ونقلا عن بيانات لسلطة السكان والهجرة (رسمية)، قال موقع “زمن إسرائيل” الإخباري (خاص) إن قرابة 550 ألف إسرائيلي غادروا البلاد خلال الشهور الستة الأولى من الحرب ولم يعودوا حتى الآن. وحسب البيانات، فإن عدد الإسرائيليين الذين غادروا البلاد منذ أكتوبر 2023 بلغ نحو 550 ألف أكثر من عدد الإسرائيليين الذين عادوا إليها حتى عيد الفصح هذا العام (أبريل/ نيسان الماضي). وقال الموقع إن ما كان يمكن أن يكون هروبا مؤقتا للإسرائيليين خلال الحرب أو صعوبة فنية في العودة إليها، تحول الآن إلى اتجاه دائم (هجرة دائمة). ووفق أحدث معطيات دائرة الإحصاء الإسرائيلية في أبريل الماضي ويوجد ملايين الإسرائيليين من مزدوجي الجنسية، حيث يحملون جنسية واحدة أخرى على الأقل بجانب جنسيتهم الإسرائيلية.
وتواصل إسرائيل حربها على غزة متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.
ظاهرة الهجرة المعاكسة
تلقي الأوضاع الأمنية في كيان الاحتلال عقب عملية طوفان الأقصى على كاهل المستوطنين وأحدثت تحولاً في ظاهرة الهجرة المعاكسة لليهود من فلسطين، فقد انعكست حالة الهلع التي عيشها المستوطنون على أعداد الذين يغادرون الكيان، بالتوازي مع استمرار الحرب وافتقاد الشعور بالأمن تحت تأثير التهديد والخطر. ووصل عدد الإسرائيليين الذين غادروا الاحتلال، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حتى الآن إلى أكثر من 470 ألفاً بحسب موقع “زمان إسرائيل”. من بين الفئات التي سافرت خارج الكيان ورفضت العودة اليها هم الشباب الذين تم استدعاؤهم للتجنيد في جيش الاحتلال للمشاركة في حرب غزة لكنهم رفضوا العودة. ومع إخلاء المستوطنين في غلاف غزة وفي شمال فلسطين المحتلة، بعيداً عن خطوط المواجهة ثمة 400-500 ألف مستوطن فقدوا مراكز استقرارهم، وفقدوا الشعور بالأمن، وتحولوا إلى عبء كبير على الحكومة الإسرائيلية وهذا يشير إلى أن أزمة حقيقية يعانيها الكيان في توفير الأمن لمستوطنيه وهي أزمة إن طالت ستفقد الكيان أهم أساس قام عليه وهو توفير “الملاذ الآمن” لليهود.
ومن مؤشرات قياس من إسرائيل إلى باقي دول العالم، عدد الرحلات اليومية في الهجرة العكسية مطارات إسرائيل، فبحسب موقع “فلايت رادار 24″، بلغ عدد الرحلات الجوية من مطار بن غوريون لوحده 120 رحلة يومياً وبمعدل 24 ألف مسافر، وهو المعدل الأكبر المسجل في المطار على مدى الأشهر والسنوات الأخير. هذا من غير احتساب الرحلات الجوية من مطاري إيلات وحيفا، والمغادرين عن طريق البحر من ميناءي حيفا ويافا، فإن المجموع يصبح نحو 40 ألف مسافر مغادر يومياً. بالإضافة إلى ذلك، بحسب موقع “the marker” الإسرائيلي بلغ عدد الإسرائيليين ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية ويقيمون بصورة دائمة تقريباً في دول عدة ولا يرغبون بالعودة إلى إسرائيل 800 ألف. في هذا الصدد، اشارت القناة ال12 الإسرائيلية إلى أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال بعد إعلانها السماح لليهود بالحصول على تأشيرات اللجوء، شرط حيازتهم على جواز سفر إسرائيلي. وبالمقابل كشف موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوربي، عن ارتفاع طلبات الحصول على الجنسية من قِبل الإسرائيليين ومنها: البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بنسبة 10%.
الصراع الديموغرافي أخطر على الكيان المؤقت من صواريخ المقاومة!
يقول اللواء عاموس جلعاد أن “نسبة اليهود في القدس تتراجع، ولا أعتقد أن السنوار (رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار) بحاجة لاطلاق صواريخ ما دامت الأهداف الاستراتيجية تتحقّق دون ذلك، فتأثير الصراع الديموغرافي أقوى من القنبلة النووية”. اذ لم يتمكّن الكيان المؤقت، رغم الكثير من السياسات مثل استقدام اليهود وتقديم الاغراءات لبقائهم، بالإضافة الى عمله على محاكاة “الحياة الاسرائيلية” بكّل تفاصيلها بالحياة الغربية، وتأمين الرفاه و”الأمان”، من التخلّص من معضلة امتلاك الأرض والديموغرافيا. ويُقدّر عدد سكان القدس المحتلة بـ 919 ألف نسمة ورغم محاولات التهويد والاستيطان بلغت نسبة الفلسطينيين في القدس 349600 أي 38% من مجمل السّكان مقابل 55800 يهودي أي ما نسبته 62%. ويسجّل تراجع عدد اليهود المستوطنين في القدس الشرقية من 46% عام 1996 الى 39% عام 2022 حيث يستوطن حالياً 220 ألف يهودي، كما يلاحظ التراجع نسبة “هجرة” اليهود الى القدس بأقل من 6000 حالة وهو الحد الأدنى منذ العام 2012. في المقابل أشارت صحيفة “هآرتس” العبرية الى أن الفحص الدقيق للوضع الديموغرافي الذي أجراه اتحاد المياه البلدي الإسرائيلي “جيحون”، مؤخراً يكشف أن هذه المعطيات لا تشمل عشرات آلاف الفلسطينيين الآخرين الذين يعيشون داخل حدود المدينة. وحسب تقييمات الخبراء فإن الغالبية اليهودية في المدينة تقل عن المعطيات الرسمية وتصل إلى حوالي 59% وشرحت الصحيفة أن مشكلة احتساب النسب تكمن في “عدد السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيم اللاجئين شعفاط ومنطقة كفر عقب، والتي تعتبر تابعة للقدس لكنه (الاحتلال) تم فصلها عن المدينة بواسطة الجدار الفاصل”.
ومن ناحية ثانية، أكدت مسيرة الأعلام اليهودية يوم الأحد في 29 أيار / مايو الماضي، بالشكل الذي تّمت به، أن الشعب الفلسطيني سيد هذه الأرض وأن كل محاولات الاحتلال التهويدية لم تغير المعادلة. وقد اعترف رئيس جهاز “الموساد” الإسرائيلي الأسبق، تامير فاردو خلال حديثه في مؤتمر أمني بأن “مشاورات واستعدادات لأسابيع حول مسألة إقامة تلك المسيرة تبعث على الشك في مدى السيادة على المكان…هل يعقل بأن تقوم حكومة إسرائيل وعلى مدار أسابيع بتقييم للأوضاع سعيًا لاتخاذ قرار حول إمكانية السماح بالمسيرة أم لا؟!، وهل سيطرح هكذا تساؤل في لندن أو باريس أو واشنطن؟ …إن دولة بأكملها أشغلت نفسها وفي جميع نشرات الأخبار ناقشت مسألة القدرة على إجراء المسيرة في عاصمتنا”. عادًا ذلك بـ “الأمر غير المسبوق في أي مكان”.كذلك أظهرت نتائج جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني (الصادرة عام 2018) أن عدد الفلسطينيين داخل حدود الأراضي المحتلة عام 1967 بلغ أربعة ملايين و780 ألفاً، إضافة إلى 1.5 مليون في الداخل المحتل، وذلك بزيادة زيادة مليون فلسطيني خلال السنوات العشر الأخيرة (منذ العام 2008). وفيما يتعلق بالتركيب العمري، فإن المجتمع الفلسطيني فتيّ، حيث إن نسبة الأطفال ما دون 18 عاماً سجّلت 47% من نسبة الفلسطينيين، فيما بلغت نسبة الأفراد من ستين عاما فما فوق 5% فقط من إجمالي عدد السكان، فيما بلغ متوسط حجم الأسرة 5.1. وتسقط هذه الأرقام أيضاً طرح “حل الدولتين الذي يؤيده اليسار الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
.يوضح علم السياسة، أن مقومات الدولة ثلاث: الأرض، الشعب، والدستور، وفي هذا الإطار نسلّم جدلاً أن “إسرائيل” هذه ليست الا كياناً مصطنعاً لا تملك مقوّمات الدولة الحقيقية. كيان احتلال يستأجر “مواطنين” (مستوطنين بطبيعة الحال)، وتعصف به الأزمات الداخلية – ناهيك عن التهديد الخارجي للمقاومة من كل الجبهات – الى أن قال الكاتب الإسرائيلي مايكل بريزون في سياق انتقاده للمجتمع اليهودي “نحن لا نحسن أن نكون أمة”.
الصفعات والنكبات تحاصر نتنياهو وتحالفه المتطرف
تتراكم الضربات الموجعة على حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وزمرة المتطرفين الذين يظهرون عنصريتهم برفضهم أي حق للفلسطينيين ويشهد الكيان منذ شنها حرب الإبادة على غزة سلسلة من الانتكاسات والنكبات المتتالية، التي بمجملها هزت كيان الاحتلال وهدمت ما بنته آلته العسكرية والسياسية والإعلامية في العقل الجماعي العالمي، على مدى ثلاثة أرباع القرن، بتقديم نفسها ضحية الهولوكوست، وشعب الله المختار، وضحية العرب، والديمقراطية الوحيدة في صحراء العالم العربي، والجيش الأكثر أخلاقية!! كل ذلك تهاوى وسقط منذ طوفان الأقصى، والرد الانتقامي الصهيوني الذي فضح وعرّى وكشف زيف تلك الادعاءات لنظام الآبارتهايد (الفصل العنصري). كذلك سقطت سردية أن الاحتلال والتنكيل والقتل والإبادة وسرقة الأراضي حدثت في 7 تشرين الأول/أكتوبر مع طوفان الأقصى، ليكتشف العالم أن سبب طوفان الأقصى هو الاحتلال وحق المقاومة لشعب تحت الاحتلال كما يكفله القانون الدولي، ومعه حصانة إسرائيل. كما تآكلت وأُهينت هيبة وقوة ردع إسرائيل. وللمرة الأولى قصفت إيران بشكل صادم ليل 13-14 أبريل/نيسان بـ 300 مسيّرة وصواريخ باليستية ومجنحة، مواقع عسكرية إسرائيلية ردا انتقاميا على اغتيال إسرائيل بغارة جوية قياديين في الحرس الثوري الإيراني في قنصلية إيران في دمشق مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي!لكن في المقابل، ولحسابات حكومة الاحتلال الكارثية المتطرفة بعد عام ونصف، تزداد نكبات إسرائيل. وتتحول إلى كيان ينسف سردية ما روجت له إسرائيل على مدى ثلاثة أرباع القرن بكونها، كما يبالغون بشكل كاذب «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وواحة الغرب الديمقراطي في صحراء القحط الديمقراطي في المنطقة.
اخيرا:
تتراكم الضربات الموجعة على حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وزمرة المتطرفين الذين يظهرون عنصريتهم برفضهم أي حق للفلسطينيين. وكان آخر طوفان الكوارث بإصدار كريم خان مدعي عام محكمة الجنائية الدولية توصية للمحكمة بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع (الحرب) غالانت وقادة حماس وإسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد ضيف، مع أن ما طرح على المحكمة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وحرب إبادة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بالرد الانتقامي الإسرائيلي «السيوف الحديدية» المستمر للشهر الثامن.
واستمرت نكسات إسرائيل بإعلان النرويج وإسبانيا وإيرلندا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية يوم 28 الجاري. ويُتوقع اعتراف مزيد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين لتحقيق المساواة والسلام في المنطقة، بعدما تحولت حرب الصهاينة على غزة لحرب إبادة تجعل من الصعب دعمها والسكوت عنها؛ نظرا لحجم الغضب والمظاهرات المليونية في عواصم ومدن أوروبا وأمريكا، وانتفاضة الجامعات انطلاقا من الولايات المتحدة وصولا لأوروبا وأستراليا، في نجاح لحصاد معركة الوعي التي قادها الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته.
يرى الكثيرون، وخاصة الأمريكيين، أن الحرب على غزة تحولت لحرب استنزاف تخدم مصالح نتنياهو لينجو بجلده من المحاكمة والسجن، بعد فشله بتحقيق أهداف غير واقعية بهزيمة حماس وإطلاق سراح الأسرى وتحويل غزة لمنطقة لا تهدد أمن إسرائيل، لكنه يستمر بمراكمة الصفعات والنكسات وبغطاء ودعم من الرعاة الغربيين.وبذلك، تستمر أمريكا كعادتها بتحدي المجتمع الدولي بأسره لمصلحة الكيان وعلى حساب سمعتها. ومن ثم تواصل الولايات المتحدة فقدان الثقة، وتستمر بالاصطفاف ودعم الجلاد ضد الضحية.
الكاتب والباحث كرم فواز الجباعي