مسرحية لعبة الموت ل د. سعيد محمد المنزلاوي

الفصل الأول / المشهد الأول: في البيت
(فوز سهيلة في مسابقة الرسم على مستوى المحافظة. تدخل سهيلة المنزل فرحةً)
سهيلة: (بفرح) أمي، لقد فزت بالجائزة الأولى في مسابقة الرسم.
الأم: (تحتضن ابنتها) مبارك فوزك يا ابنتي، أنت فنانة كبيرة.
سهيلة: الرسم هو هوايتي المفضلة، أقضي فيه كل وقتي. (ترمق أمها) أمي، هل عاد أبي من العمل؟
الأم: (تضحك) ههه، أعرف ماذا تريدين أيتها الماكرة. سأتصل به وأبشره بفوزك في المسابقة.
سهيلة: بس، تبشرينه بفوزي في المسابقة وبس.
الأم: (في دهاء خفي) وهل هناك شيء آخر؟
سهيلة: أمي، أنت تعرفين كل شيء، أرجوك يا أمي ذكريه بالجائزة التي وعدني بها.
الأم: تقصدين الأيفون؟
سهيلة: نعم، هو (بدلال) ألا تستحق ابنتك الفنانة الكبيرة جهاز أيفون؟
الأم: تستحقين كل خير يا ابنتي. هيا استبدلي ملابسك؛ لتساعدينني في إعداد السفرة. والدك على وصول.
سهيلة: حالًا يا أمي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول/ المشهد الثاني: في غرفة سهيلة
(سهيلة في غرفتها فرحة بالجوال، تقلبه بيديها كدمية صغيرة)
سهيلة: (تكلم نفسها) أبي حبيبي منحني هذا الأيفون الجميل. شكرًا لك يارب، وبارك لي في أبي وأمي وأخي.
(يدخل الأب، ويقترب من ابنته)
الأب: هل أعجبك الأيفون يا ابنتي الحبيبة؟
سهيلة: نعم، إنه أكثر من رائع، ولكن..
الأب: ولكن ماذا يا سهيلة؟
سهيلة: ليس فيه ألعاب يا أبي، صديقاتي في المدرسة يحكين لي عن ألعاب شيقة في جوالاتهن وجوالات آبائهن. لماذا؟ لماذا يا أبي هذا الأيفون بدون ألعاب؟-
الأب: (يضحك) ههه، الأيفون يا ابنتي وأي جوال آخر يأتي بدون ألعاب، ثم يتم تحميل الألعاب عليه بعد ذلك.
سهيلة: ولكني لا أعرف كيف أحمل الألعاب على الأيفون يا أبي.
الأب: سأعلمك. (يمسك بالأيفون) أولًا تفتحين تطبيق المتجر، ثم تبحثين عن اللعبة التي ترغبين في تحميلها، ثم ….
(الأب يعلم سهيلة طرق تحميل الألعاب، وهي مصغية له تهز رأسها من حين لآخرَ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني/ المشهد الأول: (في المدرسة داخل الفصل)
(سهيلة تجلس في شرود، عيناها مثقلتان بالنوم، لا تنتبه إلى شرح المعلمة. تلاحظ المعلمة شرود سهيلة).
المعلمة: سهيلة، هل فهمت الدرس؟
سهيلة: نعم، فهمته يا معلمتي.
المعلمة: إذن أجيبي على السؤال المكتوب على السبورة.-
سهيلة: (تقرأ السؤال تكرر قراءته كلمة كلمة. تنظر في يأس إلى معلمتها) أنا لا أعرف الإجابة على هذا السؤال.
المعلمة: (للطالبات) من تعرف الإجابة؟
(ترفع جميع الطالبات أيديهن)
سهيلة: (تنكس رأسها خجلًا).
المعلمة: سأعيد الشرح مرة أخرى، وانتبهي هذه المرة يا سهيلة فأنت من المتفوقات.
(المعلمة تعيد الشرح، وتعود سهيلة للشرود مرة أخرى والطالبات يلاحظن شرودها).
(يدق جرس الفسحة، تخرج الطالبات إلى الفناء وتبقى سهيلة وحدها حبيسة مقعدها والذي انكفأت عليه وتذهب في النوم بعض الوقت).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني/ المشهد الثاني: في حجرة التربية الفنية
معلمة التربية الفنية: (للطالبات) مع كل واحدة منكن نشاط عليها أن تنفذ المطلوب فيه. هيا ابدأْنَ ولا تنسوا أن هناك مسابقة في الرسم على مستوى الجمهورية تحتاج إلى مهارتكن.
طالبة: مسابقة! رائع.
طالبة أخرى: لابد من الاستعداد الجيد.
طالبة ثالثة: سأبدأ الاستعداد من الآن.
المعلمة : (تدنو من سهيلة) نأمل أن تفوزي فيها كما فزت في العام الماضي.
سهيلة : (تهز رأسها، دون أن تتكلم).
الطالبات منهمكات في الرسم كل حسب النشاط الذي معها. سهيلة شاردة، لوحتها بيضاء، واكتفت بأن تقلب النظر في لوحات زميلاتها.
المعلمة: (وهي تدور بين الطالبات) رائع .. أبدعت .. ركزي في التلوين .. ضعي خطًا منكسرًا هنا .. هذه الألوان غير مناسبة. (تتوقف عند سهيلة) لماذا لم ترسمي حتى الآن يا سهيلة؟
سهيلة: (تمسك بريشتها ولكن بطريقة خاطئة) سوف أرسم.
المعلمة : (تدير لها الفرشاة في يدها) ما لي أراك شاردة؟ هل أنت مريضة؟
سهيلة: لا، أنا بخير. بخير يا معلمتي.
(يدق جرس الفسحة، تخرج الطالبات، وتبقى سهيلة وحدها داخل حجرة التربية الفنية).
(سهيلة تمزق بعض اللوحات لزميلاتها، تشوه البعض الآخر بدلق الألوان عليها، وتكسر بعض الريشات. ثم تغادر الحجرة).
(بعد الفسحة، تدخل الطالبات حجرة التربية الفنية، يفاجأن بهذه الكارثة التي حلت بمرسمهن ورسوماتهن وألواحهن وأدواتهن).
(-صيحات توعد وحنق وغضب)
طالبة: مَن فعلت هذا بمرسمنا؟
طالبة ثانية: لا شك أنها حاقدة.
طالبة ثالثة: أو مريضة.
طالبة رابعة: لابد أن نرفع أمرها إلى مدير المدرسة.
طالبة خامسة: لن نرضى إلا بفصلها.
طالبة سادسة: وماذا يغني فصلها وقد تنمرت بجهدنا ومزقت لوحاتنا، والتي تعبنا فيها.
(تتدخل المعلمة وهي ترمق سهيلة بنظرات عاتبة)
-المعلمة: على رسلكم، دعوا الأمر لي، وأنا سأعالجه بطريقتي. والآن اصعدْنَ إلى الفصل.
(تخرج الطالبات في تذمر وحزن وهم يلقين نظرة أسى إلى لوحاتهن الممزقة وإلى رسوماتهن المشوهة).
المعلمة: سهيلة، انتظري، أريد التحدث معك.–
(تتوقف سهيلة في وجوم دون أن تنطق بكلمة)
المعلمة: أليس من العجيب أن تظل لوحتك دون أن يصيبها ما أصاب لوحات زميلاتك؟
سهيلة: وما العجيب في هذا؟ إنها خاوية من أي رسم كما ترين.
المعلمة: حقًا، أنت على صواب، لو كانت لوحتك مرسومة وملونة ما جرى للوحات زميلاتك ما جرى.
سهيلة: هل تتهمينني بأنني فعلت ذلك بلوحات زميلاتي؟
المعلمة: لا، أنا لا أتهمك بشيء. يمكنك اللحاق بزميلاتك إلى الفصل.
(تغادر سهيلة، وتغادر المعلمة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث/ المشهد الأول (حجرة سهيلة)
(الحجرة فوضى على غير العادة، بقايا طعام عفنة في جنبات الغرفة، ملابسها متناثرة على الأرض والمقعد والمكتب الصغير. سهيلة مستلقية على سريرها، غطاؤها قد سقط على الأرض وبالرغم من برودة الجو إلا أن ثيابها خفيفة، وبيدها الأيفون، وعلى منضدة صغيرة ملاصقة للسرير توجد بعض الأغراض: مقص ومشرط وأقنعة للمذءوبين).
(مكتوب على شاشة الجوال:
“لقد نجحت في اجتياز الاختبارات السابقة بنجاح. والآن سأمنحك فرصة أن تعيشي تجربة المذءوبين لتحصلي على الخلود، فلا تموتين، دمك هو سر الحياة”.
تضغط سهيلة على أيقونة “موافق” فتظهر هذه الرسالة: “هيا مزقي وريد يدك اليمنى، وتلذذي بمذاق الدماء”.
(سهيلة تمسك بالمشرط وتحدث قطعًا في معصمها، وتلتهم بشكل هستيري الدماء التي تسيل منها).
صوت الأم من غرفة الطعام: سهيلة، سهيلة، العشاء يا ابنتي، هيا أغلقي كتابك وتعالي لتناول وجبة العشاء.
سهيلة: (وهي لا تزال تلتهم الدم السائل من معصمها) أنا شبعانة يا أمي، لقد تناولت المزيد من الفاكهة ولا شهية لي للطعام الآن.
صوت الأم: على كل حال، الطعام في الثلاجة، عندما يقرصك الجوع أيقظيني لأعده لك.
سهيلة: شكرًا يا أمي. تصبحين على خير.
الأم: تصبحين على خير. أحكمي الغطاء عليك جيدًا فالجو شديد البرودة.
سهيلة: (دون أن تنتقل من مكانها) حاضر يا أمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث/ المشهد الثاني (حجرة سهيلة)
(سهيلة تقف وسط الغرفة وتحطم لعب أخيها الصغير نبيل. يدخل نبيل الحجرة، فيفاجأ بأخته وهي تحطم قطاره الصغير).
نبيل: ماذا تفعلين بالقطار. (ينظر إلى لعبه المحطمة في هلع ويصرخ في أخته) لماذا حطمتي كل لعبي؟
سهيلة : (تلقي بالقطار في عنف على الأرض) أنالا أحب هذه الألعاب الغبية. (تنظر إلى أخيها شزرًا) ولا أحبك أنت.
نبيل: أنت شريرة، (يتشابكان.. يعلو صياحهما) سأخبر أبي.
سهيلة: أخبر مَن تشاء، فأنا لا أهاب أحدًا. (تعوي كما يعوي الذئب، يفر نبيل صارخًا)
نبيل: أبي، أبي، انظر إلى سهيلة، لقد حطمت لعبي.
الأب: (يدخل الحجرة ويشاهد الألعاب المحطمة) ما هذا الذي فعلتيه يا سهيلة؟ لماذا حطمت هذه الألعاب بتلك القسوة والعنف؟
سهيلة: (تتقوقع في فراشها) وتنتحب بشدة.
(يجمع نبيل حطام ألعابه، ويخرج الأب يضرب كفًا بكف آسفًا على ما حدث)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث / المشهد الثالث: (غرفة الطعام)
(الأسرة مجتمعة على وجبة الغداء. سهيلة ترمق الأطباق ولا تأكل منها شيئًا. والدها يلاحظ شرودها)
الأب: (لابنته) لماذا لا تأكلين يا سهيلة؟
سهيلة: أنا، أنا آكل.
الأب: الطعام أمامك كما هو؟ هل أنت مريضة؟ هل تشتكين من شيء؟
سهيلة: (بابتسامة فاترة) لا، كل شيء على ما يرام.
(تنهض سهيلة) أستأذن سأذهب لحجرتي.
(تذهب دون أن تنتظر إذنًا من أبيهًا).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الرابع/ المشهد الأول: (حجرة سهيلة)
(يدخل الأب حجرة سهيلة، يجدها منكفئة على الأيفون. ما إن تشعر بوجود والدها حتى يبدو عليها الارتباك وتغلق الجوال فورًا)
الأب: ماذا كنت تفعلين؟
سهيلة: كنت أتصفح ب-عض المواقع المسلية.
الأب: ولماذا لم تذاكري دروسك أولًا؟
سهيلة: لقد أنهيت جميع واجباتي يا أبي.
الأب: أحقًا ما تقولين؟
سهيلة: هل تكذبني يا أبي؟ ألست ابنتك المتفوقة؟ التي تحقق أعلى الدرجات كل عام؟
الأب: تقصدين في الأعوام التي مضت.
سهيلة: وهذا العام كذلك، أعدك يا ..
الأب: (مقاطعًا ابنته) بم تعدينني؟ لقد أرسلت المدرسة اليوم خطابًا بدرجات الشهر المتدنية. كما أعلنتني معلمة التربية الفنية بإلغاء مشاركتك في المسابقة، وأخبرتني بما صنعتيه بلوحات زميلاتك الأسبوع الماضي.
سهيلة: أبي، أنا…
الأب: (مقاطعًا) هل هناك أحد يتنمر عليك؟ هل تخشين من أحد؟
سهيلة: (تتقوقع على فراشها وتحكم ضم ركبتيها بذراعها) لا يا أبي، ليس هناك من يتنمر عليَّ. أنا فقط أشعر -بالتعب. أريد أن أنام. (تدفن رأسها في حجرها).
الأب: سأرسل لأمك كي تعتني بك.
سهيلة: (ولا تزال رأسها في حجرها) كم أنا في حاجة شديدة إليها.
(يخرج الأب وينادي- على زوجته، ويتحدث إليها بخصوص سهيلة. فتدخل الأم حجرة ابنتها فتجدها قد نامت. تضع الغطاء عليها وتحكمه ثم تغادر الحجرة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الرابع/ المشهد الثاني: (حجرة سهيلةَ)
الأم: سهيلة، سهيلة، هيا استيقظي لقد تأخرتِ. موعد المدرسة اقترب. وأنت لم تتناولي إفطارك بعد.
(يمر نبيل أمام أمه عابرًا الحمام إلى الصالة)
الأم: نبيل، لو سمحت، أيقظ أختك من نومها لتتناول الإفطار.
نبيل: حاضر يا أمي.
(يدخل نبيل حجرة أخته ثم يخرج مسرعًا صارخًا)
نبيل: أمي، أمي، أدركي سهيلة.
(تدخل الأم مسرعة وخلفها الأب. سهيلة في فراشها يسيل منها الدم، بينما الجوال مفتوح على اللعبة القاتلة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الخامس/المشهد الأول (في المستشفى)
(سهيلة راقدة على السرير وبجانبها والداها وحولهم الأطباء والممرضات)
الطبيب (للأب): هذه ليست أول حالة من هذا النوع. لقد انتشرت حالات الانتحار بسبب هذه اللعبة القاتلة.
الأب: وكيف تمكنت هذه اللعبة من السيطرة على الأطفال والمراهقين بهذه الدرجة الكبيرة.
الطبيب: هذه اللعبة مصممة بحيث تستهوي الأطفال والمراهقين، وفي كل مرة يدخلون اللعبة يُطلب منهم مهمة لتنفيذها ويتدرجون معهم حتى اليوم الخمسين.
الأب: وماذا يحدث في اليوم الخمسين؟
الطبيب: في هذا اليوم يُعلِّمون ضحاياهم الانتحار.
الأم: (في دهشة) الانتحار!
الطبيب: نعم، ومن يرفض الاستجابة يهددونه.
الأب: يهددونه؟
الطبيب: نعم، تهديدهم لضحاياهم بنشر صورهم الخاصة على الإنترنت وبعض الفيديوهات المشينة لهم.
الأب: وخوفًا من الفضيحة يؤثرون الانتحار والموت، وينهون حياتهم بأيديهم.
الطبيب: للأسف، هذا ما يحدث، تنمر إلكتروني يهدد شبابنا وفتياتنا.
الأم: تنمر نفسي وأخلاقي وتدمير لأجيال كاملة بل تدمير للأوطان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الخامس/ المشهد الثاني: (في الفصل)
(سهيلة وقد عادت إلى مدرستها منذ أيام، تجلس على مقعدها منتبهة لشرح المعلمة)
المعلمة: والآن، ستقوم سهيلة بإعادة شرح الدرس عن طريق استراتيجية المعلمة الصغيرة.
(تخرج سهيلة إلى مقدمة الفصل، وتشرح الدرس، وبعد الشرح تصفق لها الطالبات)
(تدخل مديرة المدرسة) وتسأل: أين سهيلة؟
(تقف سهيل، المعلمة تشير إليها)
المديرة: لقد فزت بالجائزة الأولى في مسابقة الرسم، وسيتم تكريمك في حفل بحضور السيد وكيل الوزارة والسيد مدير الإدارة.
سهيلة (تبتسم) الحمد لك يا رب.
(تلتف حولها الطالبات يهنئننها). ستار

د. سعيد محمد المنزلاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *