نساء على باب القصيدة ل د. علي الجريري

متعة القراءة المستعجلة
في فنتازيا الميتا شعر
لقصائد جديدة للأديبة الزميلة باهرة عبداللطيف رئيسة المنتدى العالمي للغة العربية
والتي قدمتها كما يلي
الصديقات والأصدقاء الأعزاء:
صدر لي عن منشورات البادية بالتعاون مع دار تأويل مجموعتي الشعرية الجديدة بعنوان:

” نساء على باب القصيدة”.
اعترف اني ادمنت النساء على باب القصيدة كسالف شعرائنا في مطالع معلقاتهم ولولا وجودهن
ما حفظنا ام اوفى وعبلة وليلى العامرية وهند التي ما انجزتنا ما وعدت .
إدمان الشعر والادب والنقد ، لا علاج له ، فكيف حين يكون هذا الشعر مميزا وفريدا شكلا ومضمونا ظاهره وباطنه بساطته وعمقه ولولا ان شهادتي مجروحة بحق شاعرتنا لخصوصية العلاقة المهنية والأدبية ، لاطلقت العنان للساني يقول ما لم يقله الشعراء من قبلي مديحا واعجابا وامورا اخرى . إنه حالة من الجنون في عنوان قصيدتها

” قبلَ الجنون”

ولا اظنها أطفات الحريق
كما وعدت ، بمقدار ما أشعلت نيرانا من نمط اكثر ضراما في زوايا متعددة ،فلا الحريق خبت نيرانه ؛ ولا الاشواق تبللت بالندى .

سأطفئُ الحريقَ
وأُشعلُ ضوءَ الرّوحِ

ظلت الروح حالمة بين نار ونار ،

” سأحرّرُ الموسيقى
من إيقاعِ الصّمتِ
أطرّزُ بها زوايا القلبِ

لكنها حررت الموسيقى وجعلتنا نرقص على نغماتها قبل اطلالة العام الميلادي الجديد مودعين اوجاعنا في عام مضى. فزرعت فينا بعض امل. لكنه كان كافيا على قهر الرعب ،وهزيمة الخوف ومعه مخاوفنا الوهمية

“وأقهرُ دمدمةَ الرُّعبِ”

ولا أظن حوار السجان كان هدنة او مجرد استراحة محاربة مشاكسة ؛ بل مشتبكة في لغة الثقافة والشعر والكلام ، متحررة من قيود الطغاة حيث يليق بها الانطلاق حرة بين الثقافات ، وسحب حبلى بالأمطار والكلمات تهطل على زرع قوم فترويه وترتوي ولا تترك مساحة للأهات في قلوب ضجت بالاسى والأحزان.

“سأُحاورُ السجّانَ
وأُطْلِقْهُ من خلفِ
القضبان “

وتستعيد روح السعادة بصفقة وازنة قوامها العقل والعقلانية وليس باي ثمن ، بل بجرعة عقل

“سأُقايضُ خاطفَ السعادةِ
بِجُرعةِ عقلٍ
سأُداعبُ حزنَ الأراملِ
بِقبضةِ أحلام “

وهنا سؤال الرغبة الخفي حين تبوح ببيانها انها داعبت حزن الارامل وجعلت عين ام تبكي تضحك فرحا لنور يأتي من هناك ويزداد بريقا على نغمات قصيدتها فاتت بهن من بحر الأحزان الى حفل عيد من شهد الكلمات .

“سأشُمُّ كركرةَ الأيتامِ
وأَرسمُ ضحكةً واهنةً
على جلدِ الجدّات”

وهي تتأكد من عطر شعرها ونغمات ابياتها انها تشتم كركرة الأيتام وضحكاتهم وترسم ابتسامات ولو خافتة باهتة بلون الحزن على طلات جداتنا الواهنات الحالمات لاحفادهن بالحلوى والأفراح ، وزفة العريس وطرحة العروس

“وحتماً
قبيلَ الجُنونِ
سأمضي
بلا وجلٍ
ولا ندمٍ
إلى نفسي
لأُصالحَ آخرَ
الأخطاء… “

وحتما سنكون معها على عجل نمضي بلا خجل ولا وجل لنصالح ذواتنا ونكون افضل ما نتمناه ان نكون


” تكرارات”
تبتعد فينا عن مساحات جرعة عقل داعبت خاطف السعادة ، منتصرة على لحظات من ضيق خلق او نزق ،عادة ما يكون عليه الناس في زحمة الحياة والظروف الطارئة من كوارث وحروب وانهيارات كيانات واهية اصلا كونها فارغة من الداخل ، الا من البلطجة ، وكعادة كل امرأة او سيدة وازنة وواعية بجرعة عقل تداعب نزق السارق حتى يثوب الى رشده ويتوقف عن سرقة السعادة وابتسامات الحالمين بالحياة ، تنتقل بنا الى معان مؤجلة كاحلام مؤجلة في أضواء مجنونة لعلها تلقي بثقل ما تحمله من هموم الايام وتتخفف منها برقص او فعل عفوي رسمته الطبيعة كقولها :

” أضواءٌ مجنونةٌ
تَتَخطّفُ القلوبَ المثقلةَ بالأحداثِ “
مثقلة بالأحداث، بل لعها اكثر من مثقلة وان لم تسعفنا للحظلة مرادفات هذه الكلمة ، نحو متخمة، مترعة، تفيض بالأحداث

” وصخبٌ يتماهى بمجونٍ
مع بهجةِ الموسيقى “

هي ذاتها حالات الهروب الى الامام هذا الصحب الذي يحتوينا فيظننا الآخرون للحظة اننا بتنا على حين غرة ؛ في حالة استسلام ولم يدر سادنهم ان تحت جلودنا جمر نار مستعر ، حين نراقص المجون تندلع نيران غضبنا وتبتعد عن أجسادنا لتحرق مشعليها ، وكأنها تتذكر بيت عنترة العبسي . ينبيك من شهد الوقيعة أنني سهل مخالقتي اذا لم أظلم
فإذا ظلمت فان ظلمي باسل ؛ مر مذاقته كطعم العلقم. “
او بيت ابي القاسم الشابي ” حذار حذار
فتحت الرماد اللهيب
ومن يزرع الشوك
يجني الجراح “
وليس بعيدا عن قول درويش :
انا لا أكره الناس
ولا اسطو على احد ؛ ولكن إذا ما جعت
اكل لحم مغتصبي .
حذار حذار
من من جوعي
ومن غضبي .

ولايهمنا ضجيح الاحتفالات حين تكون ملونة او متلونة قريبة مألوفة ام غريبة

” محتفلونَ بسحناتٍ متباينةٍ
يغتصبونَ لحظاتِ فرحٍ أخيرةً
من تقويمِ العامِ
وشيئاً من أملٍ
يدّخرونُهُ
لقادمِ الأيامِ “

المهم ان نحتفل ونشعل ليل عام منفرط بشموع امل شاكرين كل لحظة؛ انجازا حققناه ، او متعة سرقناها ،أو لم نسمح لسارقيها بها. على ان يظل في اذهاننا أن القادم أفضل .

“راقصون يدورونُ بخفةٍ
على أقدامٍ من ورقٍ
تتطايرُ تحتَ وقعِها
الذكرياتُ والأَخطاء “

انها رقصة المتخفف من أحمال الماضي ، كمدير نجيب يعاود تنظيف مكتبه والتخلص من حمولته الزائدة من ملفات وأوراق ومبعثرات في حالة شسورة تزيل الشوائب ما خفي منها وما ظهر ، أو ما بدى منها وما استتر ، وكغيمة تخففت من حمولة امطارها فباتت خفيفة تجري في السماء جري السحاب .
” تتطاير معها الذكريات الخاطئة “

تلك هي حالة الماء الجاري تحت الجسر .
او دع عنك ذا وعد القول في امم …

وتعدد شاعرتنا نماذج مؤجلة من تلك السحب المتخففة من أحمالها في سرد شعري قصصي
كمن غب الكأس لينتشي لا ليسكر بل ليفرغ حمولة ذاكرته المترعة وما سمح به للنشر بعد تقادم ايامه او افتتضاح اسرارها بطريقة ما ؛ بشهود او دون شهود ، بملء العين او خيل لهم ؛ غير أبهة بالترهات ، واصفة ثقل هذه الترهات بوصف متقدم محشوة وكأنها على غير رغبة منا ، لايتسع لها المكان وغير جديرة ان نحملها معنا للعام الجديد ، وحاله هنا حال من يؤجل علاج جراحه مواصلا درب عذاباته ؛ أما المنجزات فتسبقها بوصف حافلة يليق بها الاحتفال ويليق ان نحملها معنا من باب العرفان بفضلنا على أنفسنا ان انكر الآخرون ذلك .
فتقول :

” كانَ رأسُ العامِ مَحشواً بالتُرّهاتِ
وحافلاً بالمُعجزاتِ:

وتعدد ها في سرد شعري
كحكايات خاطفة ، تلك الحمولات كانت على نحو ما .
بدائل لسانية

أضواءٌ مجنونةٌ
أجواء مسحورة

تَتَخطّفُ القلوبَ
تتخطفها القلوب والابصار

المثقلةَ بالأحداثِ
حافلة بالأحداث
المعنى وضده

وصخبٌ يتماهى بمجونٍ
في اصطهاج وفتون

مع بهجةِ الموسيقى
متعة الموسيقى

محتفلونَ بسحناتٍ متباينةٍ
يتباهون بطلات متفاوتة

يسرقون متعة فرح نادرة
يغتصبونَ لحظاتِ فرحٍ أخيرةً

من تقويمِ العامِ
من فلول العام

بقايا امل يعيشون
وشيئاً من أملٍ
يدّخرونُهُ

لقادمِ الأيامِ
سالف الايام
المعنى وضده

الايحاء بشعور الاخرين وتقويل النص مالم تقله القصائد في سياق الميتا شعر ، يأخذنا الى خيال ليلة او ربما حلم من تحت الركام .

لعبة الرقص وحدها باب من ابواب كسر حاجز الرعب . انهم يسهرون بخفة سهرة جميلة تودع عاما انفرط بكل ما فيه واخر ولد في ثنايا الغياب
حكايات فراشات تثير رغبة السؤال ، ما الذي يدور على وقع تطاير الذكريات والأخطاء بعدما سمح للنشر .

راقصون يدورونُ بخفةٍ
على أقدامٍ من ورقٍ
تتطايرُ تحتَ وقعِها
الذكرياتُ والأَخطاء

“رأس سنة جديدة “

سهرة هنا واخرى هناك
من حق كل محتفل التخفف مما كان عليه من ثقل الحياة .
وأل الى يوم في العام الجديد

“كانَ رأسُ العامِ مَحشواً بالتُرّهاتِ
وحافلاً بالمُعجزاتِ:
هي تلك المنجزات فيما تقدم فيما المنجز الجديد على ذاتك الشخصي حكايات تعود بنا الى رتابة ما كنا عليه حيث تستجيب الحياة .

القصة الاولى :

عود الأبوين من سبات قبر عظيم ولو حلما
هذا الاب الصاخب المنفعل متنمر جدا رضع التنمر مع حليب امه وقت إذ كانت تلوذ بصمتها قابلة هذا التنمر وهي من صنعته وتصنعه .

“أبي عادَ من قبرِهِ منفعلاً
وأميّ أيضا عادتْ
بصمتِها المعتادِ
كي تُعِدَّ لهُ العشاء “

قد يكون في إعداد العشاء له نوع من طقوس صلاة توارثتها عن الامهات والجدات والابناء ، وليس كعامل ضعف ، مع اكتمال النص .

انها الصورة المؤجلة للنموذج التقليدي للأم والتي تعكس حالة وطن وادع ينشد السلام ومع ذلك لم يأت السلام رغم انهم لم يدقوا جدران الخزان بل ونزلوا عن الجبل .

صورة البيت التقليدي يضج بالحياة والنشاط
حتى أن جدرانه تلهث متعبة لو وظفت البديل اللساني تتلهف مسرورة بدلا من تلهث مبهورة
لادركنا الصورة الايجابية الخفية في ثنايا هذا التركيب الميتا شعري .

البيتُ مكتظٌّ بالأحبّةِ
وجدرانُهُ تلهثُ مبهورةً
من لهفةِ العناق

غير ان لهفة العناق تعكس أجواء الاشتياق للعودة بأي شكل وعلى أي وجه كان تموضع العبارات .

من حكاية عودة الأبوين وصورة انعكاس الام مع صورة الاب وكل هذا الفرح الحزين في منزل تتزاحم فيه الأيدي والاقدام الى صورة وطن يبحث عن السلام

“الوطنُ أمسى وديعاً
يُداعبُ أَيتامَهُ
براحتيْنِ سخيّتيْنِ
تنبعُ منهما حلماتٌ نديةٌ
رَحلتْ عنها الأُمّهات “

انه وديع ودود حنون حتى قبل ان يتخلى عن قرونه معزولا من معابره ورزقه على جلاديه ؛ مرغم ان يكون وديعا لكن يظل يداعب ايتامه فاقدي السند ، تائهون يبحثون عن أشلاء احبتهم ، أو عن بقايا طعام او شراب يسد رمقهم ، فيجبر هذا الوطن ان يكون اما مرضعا تجود حلماته بحليب يلبي بكاء أطفال ولدوا للتو حيث ترحل أمهاتهم لحظة الولادة ، ليصبح كل هؤلاء الأطفال إخوة في الرضاعة مثلما رضعوا الموت والقهر والخوف والأحزان .

” الحب المعلب “

عندما يمتنع البريد عن توصيل رسائل الأصدقاء
يعني انهم هم أرادوا ذلك
ومثلما صادروا كل معاني الإنسانية وقوانينها علبوا الحب في صناديق البريد
والقوا بالمفاتيح في متاهات الضياع وظل الحب أسير تلك الصناديق
المهجورة الى زمن مجهول .

الحبُّ عبّأَ صناديقَ البريدِ
المهجورةَ
مُعلناً انتهاءَ المنافي
وانتحارَ المسافات

غير ان التفات الأبيات في سياق الميتاشعر يسدل الستار على خاتمة المأساة حين تعلن شاعرتنا انتهاء المرافي وانعدام المسافات ، حيث تعود الفراشات الى ازهارها والمياه الى انهارها والطيور الى اشجارها.

” حكاية الزمن “
رغم انحسار المسافات كما هو أعلاه الا ان الزمن ظل نائيا ولا تزال تضع القيود على حراكها في هذا الزمان غير انها ترقب حراكا يوشي بالحرية وهي ترقب أقدام الراقصات ولو كان القائل شاعرا ما أخفى ولعه عن وصف سيقان الراقصات
ولاخذ المعنى بعيدا ، أما شاعرتنا التي تؤمن باحترام طقوس الاخرين تاخذ البعد الايجابي من حركة أقدام الراقصات اللواتي يتحررن بالمطلق في مساحات باحة الرقص كرمز للحرية والتحرر او التوق اليهما معا وهي تثب بحرية

وأنا مازلتُ مُسَرْنمةً
في زمني النّائي
أَرقبُ أَقدامَ الرّاقصاتِ
تثبُ بِحُريةٍ
في ساحاتٍ يذوبُ ثلجُها
من حرارةِ الأَجساد!

ولهذه الحرية مساحتها وساحتها التي يذوب ثلجها من حرارة الاجساد حينها ينكشف المرج ويبدو كل شيء ساطعا

باي حال مضيت
وبأي حال تعود ؟

انها مسافة الصفر وكأن عقارب الساعة تمسمرت مكانها وتجمدت على حالها
ومضت ككل الايام وعادت لتمضي ثم تعود لتمضي فقط تتكرر الايام وأسماء الاشهر والأوقات
رقم واحد يختفي واخر يظهر تلك هي طبيعة الحياة البشرية

ككلّ الأيامِ
الزّمنُ يتكرّرُ

وانا وانت وهو وهي

أنا أَيضاً
وحدهُ هو لا سواهُ
مَنْ خِلسةً يتغيّرُ:
رقمُ العام!

لكنا نختم مداخلتنا هذه ان القادم أفضل مع تقديري العالي باحترام .

د.علي الجريري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *