محطة انتظار للكاتبة رانيا الصباغ

 

في محطة القرية وعلى مقعد خشبيٍّ متهالكٍ، يغفو تحت شجرة سنديانٍ ضخمةٍ، كانت الخالة وفاء تجلس كلّ يومٍ، تنتظر عودة زوجها الغائب منذ سبع سنواتٍ. تستمع من مذياعها القديم إلى أغاني فيروز، وتشرب القهوة، وتتسلى بقراءة رسائله القديمة، وتبحر في الذكريات وهي تقلب ألبوم الصور.
لايمنعها حرٌ أو بردٌ أو مطرٌ، حتى أصبحت جزءاً من جغرافيا المكان وسيرةً حزينةً من تاريخ القرية.
لم يستطع أحدٌ أن يثنيها عن المجيء.
قلت لها مرة: ألا تملين الانتظار؟ لعلّه ذهب ولن يعود.
قالت: إنه لا يكذب، وقد قال لي إنه سيعود.
قلت لها: ربما مات.
قالت: لو مات سوف يأتيني في المنام ويخبرني.
قلت لها: انتظريه في البيت.
قالت: عيبٌ أن يأتي ويجدني مشغولةً عنه.
وتمضي السنين، وهي رهينة الانتظار.
وذات يومٍ، بينما أنا مشغولٌ بقطع التذاكر، وجدتها تجري نحو البوابة، وقد رأته بين القادمين . بقيا صامتين يحملقان في آثار السنين.
قال لها: سامحيني لقد سرقتني أضواء باريس بضع سنين،
لكنني عدت إليك وسأعوضك عن كل ما فات.
غمغمت بأسى: أحقاً سرقتك أضواء باريس؟ كيف ستعوضني إذاً؟
ردّ وهو يفرك أذنه: أعرف مدى الألم الذي سببته لك لكن العمر لا يزال أمامنا. دعينا ننسى ونبدأ من جديد.
قالت: أستطيع الآن أن أبدأ من جديد فلقد تأكدت أنك ميّت.
ثم حفرت في الأرض حفرة وألقت فيها الرسائل والصور وردمتها وتوارت خلف الحقول.

الكاتبة رانيا الصباغ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *