بعد الحرب العالمية الثانية رفع اليهود شعار ” لا غفران ولا نسيان ” ، وعلينا ألا ننسى عبارتهم منذ ثلاثة آلاف سنة :
– لتنسني يميني إذا نسيتك يا اورشليم .
لم يؤذ الفلسطينيون اليهود في الحرب المشار إليها ، وإن كانت علاقة الطرفين معا بدأت تتوتر منذ إعلان وعد بلفور في ١٩١٧ .
قبل ١٩١٧ استقبل الفلسطينيون اليهود القادمين من أوروبا في فلسطين وأجروهم بيوتهم ، وكانت علاقتهم بيهود فلسطين حسنة وقد أتى عليها غسان كنفاني في مجموعته القصصية ” عن الرجال والبنادق ” حين كتب عن يهود صفد .
في صفد ، حسب قصة كنفاني ، تسمى اليهود بأسماء عربية . تجاوروا والمسلمين والمسيحيين وتزاوروا وتناولوا معا طعام الأفراح ولم يختلفوا إلا حين جاء اليهود الصهيونيون الاشكناز ، وبدلا من أن يحافظ يهود البلاد على صلاتهم الحسنة مع سكان البلاد ، باعتبار الجميع عربا ، وبدلا من أن يقفوا ضد الصهيونية والاستعمار الغربي ، صمتوا كأنهم رضوا أن يصبحوا صهيونيين .
نسي يهود البلاد أكثرهم علاقات الجوار ومع الأيام رفع قسم منهم شعار : لا غفران ولا نسيان الذي صار شعارا علنيا ، ضد النازية ومن يؤيدها ، منذ ١٩٤٥ .
في ” طللية البروة ” قال محمود درويش :
” كنا طيبين وسذجا ”
وأغلب الظن أننا ما زلنا كذلك ، ففي الصراع الفلسطيني وما ألم بنا منذ نكبة العام ١٩٤٨ لم نرفع شعار :
– لا غفران ولا نسيان
وخذوا الأدبيات الفلسطينية التي كتبها إميل حبيبي وسميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد مثالا . ما من واحد من هؤلاء إلا دعا إلى إخوة الشعبين ورفع شعار التسامح . اقرأوا قصائد توفيق زياد في إضراب عمال مصنع ( آتا ) ” يا إخوتي اليهود ” ، واقرأوا متشائل حبيبي ومواقفه السياسية ، واقرأوا سيرة سميح القاسم ” إنها مجرد منفضة ” أو قصته الطويلة ” الصورة الأخيرة في الألبوم ” ، واقرأوا قصائد محمود درويش في ريتا وشولميت .
هل أذكر بما كان يقوله العمال الفلسطينيون في المصانع والمزارع الإسرائيلية ؟
في اتفاق أوسلو ١٩٩٣ رفع شباب فتح أغصان الزيتون للجنود الإسرائيليين تعبيرا عن رغبتهم في السلام ، مع أن الجنود ما زالوا بلباسهم العسكري . يعني ما زالوا محتلين . وفي اتفاق أوسلو قبلنا ب ٢٠ بالمائة من أرض فلسطين التاريخية لم نمتلك منها إلا ١٠ بالمائة خاضعة أيضا للاحتلال .
اليوم بدا منظر الأسرى الإسرائيليين الثلاثة الذين أطلق سراحهم تمام التمام . كما لو أنهم في سجن / فندق خمسة نجوم . واليوم بدا أسرانا هياكل عظمية كما لو أنهم خارجون من معتقلات ( اوشفيتس ) و ( داخاو ) ، وفوق هذا كتب على قمصانهم المطبوعة عليها النجمة السداسية / الإسرائيلية :
– لا ننسى ولا نغفر .
إما أننا مغلوبون على أمرنا أو أننا ، كما وصف محمود درويش أجدادنا ، طيبون وسذج ، أو أننا مصابون بنزعة حب العدو ” عشق القاتل ” ، وليس هناك من شك في أن قسما كبيرا من اليهود الإسرائيليين مصابون بالنزعة السادية وهذه مرض ولا شك أنهم مرضى نفسانيون .
والله غالب على أمره ولكن … .
أ.د. عادل الأسطة