يحتاج الأبناء إلى المهارات التي تُمْكِنُهُم من التَّدقيق والتَّمحيص في هذا الكمّ الهائل من المعلُومات على شبكة الإنترنت، ويحتاجُون أيضًا إلى المُشاركة بأفكارٍ مُتنوِّعةٍ غير تقليديَّةٍ، لذلك نحن بحاجةٍ إلى تثقيفهُم ثقافة واعية مستنيرة للتَّعامُل مع وسائل الإعلام بطريقةٍ نقديَّةٍ وحسَّاسةٍ.
الفضاء الإلكتروني.. وتعليم الأخلاق:
كيف يمكن أنْ نُشجِّع الأبناء حتى ينخرطُوا بشكلٍ تقدي مع المُحتوى المرئي والمسمُوع، وكذلك المُشاركة بعاطفةٍ مع الآخرين الذين يختلفُون معهم في مُعتقداتهم وأفكارهم؟ على وجه التَّحديد، كيف يُمكنُنا تعليم الأبناء للتصدي للأخبار المُزيَّفة غير الحقيقيَّة ؟ والحذر من الحقائق البديلة، والتَّعامُل بلُطْفٍ مع الآخرين الذين يتحدَّثُون معهم عَبْر الفضاء الإلكتروني؟
وكيف يمكن أيضًا تعليم أطفالنا وشبابنا أنْ يُصبِّحُوا مُواطنين ديمُقراطيين ومُشاركين بالنَّقد البَنَّاء، وأنْ يكونوا أخلاقيين وعطُوفين، وهي قيِّم يأمُل الآباء والمربون على حدٍّ سواء في ترسيخها.
لكن أوَّلًا، قد نتساءل: مَنْ المسؤُول تحديدًا عن تعليم الأخلاقيات؟ مهارات التَّفكير الجيِّد، والتَّسامُح، والفطنة فيما يتعلَّق بماذا نثق ؟ وبمَنْ نثق ؟ وهي مهارات واضحة ينبغي أنْ تكون في صميم النِّظام التَّعليمي.
ولكن ماذا عن الاهتمام والرِّعاية ؟ هل يجب أن يلعب المُعلِّمُون دورًا في تعليم أبنائنا العطف؟ أو هو دور يجب أنْ يقتصر على الأسرة ؟ علاوة على ذلك، إذا كان للمُعلِّمين دورٌ في تعليم الرَّأفة والتَّعاطف، فكيف ينبغي لهم أن يقُومُوا بذلك ؟ هل ينبغي أنْ يكونوا قُدوة، وأنْ يكونوا مُتعاطفين هم أنفسهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما العمل عندما لا يخضع الأبناء للقواعد ؟ هل يجب على المُعلِّم أن يكون حريصًا وعطُوفًا ولا يقلق بشأن فرض عُقُوبة مُناسبة، لأنَّ القيام بذلك يُمكن اعتبارُه إنكارًا للتعاطُف في قانُون الفصل الدِّراسي؟ في بعض الأحيان يكون التَّسامح والرَّحمة والتَّعاطُف في تعارُض مع القواعد والالتزام بمعايير مُعيَّنة.
الأسلوب الأخلاقي و التَّعاطُف:
نحن بحاجةٍ إلى زرع خيال مُتعاطف حيث تُفْرض السِّياسات وتُطبَّق القواعد في سياقٍ ما، لذلك، وحتى تحظى الإجراءات بالاحترام، يجب أْن تتناغم «الأعين الداخليَّة» للعامل الأخلاقي مع مواقف مُحدَّدة. إنَّ تبنِّي وجهة نظر الآخر، يعني أن نُحاول فهم وضع أولئك الذين يختلفُون عنا في أفكارهم وأفعالهم، على أمل تحريك الاستجابات العاطفيَّة المُناسبة، مثل: التَّعاطُف والشَّفقة.
إحدى الطُّرُق التي تُمْكِنُنا من ترسيخ هذا الأسلوب الأخلاقي هي منح الأبناء الفُرصة لمُمارسة خيال مُتعاطف مع الشَّخصيَّات في الكُتُب، والمجلات، والأفلام، والبرامج التِّلفزيونيَّة، وكذلك الإنترنت. على سبيل المثال يُمكُننا الحُصُول على فكرةٍ حول العُبُوديَّة، وذلك بقراءة كتاب «هكلبري فن» Huckleberry Finn من تأليف «مارك توين» Mark Twain، فبفضل أُسلوبه البارع الذي رسم به الأحداث والشَّخصيَّات، يُمكن أنْ نشعر بالتَّعاطُف تجاه الشَّخصيَّات وحالاتهم، وأنْ نرى الأحداث من وجهة نظر الشَّخصيَّتين «هاك»، و صديقه «جيم»، رغم أنَّ ذلك من عمل الخيال. ومع ذلك يُمكنُنا أنْ نتعلَّم من الخيال، فالتَّجارب الإنسانيَّة الأساس عالميَّة في جوهرها.
