هكرز قصة قصيرة للقاص عبد الصمد الشويخي

فضاءٌ أزرقُ مباغتٌ كالسموات المفتوحة يعجُّ بملايين البشر، ويضجُّ بأفكارهم عن الأديان والمعتقدات وعلوم الفضاء والرِّياضيات والعادات والتقاليد، والقيم التي ترنحت… يملأ ضجيجه الشَّوارع والميادين والمدن والقرى والعزب، والنُّجوع… دخل كلَّ بيتٍ صار فتنةَ العصر… وسيلة تواصلٍ واتصالٍ بين بني الإنسان رغم بساطتها توغلت واستفحلت حتى ملكت عليه أمره، واستولت على فكره وعقله، وهيمنت عليه؛ فصار عبدًا لها لا يمتلك حريته، ولا يستطيع منها فِكاكًا، ولو خاض غِمار حروب بني عبس أو داحس والغبراء… أفراحٌ وأتراحٌ قصصٌ لا متناهية رسائلُ صامتةٌ أرقامُ هواتفَ وحساباتٌ بنكيَّةٌ و رموزٌ وشفراتٌ وأكوادٌ سريَّةٌ تحويلُ أموالٍ… تعقُّبٌ ومتابعةٌ… سرقاتٌ… عملياتُ سطوٍ لا مرئيَّة تحت جُنحِ ليلِ التِّكنولوجيا المظلم البهيم، وفضائها الدَّامسِ…خوفٌ يملأ القلوب… تهديدٌ ووعيدٌ… ابتزازٌ بعرض الصُّور والفيديوهات والتَّسجيلات والملفات والتَّلصص على البُيُوت والتَّجسس على الأشخاص، والتَّحسس للأصدقاء … هاجمني ذلك الهكرز الماكر لا أدري لماذا؟!

ربٌّما كنت من الشَّخصيَّات العامَّة أو من رجالاتِ السِّياسة المرموقين أو من رجالِ المالِ والأعمالِ من سكانِ نيويورك أو لاس فيجاس هَكَّرَ صفحتي، وأحتلها كاحتلال اليهود لفلسطين وبني مستعمراته على قاعدة بياناتي الهشَّة قام بحذف بعض الأصدقاء، وقام بحظر الآخرين، وجعل واجهة (البروفايل) للملفِ الشَّخصي ِّصورةً لفتاةٍ أمريكيَّةٍ جميلةٍ بارعةِ الحسن شقراء زرقاء العيون شعرها مسترسلٌ كسبائك ذهبيَّةٍ صيغت بعنايةٍ فائقةٍ وترتيبٍ منقطعِ النَّظيرِ من ولايةِ أنديانا يتدلَّى على صدرِها صليبٌ ذهبيٌّ… قامت بحذف كلِّ قصصي القصيرة، وروايتي الوحيدة (وعدٌ ومكتوبٌ)… أصابت تلك الهجمة جميع من يراسلني بالذُّعر لقد انتاب الخوف الجميع جراء ذلك الاختراق، وتملكهم القلق… لا أعرف هل هالهم صورة تلك الغانية الأمريكيَّة أم خافوا من تسريب رسائلهم الخاصَّة لمجموعاتٍ أتابعها أو تسربِ الكلماتِ عبر شرايين الزمان وأَوردته…؟! كتلك المزحةِ التي قام بها أحدُ الكُتَّابِ الأمريكييِّن حين أرسل لعددٍ من السَّاسةِ والمشهورين في بلاده رسالةً مضمونها وفحواها: (سيتمُّ القبضَ عليك اللَّيلة، غادرْ فورًا ) فما حلَّ المساءُ إلَّا وأصبح الجميع عصافيرَ مهاجرةً ركبوا أوَّلَ طائرةٍ حلَّقت بهم في سماء الوطن الَّذي فارقوه… صارتِ العناوينُ الإليكترونية وصفحات التَّواصل هي منازلُنا الشَّخصية بل أهم….توقف الجميع عن مراسلتي وظلُّوا يتأكدون من خلو رسائلهم ممَّا يشين فقد تكون إحدى الرَّسائل ملغَّمةً أو بها آراء شخصيَّة مناوئة للسُّلُطات أو أفكار تنويريَّةٍ كانت ذات يومٍ طي الكتمان أو رسائل سرِيَّة يقدح فيها أحدهم في زوجته أو يعلن عن رغبته الزواج بأخرى أو قصيدة شعرية كتبها لمحبوبته يخاف أن يطلع عليها غيري من أصدقاء الدِّراسة وزملاء العمل رفاق الطريق أو صُوَرٍ ذات بريقٍ آخاذٍ… حكاياتٌ كثيرةٌ وقصصٌ لم ترو بعد ونِكَات وطُرُف وأحاديثُ بائسةٌ وسردٍ لمجريات الأمور والأحداث فيما وراء السُّلطة والواقع المهترئ الذي يعاني فيه الجميع من شظف العيش وقلة ذات اليد، وضيق الحال فيضطر أستاذٌ جامعيٌّ؛ ليعرضَ مكتبته الخاصَّةِ للبيعِ؛ لينفق ثمنها على علاجه ويشتري دواءه الَّذي تضاعف ثمنه عشرات المرَّات وعلى عياله الَّذين يتضورون جوعًا، وعلى إيجار شقته الذي أصبح بضعةَ آلافٍ من الجنيهات بينما يتقاضى هو راتبًا تقاعديًّا لا يسدُّ الرَّمقَ… تقوقع بعضهم داخل شرنقته وفرَّ الأغلبية إلى خارج إطار الصفحة بل لقد قام بعضهم بحظري ( لقد تمَّ حظرك مؤقتًا) حتَّى لا ينال نصيبًا مفروضًا ممَّا تعرَّضتُ له من محنةِ الهكرز، وتوابعها…!!

القاص عبد الصمد الشويخي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *