مشروع قناة بن غوريون الحلم الصهيوني الدائم

يُتوقع أن يبلغ طول قناة بن غوريون إن أُنشئت 292.9 كم (182 ميل) أي أنها أطول بقرابة الثلث من قناة السويس (193.3 كم). تُقدر تكلفة إنشاء القناة الإسرائيلية من 15 إلى 55 مليار دولار أمريكي

على الدوام هدفت “إسرائيل” من وراء حروبها الدموية، الى التوسع والسيطرة تحقيقًا لنبوءتها التوراتية أولًا، وثانيًا للسطو على ثروات ومقدرات الدول والأراضي التي اغتصبتها مثل فلسطين والجولان، ومزارع شبعا، من مياه ونفط وسهول زراعية، أو لتنفيذ مشاريع اقتصادية عملاقة ترفع من مكانة الكيان الجيوستراتيجية، كقناة بن غوريون المائية
هذا المخطط الصهيوني القديم يظهر الى العلن من جديد، حيث بدأ يتداوله العديد من الخبراء ومراكز الفكر الغربية ـــ بالرغم من تجنب “اسرائيل” الحديث عنه حاليًا ـــ خصوصًا وأن انجازه يتطلب إبادة وتهجير سكان غزة وتدميرها كليًا، وجعلها منطقة غير صالحة للعيش تمامًا كما تحاول أن تفعل “تل أبيب” في القطاع.

ما أهمية قناة بن غوريون بالنسبة للكيان المحتل؟


في الحقيقة، ستشكل قناة بن غوريون الإسرائيلية، وتقدّر تكلفتها بين 16 و55 مليار دولار، (في حال تحققت) تحولًا كبيرًا في ديناميكيات التجارة البحرية العالمية. فهي ستكون أوسع بكثير من قناة السويس، حيث يهدف تصميمها إلى الدخول في عصر جديد من التغلب على المصاعب البحرية وتطويعها لخدمة الاقتصاد، وذلك عبر استيعاب حجم متزايد من السفن، لأن بناءها سيتم على تضاريس أصعب من الرمال في السويس.
إضافة الى ذلك، سوف تسهل القناة حركة المرور للسفن وعبورها في الاتجاهين في وقت واحد. لذا، لا يمكن النظر الى هذا المشروع على أنه مجرد تعزيز لوجستي، بل هو تأكيد عميق على نية “إسرائيل” في أن تصبح نقطة ارتكاز للتجارة البحرية العالمية.
الأكثر أهمية هنا، أنه من شأن هذه القناة الأقرب إلى الحدود المصرية، أن تعطي “اسرائيل” مزايا عسكرية لا مثيل لها، حيث ستكون بمثابة عائق دفاعي لها، فضلًا عن أنها ستمكن الكيان من تحصين دفاعاته هناك، وبالتالي توفير منطقة عازلة ضد التهديدات المحتملة الآتية عليه من الجنوب. وتبعًا لذلك، فإن مثل هذه الميزة الاستراتيجية في منطقة مضطربة، يمكن أن تعيد تشكيل ميزان القوى لصالح الكيان الغاصب.
علاوة على ذلك، يعتبر المخطط المدعوم أمريكيا، والمدفوع أيضًا بالحاجة إلى كبح صعود القوة الاقتصادية للصين، وإفشال مشروعها المستمر “طريق الحرير” الهادف إلى بناء خط قطار يبدأ من مقاطعات الصين في الغرب باتجاه غرب آسيا وتأمين الطرق المائية حول العالم.
لذا تحاول الولايات المتحدة عرقلة طريق التجارة الصيني من خلال إنشاء طريق بديل للتنافس معه، مع الأخذ بعين الاعتبار، ان المرحلة الجديدة من الصراع ستشهد حرباً اقتصادية تتمحور حول السيطرة على الموانئ البحرية وطرق التجارة العالمية


المشروع الصهيوني :
مشروع قناة بن غوريون أو القناة الإسرائيلية هو مشروع مقترح لقناة مائية في كيان الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى الربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط. يُقترح أن تسمى القناة على اسم دافيد بن غوريون الأب المؤسس لكيان الاحتلال وأول رئيس وزراء له. تُقدم القناة على أنها منافس لقناة السويس المصرية والتي مرت بمحطات كثيرة كمنع إسرائيل من الإبحار فيها وفي مضيق تيران وغلقها في 1956 و1957 وغلقها من 1967 إلى 1975 وتعطلها في 2021، وقد بلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022/2023. يُتوقع أن يبلغ طول قناة بن غوريون إن أُنشئت 292.9 كم (182 ميل) أي أنها أطول بقرابة الثلث من قناة السويس (193.3 كم). تُقدر تكلفة إنشاء القناة الإسرائيلية من 15 إلى 55 مليار دولار أمريكي.


المسار المقترح
يُقترح أن تمتد القناة من الجنوب إلى الشمال ابتداءً من خليج العقبة مرورُا بالمدينة الحدودية إيلات ثم إلى وادي عربة بمسافة تبلغ 100 كم بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية ثم تنحرف غربًا قبل بلوغ البحر الميت وحوضه، والذي ينخفض 430.5 متر عن مستوى سطح البحر حيث تتجه القناة إلى وادٍ في سلسلة جبال النقب ثم تنحرف شمالًا مرة أخرى متجهةً إلى البحر المتوسط ومتفاديةً قطاع غزة.
أعدَّت وزارة الطاقة الأمريكية ومختبر لورانس ليفرمور الوطني خطةً مقترحة في يوليو 1963 نُشرت في وثيقة سرية وقتئذٍ واقترحا فيها دفن 520 قنبلة نووية وتفجيرها للمساعدة في عملية الحفر في تلال وادي النقب، وقد رُفعت السرية عن هذه الوثائق في 1993..


ما علاقة غزة بإنشاء قناة بن غوريون؟


في تموز 1993، رفعت السرية عن وثيقة كانت وضعتها وزارة الطاقة الأمريكية ومختبر لورانس ليفرمور الوطني، تضمنت خطة لاستخدام 520 تفجيرًا نوويًا تحت الأرض، للمساعدة في عملية الحفر عبر التلال في صحراء النقب.

اللافت، أن ما تحدثت عنه الوثيقة كان عبارة عن مشروع قناة بن غوريون الذي اعتبر بمثابة الحلم للقادة الصهاينة، كونها ستربط (بحسب المخطط) خليج العقبة، بالبحر الأبيض المتوسط عدا عن أنه سينافس بقوة قناة السويس. تبدأ القناة المقترحة من الطرف الجنوبي عند خليج العقبة، مروراً بمدينة إيلات الساحلية على الحدد الفلسطينية المحتلة الأردنية، وصولًا الى وادي العربة لمسافة حوالي 100 كيلومتر بين جبال النقب، والمرتفعات الأردنية، ثم تنحرف غرباً قبل حوض البحر الميت الذي ينخفض عن مستوى سطح البحر 1412 قدماً، لتتجه عبر وادي في سلسلة جبال النقب، ومنه تمر شمالاً مرة أخرى، لتلتف حول قطاع غزة، وتتصل بالبحر الأبيض المتوسط.


ماذا عن التحديات التي تواجه القناة؟


في الواقع يواجه مشروع القناة عددًا من التحديات والصعوبات التي تعيق ولادته حتى الآن ويمكن تلخيصها بالآتي:


أولًا: معارضة الدول العربية وعلى رأسها مصر التي تقدر إيراداتها من قناة السويس بحوالي 9 مليارات دولار. وبمجرد تفعيل بن غوريون، ستنخفض إلى 4 مليارات دولار.
ثانيًا: يرجح الخبراء أن يستغرق بناء قناة بن غوريون عدة سنوات، بمشاركة حوالي 300 ألف مهندس وفني سيتم تجنيدهم من جميع أنحاء العالم.
ثالثًا: مرور القناة، عبر مجموعة متنوعة من التضاريس كالصحراء والجبل وحوض البحر الميت الذي يقع تحت مستوى سطح البحر.
رابعًا: من المرجح أن تحظى التفجيرات النووية تحت الأرض والتي ستقوم بها “اسرائيل”، بالمعارضة نظرا للأخطار التي ستجلبها على الدول المحاذية لها.
خامسًا: قد تقرر مصر توسيع قناة السويس بثلث التكلفة التي تقترحها “إسرائيل”.


سادسًا والأهم: وجود غزة التي تعد حلقة وصل أساسية للوصول الى البحر الأبيض المتوسط، كعقبة رئيسية أمام نجاح المشروع. وبالتالي فإن الكلمة الأخيرة ستكون للمقاومة الفلسطينية والتي سيقضي صمودها ومن بعدها انتصارها (كما هو متوقع) على تطلعات “تل ابيب”، وينسفها من أساسها، ويجعلها مجرد أحلام يقظة يغذي بها قادتها النازيون مخيلتهم المتعطشة للدماء دائمًا.


وماذا عن المخططات الإسرائيلية الموازية كميناء حيفا؟


من المعروف، أن التجارة بين الهند وأوروبا، اعتمدت بشكل كبير على قناة السويس. لكن بعد الاستحواذ على ميناء حيفا، ثاني أكبر ميناء في “إسرائيل”، من قبل كونسورتيوم بقيادة “مجموعة أداني” الهندية، سيتم تحويله إلى منشأة عالمية المستوى يمكن أن تكون طريقا بديلًا، إلى جانب تحدي بصمة الصين المتنامية في المنطقة. وتعقيبًا على ذلك، يقول رون مالكا، مبعوث “إسرائيل” السابق إلى الهند، والرئيس التنفيذي لشركة ميناء حيفا، إن “الهدف هو تطوير ميناء حيفا كبوابة حقيقية تربط الشرق بالغرب”.
الولايات المتحدة الأميركية الكيان الصهيوني مصر غزة
الحلم الاسرائيلي القديم والدائم هو إيجاد بديل عن قناة السويس، الممر الملاحي الاكثر اهمية في حركة التجارة العالمية والذي يستحوذ على حوالى 20 في المئة من السفن المارة في البحار، حيث تمرّ عبرها يومياً 92 سفينة وتحقق ايرادات لمصر بحوالى 9,4 مليارات دولار سنوياً (العام الماضي).
البديل عن قناة السويس المنافس الاقتصادي الاساسي لاسرائيل والعائق الديبلوماسي الاول لها على الصعيد السياسي، هو مشروع قناة بن غوريون التي تعتزم وتفشل في تنفيذه منذ سنوات عديدة بسبب تكلفته الباهظة التي لا تغطي الايرادات المتوقعة منه إلا في حالة واحدة فقط وهي الاستيلاء على غزة كاملة، وبالتالي حفر قناة تربط بين إيلات والبحر الأبيض المتوسط، لأن أرض غزة فقط هي التي تسمح بحفر القناة بخلاف أراضي المنطقة الصخرية.
لذلك، تسعى اسرائيل دائماً وأبداً، وبتأييد من الدول الغربية المستفيدة من ايجاد منافس لقناة السويس، الى القضاء على حماس نهائياً واضعاف الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم.


بالعودة الى الاحداث التاريخية، أُطلق اسم بن غوريون على مشروع القناة تيمّناً باول رئيس وزراء لاسرائيل دافيد بن غوريون الذي يعتبر مؤسس الدولة الاسرائيلية وقائد الاستيطان وقائد حرب 1948 التي يُطلق عليها الإسرائيليون، حرب الاستقلال.


الكاتب والباحث كرم فواز الجباعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *