علمتنا نظرية الأجناس الأدبية أن ظهور جنس أدبي جديد يكون دوما استجابة لحاجة ماسة و ملحة، و ليس مجرد بذخ من أي نوع من الأنواع، وهذه الحاجة قد تكون فنية جمالية أو اجتماعية، للتعبير عن مستجدات لم تعد الأجناس الأدبية التقليدية قادرة على التعبير عنها، لهذا لا ينفع أبدا أن نتخندق ضد ظهور جنس جديد، مهما كانت المبررات التي نسوقها لتبرير ذلك ،وإلا وضعنا أنفسنا في موقف حرج، وأصبحنا معادين لسنة التطور في الحياة، و تاريخ الأدب يعلمنا أن جميع الأجناس أو الصيغ التعبيرية المستحدثة وجدت مقاومة ممن يمكن نعتهم بمحافظي الأدب، لكن ذلك أبدا لم يمنع الجنس الجديد من شق طريقه نحو القراء، ثم ترسيخ قدميه، في ما بعد، في تربة الأدب. وقع ذلك لقصيدة النثر و قبلها لقصيدة التفعيلة، وحدث كذلك مع الرواية وجميع الأجناس الأدبية تقريبا إبان ظهورها .
القصة القصيرة جدا ظهرت إلى الوجود ووجدت من يعتني بها إبداعا و نقدا، لأن هناك حاجة جمالية وفنية لها، فتكثيفها القوي يعوض إلى حد ما أنواعا كتابية لم تعد رائجة كالمثل والخبر مثلا، كما أنها تمتلك جمالية خاصة تفتقر إليها الأجناس الأخرى، من قبيل القدرة على التقاط الإشراقات الذهنية والمواقف الواقعية الخاطفة و النوعية، التي تحفل بها الحياة، كما أنها قادرة على صوغ المفارقات، بحيث لا ينافسها جنس أدبي في ذلك.
أما مسألة الاستسهال، التي يتخذها البعض سببا لمهاجمة القصة القصيرة جدا، فهي ذريعة مردودة على أصحابها، فقد قيل ذلك ويقال عن الشعر كذلك، حتى اعتبره البعض “حمار المبدعين”، ولم تسلم من هذا التجني بعض البحور الشعرية كالرجز الذي عده البعض ” حمار الشعراء” وهكذا دواليك.. و أجدني عند الحديث عن هذا الموضوع مضطرا للتفكير في شعر الهايكو، الذي يبدو في متناول الجميع، لكن لا أحد يشتكي من الاستسهال في كتابته، عكس ما يحدث للقصة القصيرة جدا، لذلك فحين يحاكم بعض الكتاب و النقاد جنس القصة القصيرة جدا، فيتعين عليهم –طلبا للموضوعية- أن يحتكموا إلى نصوصها الجيدة و هي متوفرة بكثرة، أما الرديء من النصوص، فلا يسلم منه جنس أدبي مهما كان مكرسا ومرسخا قدميه في المشهد الأدبي، ولعل ذلك يسمح لنا بالقول كخلاصة: إن رداءة بعض النصوص ليست مبررا منطقيا ولا ذريعة قوية لإعدام جنس أدبي بكامله.
الكاتب مصطفى لغتيري