“لا تحزنوا على استشهادي، أحزنوا على ما سيجري لكم من بعدي”
قالها الشهيد بهاء عليان ضمن وصاياه العشر
هذا هو لسان حال الشهداء
اليوم يستشهد وليد الدقة ويا لحالنا من بعدك!
تعالت الأصوات والنداءات ليدرج اسمه في صفقة التبادل الماضية، فقط ليحضن ابنته ميلاد مرة واحدة يتيمة وإلى الأبد
لكنه رحل بلا وداع، وميلاد بقي قلبها فارغ وحضنها جاف
وليد الدقة سيذكره التاريخ إلى أن يأتي شخص يتفوق عليه بما قدم
مقاوم باسل ثم أسير مثابر منذ عام 1986 م، ثم شهيد 2024
التحق وليد بالقتال في منظمة التحرير الفلسطينية عام 1983 م، هو المعتصم الذي لبى نداء امرأة فلسطينية كانت تتفحص كومة جثث من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا بحثا عن أحد أقاربها وتصيح
كان من المفروض تحرره في 24 مارس 2023 م، لكن المحتل يخاف الأجساد ويغتال الفكرة
أمضى 38 عاما نائما على برش وضيع، بقميص بني باهت، ليرتقي شهيدا ويضمه تراب فلسطين اللين العطر… المشبع بدماء الشهداء…
هنيئا لك مرافقتهم يا وليد.
سلام عليك وعلى روحك الخالدة، تكمل اليوم انتصاراتك بمعركة وجودك، ميلادك باق يتوج انتصاراتك على العدو، نطفتك التي تحمل خصالك، وتكمل حكاياتك، وصل جود لأبيه بسر الزيت بينما لم تصل ميلاد ، كنا معها نترقب وصولها يحدونا الأمل، لكن يد السجان اغتالت أمنية ميلاد وأمانينا.
لماذا نتألم الآن؟
نحن رفاق القلم أسرتنا في عالمك الموازي، في ذلك الزمن الموازي الراكد نمى الإحساس بالإنسان وتفاعل وجوديا وفكريا ليصنع تاريخ مختلف وزمن موازٍ للزمن الاجتماعي خارج الأسر، وخلقت مفردات شغلتنا وصنعت نتاجا فكريا عظيما، بين خيال الحكايات وأدب السجون، فقد حاربت صهر الوعي الذي مارسه السجان، ونذرت فكرك للخلود، جسدت آلام الأسرى ومعاناتهم والمعركة الوجودية داخل الأسر وخارجه.
تبقى أنت الفكرة وطيفك سيصنع زمنا موازيا آخر ويبقى…
ستكبر ميلاد وستقرأ رسائلك وتفهمها، ستعرف أنها جود في حكاية سر الزيت، ستعرف أنها كانت الحلم حيث كتبت “حكاية سر الزيت” قبل أن تولد، سر الزيت المقدس يستعمله “جود” ليختفي ويزور والده بالسجن لأول مرة وقد منعه الاحتلال من الزيارة، وأنكر نسبه، وستدرك أهمية المحافظة على إرث الأجداد ووصيتهم بالمحافظة على الأرض والعودة لها وحماية الذاكرة، حين تقرأ “حكاية سر السيف” ستبحث عن شجرة “أم رومي” و “لينا” و ” براط ” وستحذر “أبو ناب” وستكبر ونعرفها جميعا فهي من نسل البطولة كما عرف التمساح نسل أبناء الوادي.
رحلت ولم تكمل الجزء الثالث من الثلاثية “حكاية سر اللطف” عن شهداء الثلاجات والأسرى، أو أن التتمة كانت بالفعل لا بالقول.
لماذا نتألم الآن؟
لأنك الفعل لا الكتابة فقط، ونحن أحبار على ورق، نكتفي بنشر الكلمات، أما أنت فرحلت وكلماتك حية تهب روحها للكائنات وتعانق الأرض وتهب النور للسماء، كلماتك حالة صدق أما كلماتنا فهي أضعف الإيمان، هي أعذارنا التي تبيح لنا الحياة.
أما سناء فهي الزوجة والحبيبة والعاشقة وأم الميلاد، أمنت بك وحارب لأجلك عقودا من الزمن، حملت عبقا من مريم البتول، اختارت حياة موازية في عالم خاص من نسج محبتها وعطائها.
وليد أنت الآن حر
وقد سبقت الأولين والآخرين
مقاوم وأسير وشهيد أربعين عاما من عشق الوطن والعمل لأجله ويزيد..
الكاتبة إسراء عبوشي