ليست محطة لإنهاء العدوان .. بل ورقة تفاوضية وضرورة عسكرية تفرضها إرهاصات كيان الاحتلال للخروج بأقل الخسائر المعنوية على الأقل ..
رفح المدينة الثائرة بوجه العدو، آخر محطات التمسك ببضع أوراقه التي احترقت أمام ضربات المقاومة، حيث أكدت التصريحات المتواترة للقيادات السياسية والعسكرية لكيان الاحتلال، أنّ الجيش يعدّ لعملية برية في رفح، أقصى جنوب قطاع غزة – رغم تحذيرات صدرت عن عدد من الجهات، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر- لدرجة عدّها شرطاً أساسياً لإتمام الحرب بانتصار عسكري، وما دون ذلك هزيمة.
دعمٌ غير محدود وغير مشروط لها من الولايات المتحدة الأميركيّة وعدد من الدول الغربية، يقابله صمت عربي وإسلامي، وقواعد اشتباك مستجدة، لكنها منضبطة ومقروءة مع أطراف محور المقاومة، سيما اللبنانية منها، كل ذلك جعل من العدو يُمطر القطاع بكَميات غير مسبوقة من القذائف والصواريخ، ومن ثم التخطيط للعملية البرية وتنفيذها بشكل تدريجي بطيء مُستهلاً من شمال غزة، ثم غزة، ثم المحافظات الوسطى، وصولاً لخان يونس، دون أي محاذير أو موانع سياسية أو قانونية أو أخلاقية.
اليوم ورفح باتت أكثر أهدافه المُباشرة لا تزال القراءات السياسية تأخذ منحى تسجيل الضربة القاضية لأحد الطرفين، رغم مرور أكثر من أربعة أشهر، حملت فشلاً ذريعاً وخسائر لقوات الاحتلال في تحقيق أيٍّ من الأهداف الكبيرة التي رسمتها لعمليتها العسكرية، وبعيداً عن هدفها المُعلن في القضاء على حركة حماس، ومنع هجماتها الصاروخية، وتقويض قدراتها العسكرية، وتحرير أسراها من أيديها، وأيدي باقي الفصائل.
إذاً، فالتلويحُ المستمر بعملية برية وشيكة في رفح – في ظل تكدس النازحين فيها بأعداد كبير – ما هي إلا ورقةٌ تفاوضية قوية بيد الاحتلال، يحاول من خلالها إضعاف موقف حماس وفصائل المقاومة الأخرى، في حين سبق الحديثَ عن العملية البرية في رفح تطوراتٌ مهمة، في مقدمتها القرار الأوّلي لمحكمة العدل الدولية، الذي وصف قيام – اسرائيل – بعمليات إبادة جماعية ، وبأنها تحت المراقبة والملاحظة، ليتراجع بعدها الحماس الغربي للعملية العسكرية في غزة، فضلًا عن بدء مسار من المفاوضات لوقف إطلاق النار، وُصف بالجِدّي والواعد بعد اجتماع باريس.
ميدانياً، ورغم ما ذكر آنفاً لما تسببت به آلة العدو العسكرية، فإن قوات الاحتلال لا تزال بعيدة عن الوصول لصورة النصر الذي تحلم به وتسعى إليه، رغم دخولها معظم مناطق القطاع، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء وأكثر منهم من المصابين والجرحى، وتدمير البنية التحتية، وتحويل غزة لمكان غير قابل للحياة.
إلا أن ما لا يبدو واضحاً بشكله النهائي، هو سقف العملية وأهدافها الحقيقية ومداها، وهي أمور ستعتمد إلى حد كبير على أداء المقاومة في رفح وعموم القطاع، ومدى قدرة الاحتلال على تحريك المدنيين من رفح باتجاه خان يونس والمحافظات الوسطى و/أو مصر، والموقف الأميركي الحقيقي من العملية بعد اتضاح تفاصيلها، ومدى قدرة نتنياهو على تسويغ العملية وتسويقها دولياً.
الصحفية بارعة جمعة