وواقع الأمر، قد يكون من الأسهل في البداية الشُّعُور بالتَّعاطُف مع الآخرين الخياليَّين، وهذا يجعل أعمال الخيال وفنّ السَّرد ساحة تدريب مثاليَّة للمشاعر الأخلاقيَّة.
البيت والمدرسة.. ورعاية عادات التَّعاطُف:
إنَّ التَّفاعُل مع الآخرين باستعمال القصص مُمارسة تربوية عظيمة يمكن أنْ تحدث في البيت أو في الفصل الدِّراسي. ولكن، كيف نُطبِّق ذلك عَبْر شبكة الإنترنت ؟ يُمْكن للإنترنت فتح عالم من الإمكانات التَّعليميَّة، فإنَّ وسائل الإعلام الاجتماعيَّة تُشجِّع الرَّد الآني على الأفكار والصُّور والمعلُومات. ومن السُّهولة بمكان أنْ ننسي بأنَّ الشَّخص على الطَّرف المُقابل من تعليقاتنا ورُدُودنا هُو إنسان بأفكار ومشاعر تشبه إلى حدٍّ كبير ٍ مشاعرنا. لم تُواكب الفضاءات التَّعليميَّة النَّسق السَّريع للتَّغيُّرات التِّكْنُولُوجيَّة، ومعظم الأبناء يتعلَّمون استخدام وسائل الإعلام بشكلٍ غير رسمي، من أقرانهم أو ببساطة عَبْر الاستخدام والتَّجربة بدلًا من التَّعلُّم في المدرسة أو مع الوالدين أو مع المُعلِّمين. إذًا، رغم ظُهور الأفراد الرَّقميِّين بالتَّزامُن مع هذه التِّكْنُولُوجيَّات، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّهم يعرفُون كيفيَّة استخدامها بشكلٍ أخلاقيٍّ أو نقديٍّ أو بالرِّعاية.
ومن أجل تجنُّب التَّنمُّر عَبْر الإنترنت والتَّصيُّد، على سبيل المثال، يجب رعاية عادات التَّعاطُف لدى الأبناء على أمل أن تصبح مثل هذه التَّصرُّفات «المُتحضِّرة» استجابات مُعتادة للآخرين، سواء وجهًا لوجه أو عَبْر الإنترنت، أو في الواقع.
هُناك بعض الأشياء التي يجب أنْ نتعلَّمها من خلال المُمارسة، وهذا يشمل الحكمة العمليَّة والعادات الفاضلة، ومن أجل ترسيخ هذه العادات الفاضلة، يجب أنْ نُمارسها. والطَّريقة الجيِّدة للمُمارسة أن نكون على درجةٍ كبيرةٍ من التَّعاطُف من خلال التَّفاعُل مع قصص الآخرين، والمُشاركة في مجتمعاتٍ أخلاقيَّةٍ، حتى ولو كانت مُجتمعات افتراضيَّة.
هُناك حاجة لتعليم مُستخدمي مواقع الشَّبكات الاجتماعيَّة بأنْ يكونوا، ناقدين، ومُلتزمين أخلاقيًا. لذلك لا يزال هُناك للمُعلِّمين والمُؤسَّسات التَّعليميَّة دورٌ مُهمٌّ، في الواقع أو عَبْر الإنترنت. قد تُعلِّم المدرسة الأبناء كيفيَّة التَّعامُل مع الآخرين بشكلٍ مُتعاطفٍ مع الحفاظ في الوقت نفسه على قُدراتهم النَّقديَّة وتقبُّلهم للأفكار قيد البحث والمُناقشة. يُمكن للأبناء أيضًا مُمارسة هذه المهارات في الفُصُول الدِّراسيَّة التي تتضمَّن استخدام المُنتديات عَبْر الانترنت الخاضعة للإشراف.
لمزيدٍ من الاطلاع:
Laura Dolibio: Media and Moral Education (2018), University of Notre Dame, Australia.
الكاتب والباحث وفيق صفوت مختار