نَفَسُ الحَق
سَقَطَت الرِّيحُ فَوْقَ هَاوِيَةِ التِّلَالِ، تَكْنِسُ أَوْرَاقَ الخَرِيفِ.
لَم يَرَهَا أَحَدٌ غَيْرَ الشُّرُوقِ… وَأَنَا.
شَارِدُ الذِّهْنِ، أَتَسَاءَلُ: كَيْفَ بِالخَفِيفِ أَصْنَعُ حَتْفِي؟
عَصَفَت بِمَا تَبَقَّى عَلَى الأَشْجَارِ مِن أَوْرَاقٍ،
تَلُفُّهَا فِي دَوَّامَةٍ تُشْبِهُ صُدَاعَ رَأْسِي.
يُعَاقِبُ صَمْتِي كُلَّمَا وَجَدَ فِي سُكُونِي وَصْفًا.
صَمْتُ الأَحْدَاثِ… يَقُصُّ قِصَصَ الخَوَانَةِ.
… إِنِّ افْتَقَدْتُهُ أَوْ افْتَقَدَنِي،
يَأْتِي إِلَيَّ مُتَأَمِّلًا، وَلَا أُعَاتِبُهُ عِنْدَمَا يَطُولُ خَيَالُهُ أَمَامِي.
وَحِينَمَا أُشْغِلُ بِفِكْرَةٍ…
تَبْقَى تُعَصِّرُ الرُّوحَ، أُدَاعِبُ أَنَامِلِي بِعُنْفٍ،
وَأَضْرِبُ كَفًّا بِكَفِّ، كَمَنْ يَنْتَظِرُ كَفَّ الغَدْرِ.
هُنَاكَ… فِي لَيْلِ وَحْدَتِي، أَعْتَزِلُ نَفْسِي.
مِنْ بَعْدِ أُفُولِ الفَجْرِ، وَحِيدٌ أُدَاوِي جِرَاحِي…
وَفِي الصَّبَاحِ، تَعُودُ الرِّيحُ تَذْكُرُنِي بِكُلِّ مَا فَقَدْتُ.
أَنَامِلُ الخَوَانَةِ عَلَى خَرِيطَةِ العَرَبِ
قَدِيمًا، قَبْلَ أَنْ تَتَفَرَّقَ بَلَادُ العَرَبِ،
خَانَتْ طَوَائِفُنا بَعْضَهَا بَعْضًا.
ذِكْرَى (أَبُو رِغَال)، الَّذِي كَانَ دَلِيلًا لِأَبْرَهَةَ…
تُشْبِهُ قِصَّةَ (سُلَيْمَان وَعَبْدَ الله) فِي الأَنْدَلُسِ.
وَمِنْ قَبْلِهِمَا، خِيَانَاتُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ.
مَا أَشْبَهَ اليَومَ بِالأَمْسِ!
تُرَانَا نَعِيدُ الدَّوْرَةَ؟
كَيْفَ نَصْنَعُ حُرِّيَتَنَا؟
رَسَمَ المُسْتَعْمِرُ خُطُوطًا عَلَى الخَرِيطَةِ…
أَرْسَى حُدُودًا تُفَرِّقُنَا، وَغَرَسَ بَيْنَنَا خَوَانَةً يَحْكُمُونَ.
نَصَّبُوا أَجْسَامًا مَسْخِيَّةً تُرَاوِغُ لِإِطَالَةِ عُمُرِ الفُرْقَةِ.
حَتَّى صَارَ أَحَدُنَا يَهْرِفُ بِمَا لَا يَعْرِفُ.
دُعَاةُ المَنَابِرِ بِالدُّولَارِ يُرَاوِغُونَ…
يُقَايِضُونَ الحَقَ بِكَذِبٍ، وَيُزَوِّرُونَ التَّارِيخَ.
مَتَى تَحْمِلُ الرِّيحُ رَائِحَةَ الحُرِّيَّةِ؟
إِنْ زُنْدِقْتُ قُلْتُهَا:
لَمْ يَصْنَعْ الخَوَانَةُ وَطَنًا.
وَلَا شَرِبُوا مَاءَ العِزَّةِ،
لَكِنَّ الدُّنْيَا لَهُمْ… وَتَبْقَى لَنَا الآخِرَةُ.
الكاتب سَامِي يَعْقُوب