتي عندما تزورنا برفقة أمها. لكنني على الرغم من ذلك كنت أسترق النظر، لأتلصص إلى مؤخرتها المتمايلة تحت السروال، وأرسم تكويرة صدرها في مخيلتي على ذوقي، مستبيحًا لنفسي تنشق شعرها، ومداعبة شفتيها من دون لفت نظرها إلى اختناقي برغباتي، وتصاعد الدخان من أنفاسي.
أتعمد عدم الالتفات اليها، أو لأي فتاة أخرى. لكنني لا أفوت فرصة تقفي التضاريس وحفرها في داخل جمجمتي، وممارسة رغباتي في خلوتي مع صورهم ليلًا. لقد أورثوني في عائلتنا كره الفتيات، حتى إنني كنت كلما تناسيت حقدهم على الإناث، وحاولت الاقتراب من إحداهن، ذكروني من خلال مواعظهم في خطبة الجمعة “أن أبانا آدم انقاد لحواء على الرغم من نبوته”. لذلك، احرص يا آدم ألا تغويك حواء أخرى، يكفينا آدم واحد.
حين أحترق ببراكيني أنادي الطمأنينة: “أن انزلي بردًا وسلامًا على روحي”.
الروائية هبة قطيش