ماذا سيكتب زكي العيلة لو عاش فصول المقتلة؟!! للكاتب عبد السلام العابد


   كنت فتى في الثامنة عشرة من عمري ، عندما وقعَت بين يديّ مجموعة قصصية جديدة بحجم الكف تحمل عنوان:( الجبل لا يأتي ) للكاتب الفلسطيني زكي العيلة الذي كان  يعمل آنذاك  معلما في مخيم جباليا بقطاع غزة.  
    احتفيت بالكتاب الجديد ، وقرأت قصصه القصيرة بلهفة وشوق، ورغم مرور حوالي أربعة وأربعين عاما على قراءتي لهذه القصص، إلا أنني ما زلت أتذكر  بعض أحداثها وشخوصها ووقائعها.
   وبعد قراءتي لهذه القصص أكثر من مرة، تجرأ الفتى الغض الذي كنته،  على كتابة مقال عنها تحت عنوان: ( الجبل لا يأتي ، ولكننا إليه قادمون ) ونشرتُه في صحيفة الشعب الثقافي التي كان يديرها ويشرف عليها  الأديب عادل الأسطة.
   ويبدو أن هذه المقالة المنشورة عام ١٩٨٠م، قد اطّلع عليها الكاتب زكي العيلة، واحتفظ بها، والدليل على ذلك، أنه اتصل بي هاتفيا، بعد خمسة عشر عاما ؛ ليخبرني أن هذه المقالة قد تم نشرها في موقعه الإلكتروني الجديد.
   مؤخرا، قرأت الأعمال القصصية الكاملة التي نشرتها وزارة الثقافة عام ٢٠٢٠م، للأديب الراحل زكي العيلة ، وتضم مجموعات: العطش والجبل لا يأتي ، وحيطان من دم، وزمن الغياب ، وبحر رمادي ، إضافة إلى مختارات من مقالاته الأدبية المنشورة في الصحافة . كما أن له كتابين آخرين  منشورين وهما: تراث البحر الفلسطيني، والمرأة في الرواية الفلسطينية .
تقع هذه الأعمال الكاملة التي حملت عنوان 🙁 الجبل لا يأتي وقصص أخرى ) في أربعمئة وتسع وثلاثين صفحة، وتضم قصصا  تتحدث جميعها عن إنساننا الفلسطيني تحت الاحتلال  ومعاناته وأحلامه ، ولا سيما في قطاع غزة ، فالشخصيات القصصية كلها تنتمي لمواطنين عاديين بسطاء  يعيش الكاتب معهم ، ويعرفهم بعمق ، وهم من أهل غزة ومخيماتها : جباليا، الشاطيء، النصيرات …الخ.
والبعد الزماني محدد، يمتد منذ هزيمة حزيران  عام سبعة وستين حتى ما بعد   عام  ألفين واثنين، مع استرجاعات لعام النكبة وما بعده.
وكما قلت سابقا ، فإن البعد المكاني محدد أيضا وهو قطاع غزة والمخيمات ، حيث نتعرف على أسماء المناطق والشوارع والحارات المعروفة هناك  .
  وبعيد الانتهاء من قراءة الأعمال الكاملة لأديبنا المرحوم زكي العيلة، تذكرت دوره الطليعي المبكر ، إلى جانب مجموعة متميزة من الشعراء والكتاب ،  و نشاطاته الثقافية المتعددة التي كان يشارك فيها منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى ما قبل وفاته بقليل، واسترجعتُ في ذهني الصورة التي ارتسمَت في مخيلتي عن شخصيته الطيبة الدافئة الودودة ، المعطاءة، الجادة ، العميقة ، المنتمية ، المتواضعة، من خلال قصصه ومقالاته الأدبية، وبعض المقابلات الثقافية التي أجريتُها معه في البرنامج الثقافي الذي كنت أعدّه وأقدمه عبر أثير الإذاعة، أو من خلال المحادثات الهاتفية القليلة التي جرت بيننا، وآخرها كانت تلك المهاتفة التي هنأته فيها؛ لمناسبة تعافيه، بعد إجراء عملية جراحية . 
  وتساءلت أيضا: ترى ماذا سيكتب أديبنا العزيز زكي العيلة، لو أنه عايش أحداث هذه المقتلة الرهيبة الطويلة  التي تجري فصولها المأساوية في مدن القطاع وبلداته ومخيماته، ومحافظات الوطن كافة ، منذ تشرين أول   عام ٢٠٢٣ حتى تاريخ  كتابة هذه السطور؟!. ماذا سيكتب عن الجوع و البيوت الدافئة المهجورة ، و عن  فقدان  الأمن والأمان،   وعن هذه الأرواح العزيزة التي أُزهقت؟ و العائلات التي شُرّدت، و البيوت التي دُمّرت ، و الحارات والطرقات التي أُبيدت؟. وهل يستطيع قلبه الرقيق أن يتحمّل هذه المشاهد المأساوية و الوقائع والفظائع المنافية لكل القيم والشرائع السماوية والأرضية؟!. وهل تستطيع الفنون كلها تصوير هول ما جرى ، من أحداث جِسام تفوق خيال البشر ؟. 

الكاتب عبد السلام العابد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *