من “الشّيخ والبحر” إلى “الشّراع والعاصفة”دروس الأدب والحياة ل د. يوسف حطيني

(1)
كثيراً ما أطلق النقدُ الصّحفيُّ لقبَ “همنغواي الرّواية العربيّة” على الأديب السّوري الرّاحل حنّا مينة؛ وذلك استناداً إلى اشتغاله السردي المتميز بموضوع البحر، غير أنّ قبول هذا اللّقب ينطوي على تسرّع كبير؛ لأنّ البحر لم يشكّل بالنسبة لإرنست هنغواي ما شكّله لمينة، فإذا كان ذلك الأزرق موضوع رواية نالت شهرة واسعة من روايات همنغواي هي “الشيخ والبحر”؛ فإنه شكّل موضوعاً وإطاراً وخلفية لكثير من روايات حنا مينة، يبحر فيه البحّارة ويعودون، ويموتون ويعيشون، ويهرّبون السّلاح للمناضلين ضد الاستعمار، وعلى شواطئه يبني الأطفال قصور الرّمل ويهدمونها، وتلطم النّساء رجالهنّ الذين لم يعودوا. إنه، عنده، “موضوع حياة” وليس “موضوع رواية” كما هو الشأن بالنسبة لهمنغواي.
وتهدف هذه الدراسة إلى التقاط نقاط الاتفاق والخلاف بين رواية “الشيخ والبحر” التي تبدو لنا رواية فلسفية عميقة أكثر من كونها رواية مغامرات، وبين رواية “الشراع والعاصفة” التي يحتفل فيها مينة بالبطل الجمعي، ويتعامل مع البحر بوصفه إطاراً لحكايات متعددة. أمّا مسوّغ الدراسة فهو أنّ الروايتين تحكيان حكايتي صراع مع البحر، استطاع فيهما سانتياغو والطروسي الانتصار على ذلك الجبّار، بأسماكه وحيتانه وعواصفه، في معركة الحياة.
(2)
تحكي روايةُ “الشيخ والبحر” حكاية الصيّاد العجوز سانتياغو الذي ظلّ يبحر أربعة وثمانين يوماً دون أن يصطاد شيئاً. وإذ يخرج في اليوم الخامس والثمانين يتوغّل في البحر (المحيط) بعيداً عن الشاطئ، ويصطاد سمكة (تن) قبل أن تعلق في سنارته سمكة كبيرة (من نوع السيف) على عمق مئة قامة، وعندها تبدأ معركة الصيّاد مع هذه السمكة التي تناوره ببراعة في عمق المحيط، ولكنها تستسلم أخيراً لصبره وخبرته وحنكته في التعامل معها ومع خيوطه، فتضطر للارتفاع، ويتلقاها بحربونه، ويقودها إلى جانب قاربه الذي يزيد طولها عن طوله. وما أن تنتهي المعركة الأولى حتى يجد سانتياغو نفسه في مواجهة الأقراش التي تشمّمت رائحة الدم، وهاجمت السمكة تباعاً، ونهشتها، قبل أن تلاقي مصيرها المحتوم على يد الصيّاد الذي قتلها، دفاعاًعن نفسه وعن سمكته، بحربونه وهراوته ومديته ومقود قاربه، حتى وصل إلى الشاطئ، مع الهيكل العظمي الضخم الذي كان سمكة تملأ العين والأحلام.
وتدور حكايةُ روايةِ “الشراع والعاصفة” حول شخصية الطروسي الذي غرقت سفينته ذات يوم، فاضطرّ، على حبّه لحياة البحر، أن يفتح مقهىً شاطئياً، يسترزق منه، ويستقبل فيه البحارة والثوريين الذين ضاقوا ذرعاً بالاستعمار الفرنسي، وضاعوا بين دول الحلفاء والمحور.
وفي يوم ينذرُ بعاصفة مسائية، وفقاً لخبرة الطروسي، خرجت “شختورة الرحموني”، مع بعض البحارة، وكادت تغرق في موج كالجبال. ولما تأخرت بالعودة نزل الطروسي وسط العاصفة بزورق مع أربعة بحارة لإنقاذ الرحموني وشختورته، ونجح بعد جهود مضنية في الوصول إلى الشاطئ بالشختورة، والرحموني الذي كان بين الموت والحياة.
ولأن الرحموني يحفظ معروف صديقه الطروسي، فإنه يعرض عليه الشراكة في المركب، وهي الشراكة التي يوافق عليها بعد تردد؛ ليبدأ رحلاته البحرية من جديد، ليس للتجارة والربح فقط، بل لتهريب السلاح للمناضلين ضد المستعمرين الفرنسيين أيضاً.

(3)
تبدأ الروايتان من وضع مستقرّ؛ حيث يعاني سانتياغو من مجافاة الحظ له في الصيد، ويعيش الطروسي ألفة وضعه الجديد، بوصفه صاحبَ مقهى، لا بحّاراً. وجاء الإنباء عن خرق هذا الوضع المستقرّ من قبل الطروسي متأخراً عمّا هو الحال عند عجوز همنغواي؛ بسبب انصباب اهتمام همنغواي على تصعيد أزمة سانتياغو/ البطل الوحيد، بينما امتلك مينة فرصة أكبر لبناءأزمة الطروسي وسط أبطال آخرين، وصولاً إلى الأزمة التي وجد نفسه فيها متحمساً لخوض غمار البحر من جديد. بمعنى أن كسر الطروسي لوضعه المستقر جاء نتيجة حدث طارئ صنعه الظرف الجماعي، لا بسبب ظرف تمهيدي، كما هو الحال بالنسبة لسانتياغو.
غير أنّ حالتي البطلين تتشابهان بعد نهاية حالة الاستقرار، ويكون على كل منهما أن يواجه أزمته بطريقته وخبرته، من أجل مواجهة عدوّ يكشّر عن أنيابه للوصول إلى شاطئ الأمان. وقد أبدع الكاتبان أيّما إبداع في وصف تفاصيل مغامرتين تحبسان الأنفاس، وتنجحان في بناء التشويق لبنة لبنة، وتعلو أزمتاهما وتهبطان، تماماً كما كانت تفعل سمكة سانتياغو وشختورة الرحموني.
لم تبدأ مغامرة سانتياغو الحقيقية عندما اصطاد سمكة (تن) ليأكلها في أثناء رحلة صيده، ولا حين رمى خيوطه الأربعة على أعماق مختلفة، بل حين أحس بانجذاب أحد الخيوط، فأطبق يده عليه، وعرف من طريقة الجذب أنّه على “عمق مئة قامة كان سيف يأكل السردين الذي يغطي رأس السنارة”.
لقد أتيح للعجوز أن يرى السمكة في وقت مبكّر نسبياً من السرد الروائي، وهذا ما أتاح له التفكير في كيفية التعامل معها، ومهاودتها، على الرغم من أنها كانت أسيرة شبكته. “قال الشيخ: إنها أطول من الزورق بقدمين اثنين (…) إنها سمكة هائلة، ويتعيّن عليّ أن أنتصر عليها”. لذلك فإنه عاملها بحذر، ولم يشدّ خيطه كثيراً حتى لا ينقطع، منتظراً حركتها ومناوراتها التي ستملأ خياشيمها بالهواء، وتجبرها على الارتفاع، ليطعنها بحربونه، ويرافقها إلى جانب القارب؛ فهو لا يستطيع حملها إلى قاربه الذي تفوقه حجماً.
ويستمر عرض المغامرة التي تتعقّد، مع وصول أول قرش أكل جزءاً من السمكة؛ ليطعنه العجوز بحربونه، ثم مع وصول قرشين آخرين، قتل الأول منهما بحربونه الذي أخذه القرش معه، ليضع الحكاية أمام ذروة جديدة، بعد أن فقد العجوز سلاحه الأكثر فتكاً؛ لذلك كان عليه أن يجابه القرشين التاليين بالمدية التي ينكسر نصلها أخيراً؛ ليجد أن الأقراش قد نهشت ربع السمكة الأشهى لحماً؛ فيقول نادماً: “ليتني لم أوقع هذا السيف في شركي”. ويكون عليه أن يحارب الأقراش الباقية التي شمّت عبق دم السمكة بالمحجن والمجدافين ومقبض السكّان والهراوة القصيرة التي كان يضرب بها الأقراش على رأسها بعد أن تناور في التهام ما تبقى من السمكة: “كانت الأقراش تنقض على هيكل السمكة العظمي كما يتهافت الفقراء على بقايا المائدة”.
وعلى الرغم مما حاق بالسمكة فقد ظلّ الصياد العجوز متفائلاً، ومصرّاً على مواصلة الطريق: ما دام القارب سليماً، “باستثناء مقبض السكّان، ومن اليسير أن أستبدل به غيره”. وما استسلامه للرقاد في نهاية الرواية وهو يحلم بالأُسود (حيث إفريقية: موطنه الأصلي) سوى استراحة محارب ينتظر رحلة جديدة كتلك الرحلة التي كان يعدّ لها الطروسي في نهاية “الشراع والعاصفة”.
لقد عمل الطروسي في المقهى، وهذا إطار مكاني نموذجي مفتوح وقادر على تصوير الصراعات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي تشهدها البلاد، وقد برز دوره على أكثر من صعيد. غير أن ما يهم الدراسة هنا هو التركيز على المغامرة البحرية التي تقابل مغامرة العجوز سانتياغو؛ فقد خرجت شختورة الرحموني في جوّ عاصف، و”لا بدّ من خروج زورق الإنقاذ. الريح غربية شديدة، ولا يمكن للشختورة أن تخلص وحدها”، وكان لا بدّ من ريّس للزورق الذي لا يريد له رئيس الميناء أن ينطلق في هذه العاصفة:
“وساد الصمت لحظة حتى قطعه صوت الطروسي قائلاً: أنا أنزل يا ريّس”، ثم انضمّ إليه الفتى أحمد، وثلاثة بحارة آخرين، واستسلم رئيس البحارة للأمر الواقع، وخاض الزورق غمار العاصفة محفوفاً بالدعوات: “وقالت امرأة الرحموني، وهي ترفع يديها إلى السماء: ليحفظكم الله، ويكون معكم”.
