ما أشبه الليلة بالبارحةبين هولاكو ونتنياهو رسالة رواية الخاقان من عوني عبد الصادق فهل من معتبر؟!تحليل د. صبري زمزم

هل وصلنا الشبه بين نتنياهو وهولاكو؟!


نحن أمام عمل أدبي متميز ليس فقط لأنه حصل على جائزة إحسان عبد القدوس هذا العام 2023، ولكن لأنه اشتمل على جوانب أدبية وفنية تجعله عملا مهما وجديرا بالقراءة ومن ثم المناقشة وأدعو الشباب على وجه الخصوص لقراءة هذه الرواية فالأديب عوني عبد الصادق نسج لنا من خلال رواية «الخاقان» روايتين في رواية وكان من الحنكة بحيث أدار الحكايتين أو القصتين بمهارة دون ان يفلت منه المقود أو يفقد الخيط فنجده يسير بنا تارة في الرواية الأولى من حيث الترتيب وهي قصص أبطال الفيلم ومخرجه وما يدو حول تصوير الفيلم من أحداث للأبطال وقصص حياتهم ثم يضفر ذلك بالدخول في قصه الفيلم ويعرض أحداثه وهي القصة الأهم لأنها بيت القصيد من الرواية بدليل عنوانها «الخاقان» استطاع الأديب عوني عبد الصادق أن يلجأ إلى حيلة ذكية وهي حيلة فنيه يعرض من خلالها هذه القصه التاريخية الممتدة من حيث التاريخ ومن حيث الجغرافيا، فمن حيث التاريخ ممتدة عبر عقود وسنوات من الجد جنكيز خان الخاقان الأكبر إلى الحفيد هولاكو، ومن حيث الجغرافيا من أقصى بلاد الشرق من الصين وصولا إلى غزة مرورا ببلاد ما وراء النهر وسمرقند وايران وبغداد ثم الشام ليقف بنا على بوابه مصر، ليس هذا فقط بل طوف بنا بين بلاد أخرى في أوروبا في أقصى الغرب الأندلس وفي أقصى الشرق بلاد المجر وبلغاريا بشرقي أوروبا حيث اقتحام المغول، أيضا طوف بنا في بلاد الجزائر والمغرب وأخيرا مصر، ومالي، هذا على مستوى الجغرافيا، أما على مستوى الأحداث فقد استطاع من خلال القصة التاريخية أن يعرض لنا تفاصيل هذه القوة الغاشمة التي اجتاحت المشرق العربي والعالم الإسلامي كالطوفان دون أن يستطيع إيقافها أحد، فكانت تسري فيه كالسكين في الساخن في الزبد، بما يعكس أوضاع العالم الاسلامي الهشة في هذه المرحلة، وهو في عرضه لتفاصيل المعارك وتدابير الخطط الاستخبارية الممهدة لهذا الاجتياح وضع أيدينا على مواضع الخلل التي تكاد تكون متطابقه مع واقعنا الذي الذي نعيشه، وهذا يعد إسقاطا سياسيا وتاريخيا على ما نحن فيه الآن وكأننا ننظر في مراة مسحورة لنتبين أحوالنا ونتدبر مستقبلنا من خلال تأمل ماضينا، وهذا هو الهدف الأساسي فيما أرى من هذه القصه فما أشبه الليلة بالبارحة فالعدو قد يتغير اسمه وقد يتغير موقعه الجغرافي، ولكن في النهاية يبقى عدوا وهو عدو للمسلمين وللعرب، فالمغول وفقا للقصه استغلوا تفرق المسلمين إلى دويلات متناحرة يحارب بعضها بعضا ولا ود بينها ولا تعاون، بل تنافس على النفوذ فها هو السلطان جلال الدين خوارزم شاه يستنجد بالخليفه العباسي في بغداد ليعينه على صد الزحف التتري ويطلب المدد والعون بالرجال والسلاح ليدافع عن المسلمين، ولكن الخليفه الذي كان يراه خطرا على دولته يتخاذل ويتركه لقمة سائغة في فم التتار ليلتهموا دولته وما وراءها ويقتلوا المسلمين ويغتصبوا نساءهم ويبيعوا أطفالهم في اسواق النخاسة، ثم سرعان ما تدور الدائرة على بغداد وعندئذ لا يجد الخليفه العباسي ما يعينه على مواجهه التتار لتسقط بغداد في أيديهم بسهولة ويقتلوا الخليفة وأولاده، في ظل خيانة متعددة الأطراف، منها الوزير-الذي لا يذكر اسمه-المتواطئ مع التتار طمعا في الحكم ويشير الكاتب إلى السبيل إلى ذلك بأنه عمد إلى شغل جيش الخلافة في أعمال مجهدة بعيدة كل البعد عن أعمال الجندية والحرب والتدريب على القتال، حيث شغلهم بأعمال مدنية مثل إنشاء الجسور وزراعة الأرض وغيرها ليكونوا في النهاية لقمه سائغة عند مواجهة جيش بقوه التتار فلا يجدوا وسيلة سوى الاستسلام وهناك إشارة أيضا جاءت على لسان «طقز» زوجه هولاكو بعملها على تشجيع الجواري والسبايا على إقامة المواخير وبيوت اللهو والدعارة في عاصمة الخلافة بغداد لينتشر الانحلال الاخلاقي الذي بدوره يكون عونا للاعداء وسلاحا ضد المسلمين في إشارة ذكية من الكاتب إلى بعض ما يحدث في عصرنا الحالي من إضعاف همة الشباب العربي من خلال شغلهم عن أهدافهم الجادة الحقيقية وصرفهم إلى ميادين أخرى من اللهو والترفيه والمجون، مما يفت في عضدهم، ويضعف عزيمتهم وإيمانهم ويصرفهم عن قضاياهم الحقيقية، ونجد حكاما مسلمين في هذه الأحداث متعاونين مع هولاكو، متحالفين معه، بل يحاربون في صفوفه حتى ينجوا بأنفسهم من مواجهته وبطشه ولكن في النهايه يقضي عليهم بالقتل والذبح بعد أن يحقق أغراضه منهم ليلقوا جزاء الخيانة والعمالة فالعدو لا عهد له ولا صديق.


ثم يشير الكاتب وسط الأحداث في إلى حرب الثمانية أعوام بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن العشرين التي أفقدت كلتا الدولتين زهرة رجالها وشبابها، فضلا عن إفراغها من وسائل قوتها لصالح الأعداء الذين أجهزوا فيما بعد على العراق، وهاهم يتربصون بإيران وجاء ذلك من خلال القصه الموازية حيث اختار بطلة الفيلم زهاء الممثلة

الإيرانية لتكون رابطا للأحداث الموازية سواء تاريخيا أو جغرافيا.
وتأتي الدعاية الإعلامية المنهجية ودورها في الرواية وأهميتها حيث أشار الكاتب إلى أن التتار كانوا يشيعون الرعب في نفوس المسلمين عن طريق سيكولوجية الردع، فهم قبل أن يحاربوهم يطلقون عملاءهم الذين ينشرون الشائعات ويروجون أن التتار يأكلون لحوم البشر وأنهم قوه لا يمكن أن تقهر ومن ثم لا حيلة إلا الاستسلام أو التحالف معها ضد بقيه الأقطار أو الدول الإسلامية وهو ما حدث بالفعل من أكثر من حاكم،
ومع ذلك تأتي الإشارة العكسية إلى أن الملك الكامل الذي صمد عاما ونصف العام وهو يحارب الصليبيين وحده في الشام في حين تركه الأمراء المسلمون محاصرا وحده دون أن يمد مسلم واحد له يد العون بأي سلاح أو عتاد ليعكس الواقع الذي نعيشه الآن في غزة، في محاولة من الكاتب لإيقاظ الغافلين.


ثم نجد الملوك والأمراء في العراق والشام يعطون الولاء لهولاكو وينضمون إليه فاجتاح بلادهم بسهوله ثم تخلص منهم جميعا بقتلهم.


ولكن جاء موقف توران شاه مغايرا وممثلا للصمود والبطولة حيث واجه جيش التتار حتى النهاية رغم قلة عدد قواته وعتاده ولكنه قاتل بضراوة حتى وقع في الأسر، ورغم ذلك لم ينكسر بل واجه هولاكو بكل جرأة وشجاعة في الحوار الذي دار بينهما ولم يقتله هولاكو رغم ذلك وهي إشارة ذات دلالة أن تحارب حتى آخر لحظة خير لك من أن تستسلم ثم تقتل بلا طائل.


كما أرى دورا مهما للمرأة متمثلة في زوجة هولاكو «طقز» التي اعتنقت المسيحية وأصبحت عامل تحريض قويا لزوجها وجنوده لاجتياح بغداد والوصول إلى الكنيسة ثم الوصول إلى القدس حيث قبر المسيح كما تعتقد، وتجعله الجائزة الكبرى بل تعد الصليبيين بأنها ستعطيهم القدس هدية لهم إذا تعاونوا معهم وتحالفوا ضد المسلمين في حين يتوجس بابا المسيحيين في الشام خيفة من أن ينقلبوا ضد المسيحيين ويقضوا عليهم بعد أن يفرغوا من القضاء على الإسلام والمسلمين.


والكاتب نجح في أن يشير أو يقول إن الحرب كانت في جوهرها حربا دينية سواء من جانب التتار أو الصليبيين لاستئصال شأفة الإسلام والقضاء على هيمنته.


ثم يعرض لنا الكاتب الموقف في مصر بعد أن وصلت جحافل التتار الى غزة ليكون القتال والجهاد والمواجهة هو الحل وهو السبيل للذود عن مصر ومن ثم عن كل العالم الإسلامي، ليتوحد المماليك وينضم إليهم من حاربوا في الشام وبعزيمة قطز وشجاعة بيبرس وتوحد المسلمين وروحهم القتاليه الشديدة استطاعوا كسر شوكه التتار والقضاء عليهم وإفساد كل مخططاتهم ووأد أحلامهم في القضاء على الإسلام والمسلمين وليبقى الإسلام وينتصر على أعدائه في النهاية.

أما في القصه الموازية فنجد خطين أحدهما بطلته زهاء الممثلة الإيرانية التي يهددها خالها ويضغط عليها من خلال اتهام أبيها بفساد مالي يمكن ان يعرضه للسجن ومن خلال نفوذه استطاع أن يضغط عليها لتترك حبيبها نبيل من أجل أن تتزوج من ابن خالها الغني الذي يتمتع بالجاه والمال معا.


أما الخط الثاني فكان بطلته زليخة ذي النون الناشطة الحقوقية التي اختفت في الطريق إلى كابول بأفغانستان لعده أسابيع حيث خطفت ثم أعيدت بشكل غريب إلى إيران في سيارة عسكرية دون الإشارة إلى أي تفاصيل لتكمل تصوير الفيلم حيث تقوم بدور رغد وينتهي بها المطاف في مالي حيث تتزوج ابن خالها عبد الله أمادو الذي ينتمي إلى بعض المنظمات المتطرفه فكانت تستخدم خطف رغد كوسيلة الضغط عليه في البداية للانضمام إليهم.
وتنتهي القصه الأساسية بانتصار المسلمين في النهايه وأما القصة الأخرى فتنتهي بزواج رغد من امادو وسفر زهاء لايران ربما لتتزوج ابن خالها لتنقذ أباها وقد ترك هذه النهايه مفتوحه بدون أن يحسمها.


وفي النهايه اتوجه بالشكر للأديب عوني عبد الصادق
على هذه الرواية الممتعة في أحداثها المشوقة التي لم نشعر خلالها بأي ملل فهي رواية موجزة تقع في حوالي 130 صفحة فطبعا جهد كبير جدا من المؤلف في محاوله لإيقاظ الحس الجمعي لدى المسلمين ولدى العرب في هذا الوقت الحساس الذي نعيشه وكما أقول ما أشبه الليله بالبارحة وفي هذه الرواية كثير من الإسقاطات وكثير من الرسائل الموجهة إلى كل من يهمه الأمر لتفادي تكرار نفس الماساة والوقوع تحت طائله التتار الجدد هذا والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

د. صبري زمزم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *