ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدخل /
الهامش هو محمول مؤجل يُشير إلى أفكار أو أحداث غير مذكورة بشكل مباشر، لكنه حاضر كإحالات يعاد فيها انتاج السياقات أو تحطيمها)
انه ذلك الفضاء السردي الذي ينطوي على الأفكار والمشاعر والتجارب التي تُترك غير معلنة أو مُستبعدة بشكل مقصود، مما يُجعل القارئ يُشارك في بناء المعنى. هو بعيد عن مركز السرد لكنه يُعزز من عمق النص.
خصائص الهامش السردي
يتعلق الهامش بكيفية بناء النص حول ما هو غير موجود. يُظهر الفجوات في السرد كمساحات فارغة يمكن أن تحمل معاني عميقة. ويُركز على الحالة النفسية للشخصيات، والتي قد تكون في حالة من القلق أو عدم الاستقرار. هذه الأبعاد تظل غير مُصاغة بشكل كامل، مما يُعزز من شعور الغموض ومما يعزز الهامش تواجد الرموز التي تشير إلى موضوعات أكبر، مثل الخسارة أو الوحدة، لكن دون أن يتم الحديث عنها بشكل صريح.
الهامش يتجلى في التركيز على تفاصيل صغيرة أو هامشية قد لا تبدو مهمة في البداية، لكنها تُعبر عن معانٍ أعمق
كيفية تجسيد الهامش في النص:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفجوات في الحوار: عندما لا يُقال كل شيء في الحوار، يُمكن أن تُعبر هذه الفجوات عن مشاعر متناقضة أو أزمات داخلية.
المساحات الزمنية: الانتقال بين الماضي والحاضر بطريقة تترك للقارئ مساحة للتأمل في الأحداث المفقودة، بدلاً من تقديم سرد متسق.
غياب الوضوح: تقديم مشهد أو موقف دون توضيح السياق بالكامل، مما يُشعر القارئ بأنه يجب عليه أن يستنتج المعاني.
أشكال الهامش في القصة القصيرة جداً:
الهامش السردي: قد يُترك بعض الأحداث أو التفاصيل دون توضيح، مما يسمح للقارئ بملء الفراغات وتفسير المعاني.
الهامش العاطفي: يمكن أن يتواجد في شعور الشخصيات، حيث يُعبر النص عن مشاعر عميقة من خلال الإيحاءات بدلاً من التصريحات الواضحة.
الهامش السياقي: يُمكن أن يُعتمد على السياق الثقافي أو الاجتماعي الذي يحيط بالقصة ليُعطي معنى إضافيًا للنص، مما يتطلب من القارئ أن يكون واعيًا لهذا السياق.
الهامش الزمني: قد تتضمن القصة إشارات إلى أزمنة أو أحداث لم يتم ذكرها بشكل مباشر، مما يعزز من تفاعل القارئ مع النص.
الهامش كجملة مؤجلة أو سياق مؤجل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعادة التركيب:
عندما نتحدث عن “جملة مؤجلة”، فإننا نشير إلى فكرة أو حدث يتم الإشارة إليه دون أن يتم توضيحه أو ذكره بشكل كامل في النص. هذه الجمل المؤجلة تظل موجودة في ذهن القارئ وتطلب منه إعادة تركيب المعنى من خلال السياق المقدم.
استدعاء الذكريات والتجارب:
الهامش يعمل كمساحة تتيح للقارئ استدعاء ذكرياته أو تجاربه الشخصية لفهم المظاهر المعقدة للقصة. فالمشاهد أو الأفكار المؤجلة تصبح محورية لفهم خلفية الشخصيات أو الأحداث، مما يثري التجربة القرائية.
والهامش كجملة مؤجلة يمكن أن يُظهر العمق النفسي للشخصيات. على سبيل المثال، إذا كانت هناك ذكرى مؤجلة تتعلق بحادثة مؤلمة، فإن هذا يُفسر سلوك الشخصية الحالي ويُعطي فهمًا أعمق لدوافعها.
ان تعريف الهامش كجملة مؤجلة أو سياق مؤجل يُبرز جوانب مهمة في السرد القصصي، حيث يعمل الهامش كأداة لتعزيز الفهم والعمق النفسي للأحداث والشخصيات. يتيح هذا الفهم للقارئ الفرصة لاستكشاف المعاني الخفية وإعادة بناء المشهد بشكل يثري تجربته الأدبية.
ان الهامش مؤجل كمحمول ولكنه حاضر كبنية سردية ويمكن أن يتمظهر هذا المفهوم في السياق السردي كما يلي
1. الهامش كحضور غير مباشر:
الهامش، رغم كونه مؤجلاً، يبقى حاضرًا بشكل يؤثر في بنية النص. يمكن أن يكون هذا الحضور غير مباشر من خلال الإشارات، أو الصور، أو العواطف التي تدل على وجود فكرة أو حدث مهم لم يُذكر بشكل صريح. ويمكن اعتباره كجزء من بنية سردية مفتوحة، حيث تساهم في خلق توتر درامي. ويخلق ديناميكية مثيرة بين الحضور والغياب. هذه الديناميكية تعزز من مفهوم التعقيد في النص، حيث يظل القارئ في حالة استكشاف مستمرة بين ما هو مُعلن وما هو مُغفَل.
تجسيد مفهوم الهامش في نص القصة الموجزة “ذكرى”،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء في قصة ذكرى
ذاك الحجر في الحائط المنهار يرفض ان يترك مكانه
تذكر يدي البناء المتشققتين، عندما ادفأه اللون الأحمر الذي انساب منهما
لكنه سقط كما يد البنّاء .. بفكرة طائشة ..
يمكن النظر إلى عدة طبقات سردية تعكس هذا الهامش بوصفه محمولاً مؤجلاً يشير إلى معانٍ وأحداث غير مذكورة بشكل مباشر، لكنه حاضر كبنية تتيح إعادة إنتاج السياقات أو حتى تحطيمها.
1. الهامش كتجسيد للذاكرة المؤجلة:
الحجر الذي يرفض ترك مكانه في الحائط المنهار يمثل العنصر الهامشي الذي يؤجل معناه. فهو ليس مجرد حجر، بل يحمل في طياته ذكرى البناء ويديه المتشققتين، وبالتالي يخلق إحالة غير مباشرة إلى ماضٍ مليء بالجهد والألم. هذا الحجر هو محمول لذكرى البناء، لكنه مؤجل لأنه لا يُظهر كل معناه بشكل فوري بل يتيح للقارئ إعادة تفسير السياق.
2. الهامش كمحمول لذكرى الألم والفقد:
حينما يتذكر الحجر اللون الأحمر الذي تدفأ به، هناك إحالة ضمنية إلى الدماء أو الألم المرتبط باليدين المتشققتين للبنّاء. هذه الإحالة لا تُذكر بشكل مباشر، ولكنها تعمل كعنصر هامشي داخل النص يُحفز القارئ على بناء صورة نفسية موازية للمشهد الظاهري.
3. السقوط كحدث محوري وهامشي:
سقوط الحجر يعكس تحطيمًا للسياق الذي كان قائمًا بينه وبين البنّاء. رغم أن سقوطه يبدو أنه حدث محوري، إلا أنه يأتي كبناء على فكرة طائشة، مما يعزز من فكرة الهامشية؛ فالفكرة الطائشة هنا غير مذكورة بوضوح، بل تؤجل فهم السبب الكامل وراء السقوط. هذا التأجيل يعيد صياغة السياق الذي يبني عليه القارئ المعنى.
4. البنّاء كرمز للهامش الحاضر-المؤجل:
البنّاء نفسه، الذي تتشقق يداه ويفقد السيطرة على الحجر، يمثل شخصًا مؤجلاً في سياق النص. رغم دوره المركزي في بناء الجدار، إلا أن حضوره الآن في النص هو فقط كذكرى، وهو ما يجعل منه هامشًا ضمن القصة يُشير إلى وجوده دون أن يكون حاضرًا بشكل مباشر.
مخرج
الهامش هنا ليس مجرد فراغ أو غياب، بل هو مساحة مشبعة بالإشارات والعلامات التي يُعاد إنتاجها من خلال التأمل في العلاقة بين الماضي والحاضر.
الكاتب حيدر الأديب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص ذكرى جاء ضمن مجموعة نافذة بلا جدار للدكتور محمد صبيح