وتتوتر الحكاية، وتتعدد الذرى المفتوحة على أكثر من احتمال، فقد رأى الشباب مجدافَيْ شختورة الرحموني، وهذا مؤشر سيئ قد يعني غرق السفينة وموت البحارة، ثم شاهدوا الشختورة نفسها، وليس فيها أحد، وهنا يقرر الطروسي أن ينقذ الشختورة، ويطلب إلى بحارته أن يعودوا بالزورق إلى الشاطئ، مُسنداً الرياسة إلى رجب الخبير في شؤون البحر، ناصحاً إياه: “اذهب مع سابلة الموجة حتى تنتهي الدورة، ويستقيم لك خط السير، وبعد ذلك في حفظ الله إلى الشاطئ”.
وهكذا يقفز الطروسي من الزورق، ويتبعه أحمد الذي يقرر الالتحاق به، ويغدو إيصال الشختورة شبه الغارقة إلى الشاطئ، على الرغم من خرابها، علامة انتصار توازي وصول الهيكل العظمي للسمكة إلى الشاطئ في رواية “الشيخ والبحر”. غير أن ذروة أخرى جديدة تظهر على احتمال حياة وموت، حين يجد الطروسيُّ الرحمونيَّ ما يزال في شختورته: “مدّ الطروسي يده إلى الرأس المتدلي، فرفعه، كانت العينان قد انطبق جفناهما في همود، كأن دقات القلب قد توقفت، وحمّ القضاء، فوضع كفه على الصدر، وجسّ النبض، وتأكد أن حركة بطيئة من التنفس ما زالت تتردد”.
وقد أضفت سيارات الإسعاف التي تلت وصول الصيادين الثلاثة، جواً من التشاؤم أتاح للمشاعر أن تنطلق من عقالها، “فهرع البحارة والصيادون من المقاهي إلى الرصيف الداخلي، ظنّاً منهم أنّ الغرقى لفظهم البحر، وبكت نساء المفقودين، ولطمن خدودهن، وتجمهر الذين كانوا في الميناء”.
غير أن هذه المغامرة تنتهي على خير، وتصل الشختورة، وعلى متنها الطروسي والرحموني الذي كان بين الموت والحياة إلى الشاطئ؛ حيث يتلقى الأخير العلاج في المشفى، وتكمل الشخصيات سيرتها الروائية إلى نهاية الحكاية.
(4)
تقود الحكايةَ في رواية “الشيخ والبحر” نحو نهايتها شخصيةٌ متفردة وشبه منفردة، هي شخصية سنتياغو، بينما تتقاسمها شخصيات متعددة في “الشراع والعاصفة” إلى جانب الطروسي. غير أن البطلين، على الرغم من تباين تأثيرهما في السرد، يشتركان في كثير من الملامح، من مثل الشجاعة والخبرة والثقة بالنفس، وغير ذلك مما سيتم التفصيل فيه.
يملأ سانتياغو فضاء الرواية من كلمتها الأولى إلى الأخيرة، فيظهر قبل البدء بالرحلة “معروقاً شاحباً انتشرت في مؤخر عنقه تجاعيد عميقة، وعلّت خديه القروح السمراء الناتئة (…) وكانت في يديه ندوب عميقة الغور خلّفتها الحبال التي علّقت في أطرافها ضروب من الأسماك الثقيلة”، بينما تظهر عيناه “مبتهجتين باسلتين”، وغير ذلك من الصفات الجسدية والنفسية التي يتيحها السرد قبل البدء بالمغامرة، أمّا بعد المغامرة فيحتل الفعل مكان الوصف في تقديم ملامح العجوز الذي يظهر واثقاً بنفسه منذ البداية، وغير مستثار من بعض الصيادين الشباب الذين كانوا يسخرون منه، فـ “ذلك لم يستثر غضبه قط”؛ لأنه كان يدرك أنه يستطيع أن يبلغ مدى لا يبلغونه، ففي حوار مع الفتى مانولين الذي كان مساعده فيما مضى من الأيام يسأله الفتى عن وجهته، فيجيب: “إلى أبعد ما أستطيع”.
لقد كانت ثقته بنفسه حاضرة دائماً، مع تواضع لا يخفى على القارئ؛ إذ يسأله الفتى في حوار آخر عن قدرته على اصطياد سمكة كبيرة، وهو العجوز الهرم، فيقول: “أظن ذلك، وإلى هذا فهناك حيل كثيرة”. بل إنّ هذه الثقة تمتدّ وتتسع لتشمل الثقة بقدرة الإنسان عامة؛ فغايته من صيد السمكة الكبيرة والسيطرة عليها هي أن يريَها “أي شيء يستطيع أن يعمله الإنسان، وأي مشقة يستطيع أن يحتمل”.
ويتقاسم العجوز صفة الثقة بنفسه وبالآخر مع الطروسي، كما سنرى لاحقاً، متلازمة مع صفة الإصرار على تحقيق الهدف على نحو ما نرى في السياقين التاليين:
• “أيتها السمكة، سوف أبقى معك حتى تحضرني المنية”.
• “وأدركه حس الإغماء قبل أن يخاطب نفسه: وهكذا فسوف أكرر المحاولة من جديد”
يُظهر السرد تناسقاً عجيباً بين صفات الطروسي الجسدية والنفسية، فها هو ذا أبو محمد يتابعه “مشوقاً إلى حركاته التي لم تذهب برشاقتها الأعوام: الجسم الأسمر الضامر بغير هزال، والوجه النحيل البيضوي بذقنه المستديرة، ونظرته الجارحة، وأنفه الأقنى، وهذا الجرح الذي يشطر الخد الأيمن، ويترك أثره عليه، وهاتان الكتفان المجتمعتان المتحفزتان أبداً لمواجهة خطر مجهول”.
ويفرض الطروسي، بقوة شخصيته احترامه على مجتمع الرواية، بمن فيهم أصحاب النفوذ الإقطاعيين أو الذين تدعمهم فرنسا. وإذا لم يحترموه فهم يهابونه، على أقل تقدير، وما ذلك إلا لأنه يثق بنفسه في مواجهتهم.
وتنعكس ثقته بنفسه على الذين يتعاملون معه، فيشعرون معه بالثقة والأمان، في البرّ؛ حيث مراقبة المستعمر وأذنابه لصيقة بالجميع، وفي البحر؛ حيث تحفّ بهم الأمواج كأنها الجبال. لذلك فمن الطبيعي أن يشعر البحّارة بالفراغ الذي يتركه غيابه حين تركهم ليعودوا بالزورق إلى الشاطئ، وقفز إلى البحر من أجل إنقاذ شختورة الرحموني. وبينما راح زورقهم يبتعد عنه: “تفرّسوا فيه، وهم يبتعدون، وتلفتوا إلى مكانه الفارغ بينهم فوجدوه أكبر مما كانوا يتصورون”.
لقد كوّن الطروسي ثقته بنفسه، وثقة الناس به، من خلال علاقته مع البحر؛ فهو يحترم البحر ولا يتحدّاه؛ لأنه يعرف جبروته. وهو، في الوقت ذاته، “لا يتراجع، ولا يهرب، ولا يخشى البلل، وحين تأتيه الموجة يكتفي بالقفز، مستثيراً البحر ليتابع لعبته بعنف أشدّ”. حتى إنّ أصحابه يثقون به، وبشكل خاص أبو محمد الذي يعمل في المقهى، فقد كان واثقاً من انتصاره على الأمواج التي حاصرت الرحموني وشختورته وبحارته. يختصر أبو محمد ثقته بقوله: “هو يعرف شغله، فلا تخافوا عليه””.
إلى ذلك فقد أثبت الطروسي شجاعة فائقة في البر والبحر على السواء، حين انتصر بخيزرانته على صالح الذي كان يحمل مدية ومسدساً، وحين تنازل عن حقه في المحكمة دون ضغط أو دون انتظار منّة من أحد، أما في البحر فقد كان ريّساً مقداماً، حين أعرب لرئيس الميناء عن استعداده للنزول في العاصفة من أجل إنقاذ البحارة العالقين، وحين ترك زورق الإنقاذ، وطلب إلى الرحالة الإسراع نحو الشاطئ، بينما قفز وسط الأمواج لإنقاذ شختورة الرحموني.
الثقة بالنفس وقوة الشخصية والشجاعة إذاً صفات تتلامح في الطروسي وسانتياغو، فكأنهما قُّدا من طينة واحدة، ولا يمكن لقارئ “الشيخ والبحر” أن ينسى ما فعله العجوز في معاركه الشجاعة مع الأقراش.
ومن الطبيعي أن يشترك البطلان في كل هذه الملامح ما داما يستندان إلى خبرة طويلة في مهنة الصيد ومصطلحاته، وفي أنواع الأسماك وخصائصها، بالإضافة إلى دراية واسعة في أحوال الجو وتقلّباته، فإذا تأملنا استنتاجات العجوز وجدناها تشير بوضوح إلى تلك الخبرة؛ فقد استنتج أن الأضواء العجيبة التي أحدثها انعكاس الشمس على صفحة الماء يُؤْذن “بأنّ الجو سوف يكون جيداً، وكذلك أفادت أشكال السحاب المخيمة على البر”، كما استنتج أن الأحوال الجوية سوف تسوء “بعد ثلاثة أيام أو أربعة، ولكن ليس الليلة ولا غداً”، كما “تطلّع إلى النجوم كي يتحقق من الوجهة التي يتخذها”، حتى إنه أبدى في تعامله مع السمكة بعد أن أكلت الطعم كثيراً من المرونة، فأرخى الخيط، وشده حسب أحوال السمكة نفسها، ومن ذلك قوله: “ولقد كان في استطاعتي أن أشد الخيط، ولكني أخاف أن تقطعه السمكة”، وقوله: “هو ذا في أوج دورانه الآن. ثم فكّر: ينبغي أن أتشبث بالخيط ما استطعت، فلا ريب في أن الإجهاد يضيّق نطاق دورانه مرة بعد مرة، ولعلي أن أوفق بعد ساعة إلى رؤيته”.
ويتضح لنا من خلال عدم استعجاله ظهور السمكة المطّرد على سطح الماء، والمرونة التي يبديها تجاه ذلك، أنه لا يستعجل النتيجة، ولكنه يعرفها مسبقاً: “وقال في ذات نفسه: لقد وثب السيف أكثر من اثنتي عشرة مرة حتى الآن، وملأ الجيوب المرصوفة على طوال ظهره بالهواء، وليس في استطاعته أن يغوص ليموت في أعماق البحر؛ حيث أعجز عن إخراجه. إنه سوف يبدأ وشيكاً في التحويم، وعندئذ يجيء دوري في سوقه إلى المكان الذي أشاء”.
وتتجلى خبرة الطروسي في البحر من خلال سياقات متعددة، ومنها السياقان التاليان:
• “من نظرة إلى البحر، والمركب يجري، يعرف كم الساعة، ومن مدينة إلى أخرى يعرف المسافات بالساعات (…) إن له كفه التي ما إن رفعها مرّة إلا عرف مجرى الريح وتقلباتها، وله قدمه التي تدرك من اهتزازات الماء ما سوف يكون عليه البحر”.
• “اهتزت الفلوكة اهتزازات غير عادية. ما معنى هذا؟ هل تغيرت الريح؟ استدار الطروسي ونظر صوب الغرب، ثم رفع كفّه في مسرى الريح، وقال: لا يمكن أن يكذب ظني، شباط غدّار. ونادى أبا محمد قبل أن يبتعد: إذا كان البحارة في المقهى، فقل لهم: لا تتعمقوا اليوم. الليلة نوء”.
وتبدو خبرة الطروسي خلال تعامله مع الموج في أثناء العاصفة، على نحو ما نجد في السياق السردي التالي: “هورسا.. هورسا. خفف السرعة يا معلم إسماعيل. الريح تغيرت يا شباب. سأتوجه شمال شرق، وأدور حول الجون حتى نتفادى الخطر”.
وها هو ذا، يحدّث رفاقه في تلك الرحلة قائلاً: “آن أوان الانعطاف في خط شمالي يميل إلى الغرب؛ حتى تصبح الريح في مؤخرة الزورق، وبذلك ندرك الرحموني قبل فوات الأوان”.
وثمة صفة أخرى يمتاز بها سانتياغو والطروسي هي الإيمان العارض بالله، أو ـ بشكل أدق ـ التعبير عن حرارة هذا الإيمان في ساعات الحاجة، ويمكن التمثيل بسياقات متعددة من “الشيخ والبحر” يلجأ خلالها العجوز إلى ربّه راجياً مساعدته في تحقيق ما يسعى إليه، ومن ذلك:
• “لقد أقبلت عليها.. يا إلهي.. ساعدها على التهامها”.
• “يا إلهي ساعدني على طرد هذا التشنج؛ لأني لا أدري ما الذي ستفعله السمكة”.
ويمكن أن نجد سياقات أخرى يتعهّد فيها العجوز لله سبحانه بتلاوة النصوص المقدسة، حين يخرجه منتصراً من هذه المعركة؛ على نحو ما نجد في السياقين التاليين:
• “أنا لست تقياً ولكنّي خليق بأن أتلو (أبانا) و(السلام عليك يا مريم) إذا وفقت إلى اقتناص هذه السمكة”.
• “لم يكن في وسعي أن أخذل نفسي وأموت، وأنا أصطاد سمكة مثل هذه. أما وقد وُفّقتُ أن أقودها على هذا النحو البارع فساعدني، يا إلهي، وأمدّني بالقوة على الاحتمال، وأنا أعد بأن أتلو صلاتَيْ (أبانا) و(السلام عليك يا مريم) مئة مرة”.
كما يمكن أن نشير إلى المظهر ذاته في رواية “الشراع والعاصفة”، وإن كانت مظاهر التدين أكثر بروزاً في مجتمع الطروسي؛ فالمجتمع يسعى إلى بدء أي مشروع جديد بمباركة دينية، حتى وإن كانت شكلية. ولعلنا نشير هنا إلى السياق التالي الذي يتحدث عن نزول مركب جديد إلى العمل في البحر: “وعلى الجانب الأيمن وفي مقدمته طُبعت بالدم كف بحار عملاق؛ ذلك أن صاحبه ذبح خروفاً فدية عن مركبه، وتذكاراً. فغمس بحار كفه بالدم ودمغ الخشب وهو يقول: باسم الله مجراها ومرساها، اللهم احفظه من الحرق والغرق، وتعهده بعنايتك ورعايتك يا أرحم الراحمين. فأطلق البحارة همهمة يمازجها الخشوع: آمين. يا رب العالمين”.
على أنّ ما استمطره سانتياغو من رحمات إلهية، يفسره سياق روائي يتحدث فيه سليم الرحموني عن أخلاق البحارة التي لا تتغير “صلاة في وقت الشدة، وكفر في وقت الرخاء. في البحر يسجدون لله، ويمزقون قمصانهم، وينذرون النذور، وعلى البر يحرقون الدين كما يحرقون ورق السيكارات”.
(5)
ومثلما يحترم سانتياغو قوة عدوّه الطارئ/ السمكة والأقراش، فإنه يحترم قوة صديقه البحر/ المحيط الذي يمكن أن يصبح عدواً في أية لحظة، وهو يهابه، ويعرف أنّ لطفه وهدوءه قد يتغيران؛ لأنّ “في استطاعته أن يصبح وحشياً، وحشياً إلى أبعد الحدود، وفي مثل لمح البصر”؛ لذلك يُبدي امتعاضه من أصحاب القوارب البخارية الذين يسمون المحيط بحراً، ويتحدثون عنه بوصفه مكاناً وعدواً، أما هو فيسميه بحرة، كما يفعل الأسبان حين يعشقون البحر، “ولكن الشيخ لا يفكر فيه إلا ككائن مؤنث، وإلا كشيء يهب المنن الجزيلة أو يحبسها”.
إن هذا الموقف من البحر يتكرّر عند الطروسي وعند شخصيات مينة الأخرى، بل يغدو أكثر توتراً؛ لأنّ الطروسيّ وأصدقاءه رأوا من غضب البحر ما لم يره سانتياغو. وعلى الرغم من ذلك الغضب فقد ظلّت صورتا البحر ماثلتين في السرد؛ إذ يمكن أن نقرأ في “الشراع والعاصفة” السياق التالي الذي يعبّر عن هدوء البحر: “لقد سكن البحر الآن. فعل كل ما يمكن أن يفعله في الشتاء، وأخلد إلى الراحة في الصيف، ومع أنه خسر جولة مع الطروسي في شباط من هذا العام، ومع أن له ثأراً معه ما يزال، فإن مرآه الآن لا يدل على الحنق أو الرغبة في الانتقام”.
غير أنّ البحر “الوادع، المتموج في هدوء، المبتسم على استحياء لا يظل هادئاً مبتسماً دائماً. إن للصبر نهاية”، وهو عند الطروسي مدرسة فـ “إذا لم يتعلم الإنسان من البحر، فلا أمل له في التعلم أبداً”. والطروسي يحب البحر ويراه ملكاً متوّجاً؛ فـ “البحر ملك، يقولها بكل ما في وجدانه من إيمان بها”؛ لذلك تراه ممتعضاً من ابن الجمل، كما امتعض سانتياغو من أصحاب القوارب البخارية؛ فقد أبحر رغم تحذيرات الطروسي باقتراب عاصفة: “قلت له انتبه، فقال: لا تخف أنا ملك البحر. تأملوا ملك البحر هذا. أي البحر له ملك؟ هو نفسه ملك، بل هو ملك الملوك. قضيتُ عمري في البحر، وما تجرأت على التلفظ بكلمة مثلها”.
وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تشير إلى غضب البحر، فيمكن أن نشير إلى السياقين التاليين:
• “وتفرّس أحمد في وجه البحر، إنه بحر آخر هذا الذي يراه. ليس أزرق كما عرفه، ولا وادعاً كما كان في الصيف، ولا منبسطاً كما عهده على الشاطئ. إن فيه جبالاً وودياناً ولوناً أغبر”.
• “كانت الأمواج كالجبال، والمركب يضطرب فيها مثل طاسة، فيعلو إلى القمة، ويهبط إلى القاع”.
كما يمكن أن نرصد غضب البحر لا من خلال وصفه، بل من خلال أثره على البحارة، فقد استطاع قتلَ فؤاد الذي مات مختنقاً بالماء في قاع السفينة، ويمكن لنا هنا أن نشير إلى سياقين سرديين يظهران ذلك الأثر، في أثناء وصف عاصفة ما تزال حيّة في ذاكرة الرحموني:
• “كان البحارة يتراكضون على سطح المركب في ذعر وهياج وتأثر، وثيابهم تلتصق على أجسامهم من المطر، والمركب يتمايل ويتقلّب، ومياه البحر تجري بين أقدام البحارة، والريح تزأر بين الخام والصواري”.
• “في ساعة الشِّدة تضيع الطاسة، لا يعرف الريّس أين يقف بحارته، ولا البحارة كيف يتفاهمون مع ريّسهم، وتختلط الأصوات بعضها ببعض، والشاطر من يتمسك بما يجده بجانبه لكي لا تقذف به الريح في البحر”.
(6)
وإذا كانت رواية مينة تميزت بحشد تفاصيل الحياة الاجتماعية (بما فيها حضور المرأة) والحياة البحرية ومصطلحاتها وأغانيها، فإنّ همنغواي تميّز بالتأملات الفلسفية التي يطلقها عجوزه، وفي حواراته (الجوّانية والمسموعة) التي يوجهها إلى نفسه، وإلى السمكة وأقراش البحر.
في رواية مينة ثمة حضور لافت للمرأة: الزوجة التي تلطم غياب زوجها، والعشيقة التي يجعلها البحار مرفأً له في سفره؛ فالبحّار كما تقول الرواية “له في كل مرفأ امرأة وخمّارة”؛ لأنّ “رائحة البحر تهيّج الرجولة”؛ لذلك فقد اتخّذ الطروسي، قبل غرق “المنصورة” عشيقات منهن ماريّا، فيما تحوّلت حبيبته أم حسن من عشيقة إلى شريكة حياة. وقد أثّثَ مينة جزءاً يسيراً من فضاء سرده بمشاهدَ يفوح منها عبق اللقاءات المشتهاة، بلا إسفاف ولا ابتذال؛ ليكون ذلك إسهاماً في إعطاء لغته بُعداً اجتماعياً، بالإضافة إلى المفردات المحلية الخاصة بالبحّارة من مثل “أوكَس” و”جَوَّن”، و”هورسا” و”الخام” و”السّيّا”، والهتافات والأناشيد التي تصدح بها حناجرهم، على نحو ما نرى في السياق التالي:
“عندك بحرية.. يا ريّس!
بزنود قوية.. يا ريّس!
أبداً لا تخاف.. يا ريّس!
أبداً لا تخيّس.. يا ريّس!”.
وهكذا فقد ملأ البعد الاجتماعي حيزاً مهماً من الفضاء الطباعي في الرواية؛ بينما اعتمد همنغواي لملء هذا الفراغ، بما فيه الفراغ الذي تركه غياب المرأة، على وسائط مساعدة كالنجوى والأحلام، بالإضافة إلى اعتماده على المواقف الإنسانية، وما تثيرها من تأملات.
أعطت رواية إرنست همنغواي مساحة كبيرة للنجوى التي يفرضها الحدث الروائي المتمحور حول بطل وحيد، غير أن تلك النجوى كانت تتحول في كثير من الأحيان إلى حديث عادي بصوت مرتفع، يوجهه البطل إلى نفسه أو إلى سمكته أو إلى ذراعه أو إلى أعضائه جميعاً. وعلى الرغم من كثرة الأمثلة في هذا المضمار فإننا نكتفي بالسياقات التالية:
• “كيف حالك، أيتها اليد؟ سوف آكل مقداراً إضافياً من أجلك”.
• “والآن اسحبا أيتها اليدان، تماسكا أيتها الرجلان. وأنت يا رأسي ابق إلى جانبي”.
• “كلي هذه الأطعام أيتها السمكة، كليها، أرجوك أن تأكليها. لقد حفظتها طازجة من أجلك أنت”.
كما استعان الروائي بالأحلام التي شكّلت له وسيطاً مساعداً، لا يملأ الفضاء الطباعي فقط، بل يعيد الشيخ إلى صباه، وإلى موطنه الأصلي إفريقيا؛ حيث الشواطئ الذهبية وهدير الأمواج والأُسود التي تهبط نحو البحر:
• “وحلم بإفريقية يوم كان صبياً، وبالشطآن الذهبية الطويلة، وبالشطآن الناصعة البياض”.
• “وفي أحلامه سمع هدير الأمواج، ورأى قوارب الزنوج تنطلق من خلالها”.
• “ثم رأى في المنام أنه مضطجع في فراشه في القرية (…) وبعد ذلك أنشأ يحلم بالشاطئ الأصفر الطويل، فرأى طليعة الأسود يهبط نحو البحر في غبشة الغسق، يتبعه سائرها على الأثر”.
وإلى جانب هذه الوسائط برزت تأملات سانتياغو في أكثر من مكان؛ فالعجوز يفلسف استيقاظه المبكر، ويسوغه منذ البداية برغبة كبار السن في استثمار ما تبقى من حيواتهم: “الشيخوخة هي ساعتي المنبهة. لماذا يستيقظ الشيوخ باكراً إلى هذا الحد؟ أيفعلون ذلك لكي يتمتعوا بنهار أطول”. وهو يتأمل سلوك أسماك البحر، ويعطيها سمات إنسانية، فسمكة السيف التي علقت بسنارته، تنتمي إلى صنف وفيّ من الأسماك لا يتخلى ذكرُهُ عن أنثاه في اللحظات الصعبة، وها هو ذا يتحدث عن تجربة من تجاربه في صيد أنثى السيف التي كانت ترافق ذَكَرَها: “فما كان من السمكة التي نشب الشص في حلقها ـ السمكة الأنثى ـ إلا أن قاتلت قتالاً ضارياً مذعوراً يائساً ما لبث أن أنهك قواها. وطوال تلك الفترة أقامت السمكة الذكر إلى جانبها”.
ويمتاز سانتياغو بأنه يقدّر عدوّه ويحترمه، فهو يخاطب السمكة بقوله: “أيتها السمكة. أنا أحبك وأكنّ لك أعظم الاحترام، ولكني سوف أصرعك قبل أن ينتهي النهار”، وهو يجعل من هذا العدو كفُؤاً وندّاً، يُمكن أن يَقتُل أو يُقتَلَ، على نحو ما نجد في السياق التالي: “إنّك تقتلني أيّها السيف، ولكن لك الحق في ذلك، فأنا لم أشهد عمري كله شيئاً أكبر منك أو أجمل أو أرصن أو أنبل. أيها الأخ، هيّا اقتلني. فلست أبالي، بعدُ، أينا قتل الآخر”.
فالسمكة عدوّ، ولكنه محترم ونبيل، عدوّ مؤقّت، مثله مثل الأقراش التي هاجمته، فهو يقول عن القرش الأول الذي هاجمه: “إنه جميل ونبيل، وليس يعرف الخوف من أي شيء”، وهو لا يطمئن إلى تفوق نفسه كثيراً على الأقراش، ويشكك في ذلك إذ يقول: “إن القرش وحشيٌ وبارع، قوي وذكي، ولكني كنت أذكى منه، ولكن من يدري؟ لعلي كنت أقوى سلاحاً. ليس غير”.
لقد جعلته هذه العداوة المؤقتة يثوب إلى رشده في أكثر من لحظة إنسانية، فقد شعر بالندم لاصطياد السمكة، وأحسّ حين نهش القرش الأول لحم سمكته: “وكأن لحمه هو، هو الذي نُهِش”، بل إنه يحاسب نفسه، ويتساءل إن كان آثماً حين اصطاد تلك السمكة: “أنا لا أفهم الإثم، ولست واثقاً من أنني أومن به. لعله كان إثماً أن أقتل السمكة، برغم اني أقدمت عليه لكي أسد رمقي، وأطعم كثيراً من الناس”، وهو بذلك يضعنا أمام سؤال من أسئلة الوجود التي تجعل الكائنات تعيش في دورة غذائية متسلسلة.
ويستدعي موقف همنغواي من السمكة والأقراش إلى الذاكرة قصيدة كنتُ قد قرأتها في المقامة الأخيرة من مقامات بديع الزمان الهمذاني، وعنوانها “المقامة البشرية”. وحكاية القصيدة أن شاعراً اسمه بشر بن عوانة العبدي ذهب ليحضر مَهر ابنة عمه، فاعترضه أسد مخوف، وتصارعا فصرع بشرٌ الأسد، وعبّر بعد ذلك عن عميق احترامه له، وتقديره لشجاعته. وهذه أبياتٌ من تلك القصيدة:
وَأَطْلَقْتُ المُهَنَّد مِـنْ يَمِـيِنـيفَخَرَّ مُـجَـدَّلاً بِـدَمٍ كَـأنـّيوَقُلْتُ لَهُ: يَعِـزُّ عَـلَّـي أَنِّـيوَلَكِنْ رُمْتَ شَـيْئاً لـمْ يَرُمْـهُفَلاَ تَجْزَعْ؛ فَقَدْ لاقَـيْتَ حُـرًّا فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضْلاَعِ عَـشْـرَاهَدَمْتُ بِهِ بِناءً مُـشْـمَـخِـراقَتَلْتُ مُنَاسِبي جَلَداً وَفَـخْـرَا؟سِوَاكَ، فَلمْ أُطِقْ يالَيْثُ صَبْـرَايُحَاذِرُ أَنْ يُعَابَ؛ فَمُـتَّ حُـرَّا
(7)
نحن إذاً أمام عملين روائيين بحريين، تجمع بينهما كثير من السمات، سواء فيما يتعلق بملامح الشخصية الرئيسية وتصرفاتها، أم فيما يتعلق بالنظر إلى البيئة المضادة التي تحاول منعها من تحقيق هدفها. وعلى الرغم من اختلاف العملين في كثير من التفاصيل المتعلقة بالبيئة المضادة لمشروعي البطلين، فإنهما يقولان ـ كلٌّ بطريقته ـ الأمر نفسه: لا يمكن لأية قوة مهما عظمت أن تهزم إرادة الإنسان..
إنه ليس درساً في الأدب فقط، بل في الحياة أيضاً.

د. يوسف حطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *