وجوه من ذاكرة المدينة قاسم ماضي زغير المبدع في وطنه وغربته للكاتب والشاعر رحيم يوسف

احيانا يتعرض الانسان لمواقف غير متوقعة يكون فيها اقرب للموت بطريقة مجانية بسلوك يمكن الاستغناء عنه
لانه لا يشكل موقفا دافعا للتغيير اقول هذا وانا اتذكر ما حصل في بحيرة الثرثار في مدينة الفلوجة
ذلك الموقف الذي نجينا به من الموت باعجوبة ،
ففي سفرة قمنا بها الى البحيرة كمجموعة من المسرحيين الشباب( قاسم ماضي واخيه جمعة وسمير الصحن وعلي منشد ومجموعة من الفتيات ما عدت اذكر اسمائهن الان )
فحدث ان استبد السكر بالجميع وحصلت مشاجرة وبين جمعة بسبب احدى الفتيات وتم تلافي الموقف .
وبعد قليل هتف الصحن رحمه الله
: حسن ما مات موت الله ،
حسن كتلوه البعثية
وسرعان ما احاطت بنا مجموعة كبيرة من الاشخاص وكانهم خرجوا فجأة من عش للدبابير ،
وهم يطلقون علينا الشتائم
واكثرهم يحملون الاسلحة الشخصية .

فالفلوجة حينها كانت من معاقل البعث
ورجال الامن كما هو معروف للجميع .
حاول الرجال اعتقال الصحن .
فقمنا بمنعهم فقرروا اعتقال الجميع .
اقترح قاسم لحظتها التصادم معهم في الطريق الى الامن .
ولكن كيف لنا التصادم واكثرنا سكارى ؟
ولا اذكر حتى اللحظة ولا قاسم ايضا كيف استطاع سائقنا الافلات منهم .
لعلها من الاعاجيب حين تدور بخاطري الان بعد ذكرني بها قاسم باتصال هاتفي من امريكا منذ مدة .
كان اخر لقاء لي معه في فندق المنصور ميليا في تسعينيات القرن الماضي .
تداولنا فيه احاديث كثيرة انصب معظمها حول المسرح الذي كان يشغل جميع جزئيات حياته ،
لكانه ولد في المسرح وسيموت فيه حتما ،
هكذا قرر منذ اعتلائه خشبة المسرح للمرة الاولى في ثانوية الثورة مع الراحل كريم جثير في في سبعينيات القرن الماضي ، وهو مايزال طالبا في الدراسة المتوسطة .
فأصبح المسرح قدره الازلي وتبحر فيه دراسة وتمثيلا وتاليفا واخراجا ،
وفي لقائي معه بعد مرور سنين طويلة من غربته وجدته كما هو فجذوة المسرح لم تنطفء في داخله بل تطورت وتحددت ملامحها تميزا في مشاركاته ومساهماته الكثيرة في الندوات والمهرجانات في مختلف دول العالم وليس في اميركا وحدها حيث يعيش ويمارس عشقه الابدي ، وكذلك بقي ذلك الانسان الذي يتميز بروحه الثائرة والناقمة كعهدي به اول مرة حين عرفته في ايام الشباب ولعل مصدر نقمته يعود لما يراه من اوضاع شائنة وغير طبيعية في الواقع الثقافي العراقي عموما من خلال تردي القيم الاخلاقية للافراد والمؤسسات عموما .
شكل قاسم ماضي في بداياته الاولى ثلاثيا مسرحيا مع الراحلين حسن الناقد وسمير الصحن ، انجزت فيه مسرحية واحدة ( زجاج في طريق الحفاة ) التي اعدها الناقد عن اشعار محمد الماغوط ومثلها سمير الصحن وعلي منشد وكانت من اخراجه والتي قدمت على مسارح الشباب في مدينة الثورة ونالت استحسانا وتقديرا جماهيريا ، ذلك الاستحسان الذي دفع هؤلاء الشباب الى بذل الجهود المضاعفة في القراءة والمتابعة والتواصل مع المجاميع الاخرى من اجل تطوير امكانياتهم الادائية .


لم تكن المجاميع المسرحية في المدينة تعمل منفردة بل تعمل بروحية التعاون فيما بينها ، ولذلك فان الفنان قاسم الذي امتلك امكانيات ادائية متميزة عمل هنا وهناك لابراز قدراته التمثيلية ، فعمل قاسم مع الاخوين عباس وعبد الرضا الحربي في اعمال مسرحية عديدة ،
ومنها مسرحية بعنوان ( الازفة ) اعداد واخراج الفنان عباس الحربي وتمثيل سميرة خنجر وفيصل جواد وسمير الصحن وطه طارق وعباس علي باهض وغيرهم والتي قدمت على قاعة مركز شباب اليرموك ، من خلال مديرية شباب بغداد/ الرصافة وعمل مع الراحل عبد الرضا الحربي في عمل مسرحي واحد من اعداد واخراج الحربي وادى معه سمير الصحن ، وكذلك ، في مسرحيتي ( اشجار الخير لن تموت ) وهي عبارة عن مجموعة من القصائد الممسرحة لشعراء عراقيين وعربا ، وادى ادورها معه كل من بلاسم حميد وعادل مكي ومحمد صادق ومن اخراج الفنان الراحل جليل عودة ومسرحية ( الزفاف ) من اعداد واخراج جليل عودة ايضا وادى معه ادوراها العديد من الفنانين ومنهم الفنان محمد الشيخ ، كما اخرج اصوات من نجوم بعيدة لصباح عطوان وجثة على الرصيف لسعد الله ونوس .


تسلح قاسم ماضي بثقافة اكاديمية رصينة اهلته ودفعته باتجاه التفوق في مجال عمله الفني ، فلقد تخرج من معهد الفنون الجميلة/ قسم المسرح ، ومن ثم اكاديمية الفنون الجميلة / قسم الفنون السمعية والمرئية ، وخلال فترة دراسته وما بعدها واظب على الكتابة والتمثيل والاخراج ليقدم مجموعة كبيرة من الاعمال المسرحية التي بقيت في ذاكرة المسرح العراقي ،ففي معهد الفنون الجميلة ادى دور البطولة في اطروحة تخرج الشاعر علي حمدان الفالح ، وأخرج مسرحية( ومضات من خلال موشور الذاكرة ) من تأليف جليل القيسي وتمثيل الفنان عدي عبد الستار وكذلك مسرحية ( بم ) تاليف الكاتب العربي مؤيد الشيباني وهي مسرحية من شخصيتين مثلهما كل من استبرق عزاوي ومحمد الدراجي ، ومسرحية ( حبيبتي دزدمونة ) التي كتبها الدكتور

سعدون العبيدي ، تمثيل استبرق عزاوي و زمن علي ، وصولا لتقديم اطروحتة للتخرج بمسرحية ( الخروج دخولا )
من تاليف الشاعر عبد الحميد الصائح وتمثيل الفنان طه ياسين المشهداني .
قدم في مغتربه مجموعة من الاعمال المسرحية ومنها
( كوخ الكائن دمو ) وهي من اعداده واخراجه على قاعة مؤسسة شومان ومسرحية صحت ياليل من تأليف الشاعر رحيم مطر واخراجه وتمثيل مجموعة من الفنانين الاردنيين المعروفيين في الوسط الفني الاردني
وفي امريكا قدم مسرحية ( يقظان ) عن الشاعر العراقي المغترب الذي توفي في سوريا مصطفى جمال الدين ضمن على قاعة هنري فورد في ميشغن ومسرحية ( كاتم صوت ) وكذلك مسرحية (تداعيات وطن ) وهي اطروحة تخرجه من جامعة مري اكروف في ديترويت .


دائما ما تؤدي سياسات السلطة القمعية التي تتغطى بغطاء الديمقراطية الزائف سواء كانت مدنية او دينية الى نتيجة واحدة لاغير واعني الخراب ، هذا الخراب الذي سيطال كل شيء في وطن يكدح فيه فيه شعبه تحت نير العبودية بكل مسمياتها، ولعل خراب الاوطان يمكن اصلاحه ذات يوم لكن خراب الانسان بعد تهشيمه وتغييبه لايمكن إصلاحه باي حال من الاحوال ، من هنا تصبح عملية الفنان شاقة في التعبير عن هذا الامر ، هذا ما فكرت به وانا اعيد قراءة سيرته الذاتية التي كتبها لي منذ ثلاثة اعوام وانا اشرع في كتابة هذه السلسلة ، ولاطرح هذا السؤال المتعلق بما تقدم من القول ، ما الذي يجمع بين ثلاثي عانى الاهمال والغربة والتغييب ؟ اليس هو الهم الانساني المشترك المنبعث من روح المعانات باشكالها المتعددة ؟ يجمع قاسم ماضي في عملين مسرحيين قدمهما في زمنين مختلفين ولكن الحدث بينهما مشترك ، ففي مسرحية ( كوخ الكائن دمو ) التي اعدها واخرجها وعرضت في مؤسسة شومان الشهيرة في عمان في التسعينيات ومن تمثيل جواد الربيعي واستبرق عزاوي واخرين ، تعمد الكاتب وضع اشارة ضمنية قصدية لبيان حالة التغييب التي عاشها ويعيشها جان دمو منذ البدء عبر اطلاق تسمية( كائن )عليه باعتبار ان كلمة كائن اطلقت رمزبا لتتطابق مع حالة التغييب الاخرى التي حدثت لهادي المهدي في مسرحية ( كاتم صوت ) من هنا يصبح الوطن والمنفى كلا واحدا إذ لا فرق بينهما سوى الغياب الابدي الذي يتعرض له الانسان المسحوق بحتمية واحدة واعني الموت ، مات جان دمو وحيدا في شقته كنتيجة لما تقدم ، ومات المهدي وحيدا في شقته ، وهما ضحايا انظمة التعسف المختلفة شكلا والمتطابقة مضمونا ، وبذلك اكد قاسم حسه الانساني والفني المتقدم في التعبير عن المآسي المستمرة للابد باعتباره ضحية لما تقدم شان الضحيتين التين ابدع في تقديم معاناتهما .
بعد اكماله دراسة الماجستير اسس لنفسه مشغلا نقديا ليمارس فيه حريته بالرصد والكتابة عن الاصدارات الادبية والفكرة في مغتربه.


صدرت له ثلاث مؤلفات وهي
١_ زجاج في طريق الحفاة مجموعة مسرحيات
٢_ تجارب مسرحية وهو كتاب عن اهم التجارب في المسرح
٣_ في ثنايا النقد وهو كتاب عن مجموعة من التجارب الشعرية
عاد الى بغداد منذ عامين لمحاولة اكمال دراستة للدكتوراه ، وكذلك الحصول على معاش تقاعدي من الدائرة التي كان يعمل فيها قبل تغربه ، دون جدوى فرجع الى مغتربه وهو محمل بخيبة كبيرة القت بظلالها عليه .


الكاتب والشاعر رحيم يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *