مقدمات..و..نتائج قراءة للأديب محمد البنا لنص * وجود حتمي *للأديب العراقي / اسماعيل الرجب


وجودٌ حتمي…
قصة قصيرة

يمزجُ التّرابَ بالماء يُحدّثُهُ ، … قم بتنقيتي من كدوراتي وشوائبي ، كي أستجيب لفكرتك ، وأكونُ طوعَ بناِنك ،اتركنيْ أعيشُ مع (البكتيريا) ، نتفاعلُ معاً لساعاتٍ طويلة في الظل ، زمناً من الوحدة والأنتظار، كي أشرّبَ الصبَروأكونُ صلباً بمواجهة طوارق الزّمن فيما بعد.
في صفحةٍ أخرى من هذا الوجود المهمل ، زوجتُه يختمرُ في صدرها الحرمان ، يخيّمُ اليأسَ على نفسها ويعكّرُ صفوَ حياتِها ، تنتظرُ خروجَ ذلك الجسد السّاخن من بين التشكيلات الطينية الباردة ليلتصقَ بجسدِها تحت غطاءٍ واحد .
_ أيُّها اللّيلُ المصفّدُ بالحرمانِ والأنتظار ، دعني أغمضُ عينيَّ قليلا ،
: تفتحُ جفنيّها بأناملِها حتّى الثلث الأخير من الليل ، وهي تصارعُ الأَرَق وتتحداه أن يحرمَها متعةَ اللقاء ، لكنَّها تستسلم له من شدّة التعب لتغيب في غياهب الموت العميقة. التكويناتُ في مشغله متنوعةٌ ، وأفكارٌ كثيرةٌ تتقلّبُ في مخيّلته يقومُ بتنفيذِها ، منها مايقفُ على رجليه وبعضُها الآخرُ ينبطحُ على المنضدة لتتفرعَ منه الأطراف، وأخرى لوحاتٌ معلّقةٌ على الحائط ، تماثيلُ تتنوّع بتنوع الحالة النفسية في يومه المتجرّد ، ليكون العبثُ بِعجينة الطينِ متعتَه الفريدة ، متعةٌ يقوم بتجسّيدها للتنفيس عن ضغطهِ الفكريّ والنفسي بأبهى صورةٍ جماليةٍ ممكنة .


كمياتٌ من الطينِ الجاهز متوافرةٌ على الدوام ، وماأكثرَ الأطيان التي تُحركُها الأرواحُ في الشارعِ والسّوق وداخل المساكن والعَمارات ، يستلهمُها ويقضي وقتَه يعجنُ الطينَ يحاكيه وتداعبُ أناملُه ملمَسَه الناعمُ أثناءَ تشكيلِه ولو كانت لديه القدرة لبعثَ فيه الروح .


هما جسدان في بيتٍ واحد لكنّ روحيهما في اتجاهين مختلفين ، تتمنّى وهي تدخلُ مشغلَه لو أنّها كتلة من الطين بين كفيه ، لكنّه يتشاغلَ عنها ، ويُرسلَ نظراتَه المتذبذبة بينها وبين تمثال افروديت الذي يشغلُ حيّزا بين تكويناته المفضلة . مرّتْ ثلاثَ سنواتٍ على زواجِهما دونَ أن تُنجب له طفلاً، فضاقت عليه الدّنيا ، ولم يسعفه الحب الذي يربطهما ، صار يتصرّف بحماقة ؛ يُلاعب أطفالا من حجرٍ ومنحوتات من سيقان الأشجار يصنعُهم ، يقذفُ باتجاههم الكرة.. يناديهم هيا ”ياوليد ، ياضياء أو أنت ياخالد ليعيدها إليَّ أحدُكم ، لكنّ الكرةَ تتدحرج تحت أقدامِهم وهم بلا حراكٍ غير رجع الصّدى وشغف الرّوح بالأولاد. ذنبُها أنَّها عقيمٌ ، ويصبح الحبُ الذي بينهما متراخياً، والعلاقة بينهما تترنّح !! يحاولان الأقتناع بأنّ حياتهما معا من الممكن أن تستمر وأنّ الرغبة بالزواج لا تنحصر بغريزة امتلاء الرّحم بالأجنّة فحسب ، وتحاول أقناعه عمليا إنّ متعة المعاشرة والحب المتبادل من الممكن أن تدوم . تدخل حين يكون هو خارج المشغل فتجعل جسد أيروس 1 ملاصقاً لجسد أفروديت وفي كل مرّة يفصلهما عن بعضهما ويعيدهما إلى مكانهما ، يدرك هو ما تُريد ، لكنّه بات يجدها تنتهي دون جدوى .


في يوم مختلفٍ دخلَ مشغَله فوجد تمثالا أفروديت وأيروس قد صارا حطاماًمتناثراً على الأرض، وتحت وطأة هذا المشهد العنيف انطلق يبحث عنها ، دخل المطبخ وهو يستشاط غضبا لمعاقبتها لكنّه لم يجدها ولم يستطع تمالك أعصابه وطفق يضرب بيديه ورجليه الصحون والأواني ويجعلُها حطاماً ، ثمّ يتجه إلى غرفة النوم فيقف مذّهولاً حين يجد تمثالها مشنوقاً ” يتدلّى”…..


القراءة

وجود حتمي/ عنوان نكرة مكون من موصوف وموصوف به، وجود تشي بموجودٍ ما له ضرورة، ولكن هل هو وجود لشيء مادي أم معنوي؟…هذا ما نعتقد ويجب أن نجد إجابته في متن النص.

  • المتن :

الزوجة عقيم؛ إرادة الله ولا راد لما أراد، ولكن الزوج يريد أولادًا! فهل سعى لإنجابهم والحلول متاحة ؟!…

نجد النص يعبر بقوة عن احتياجه (يُلاعب أطفالا من حجرٍ ومنحوتات من سيقان الأشجار يصنعُهم)، وهنا أجد لفتة جيدة تستحق الإشارة إليها؛ الأطفال ذكور والحجر مذكر، المنحوتات إناث والشجرة مؤنثة، والإشارة السيميائية هنا أنه أي الزوج تمنى انجاب النوعين، هههه يا له من أناني!
لم يكن الحب عائقًا له أمام إنجابه من امرأةٍ أخرى؛ إذ أبان الكاتب بوضوح لا لبس فيه أنه – أي الزوج – عازف عن ممارسة الحب مع زوجته(جسد أيروس* 1 ملاصقاً لجسد أفروديت وفي كل مرّة يفصلهما عن بعضهما ويعيدهما إلى مكانهما)، وعاد ليؤكد على ذلك ب (يدرك هو ما تُريد ، لكنّه بات يجدها تنتهي دون جدوى .).

  • المعالجة :

التماثيل معادل موضوعي لبطلي القصة الزوج والزوجة، وللأطفال الاعتباريين.

“أيروس” هو إله الحب الجسدي عند الاغريق، وهو نفسه ( كيوبيد ) عند الرومان.
ويقال أنه ابن”أفروديت”إلهة الجمال والخصوبة، والتقاؤهما كناية عن الرغبة في العلاقة الحميمية والإنجاب، والسؤال المفصلي هنا ..لم قام بنحتهما إذا لم يكن اشتياقه للانجاب هو الدافع الرئيس والموجه النفسي ( وعي، ولا وعي) لذلك؟!…سؤال لا أجد له إجابة إلا الإمعان في جلد الذات ( ماسوخية )، وتلذذ في تعذيب الآخر ( سادية )، ليطل علي سؤال آخر ..هل يجتمعان- الماسوخية والسادية – في شخصية واحدة؟.. وأترك الإجابة للمتخصصين في علم النفس.

  • التقنية :

اعتمد الكاتب على تقنية المقدمات والنتائج كبنية فنية للتعبير عن الفكرة، كما يلي..

**الزوج :

  • زوجة عقيم // امتنع عن المعاشرة واعطائها حقوقها الشرعية.
  • صنع تماثيل لأطفال ليلاعبهم// لا يتحركون
  • يناديهم // لا يسمعون.
  • يصنع تمثالًا لأفروديت إمعانًا في إذلال زوجته // تحطمه له.

**الزوجة:

  • تتودد إليه // ينشغل عنها
  • تحاول أن تجعل مخدعهما سكنا// يتخذ المشغل مسكنًا له
  • فشل محاولاتها// انتحار
  • عودة للعنوان؛ لا أراه مناسبًا للقصة، وفشلت في ربطه بأي مبتغى سردي، اللهم إلا أن الحياة بدون انجاب لا جدوى منها! وعليه يكون وجود ذرية وجودًا حتميًا، رغم مخالفته للمنطق والواقع والدين، إلا أن يكون الكاتب أراد تأكيد هذا ، فلا نلومه ولا نعترض لأن الفكرة حصريا تخص الكاتب ولا تخصنا كنقاد.

** ملحوظة ***

-( يحاولان الأقتناع بأنّ حياتهما معا من الممكن أن تستمر وأنّ الرغبة بالزواج لا تنحصر بغريزة امتلاء الرّحم بالأجنّة فحسب)…كل مجريات النص( تصرفات الزوج) تسير في عكس هذا
الاتجاه !!!!

الأديب محمد البنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *